سامي نادر

قولنا والعمل

2 أيار 2022

14 : 20

يحل عيد العمال هذا العام والبلاد تعيش أكبر الأزمات الاقتصادية عبر التاريخ. ولأنها مناسبة للتوقف عند حقوق العمال والتأكيد عليها، يفرض السؤال نفسه ماذا بقي من حقوق العمال في لبنان؟ ماذا بقي من قيمة رواتبهم وقدرتهم الشرائية؟ ماذا بقي من تغطيتهم الصحية وحقوقهم التقاعدية؟ الجواب واضح: كلها انهارت مع انهيار قيمة النقد وتداعي أركان الاقتصاد على أيدي سلطة سياسية أمعنت فساداً وهدراً على مر السنين. وعوض أن تحمي حقوق العاملين على أراضيها، سخرتها إما لمصالحها الضيقة أم خدمةَ للخارج.

المفارقة في اللحظة التاريخية التي نعيش، وبعدما توقفت كافة محركات النمو، أن الصراع لم يعد بين شركاء الإنتاج، أي بين العمال وبين أرباب العمل، كما هي الحال في معظم البلاد التي تشهد إنتاجاً ولو بالحد الأدنى، وأياً كان النظام الاقتصادي المعتمد. الصراع اليوم هو بين فرقاء الإنتاج مجتمعين وسلطة المحاصصة التي قضت على الإنتاج بكافة مكوناته وامتصت الثروة الوطنية. المصانع والمتاجر أقفلت أبوابها وتبددت ثرواتها. أما العمال فتشتتوا، منهم من انضمّ إلى سوق البطالة، منهم من سلك درب الهجرة، ومن بقي منهم لا يكفيه راتبه حتى لتغطية كلفة انتقاله إلى مقر عمله.

ويضاف إلى شركاء الإنتاج الذين أصبحوا بفعل تطور الأزمة في معسكر واحد في مواجهة سلطة المحاصصة، أصحاب الودائع. وكيف لا وهم مصدر المدخرات الذي يشكل في أي اقتصاد غير ريعي المصدر الأساس لتمويل العمل والإنتاج. هذا طبعاً إن قامت المصارف بالدور الموكلة به، أي إدارة السيولة والحد من المخاطر وتوظيفها لخلق الثروات وفرص العمل. والمقصود بأصحاب الودائع، أياً كان تصنيفهم، كبار المودعين أو صغار، هؤلاء الذين وثقوا بالقطاع المصرفي وائتمنوه مدخراتهم وقد جنوها بعرق جبينهم، أكان في البلد الصغير أو في بلاد الاغتراب الواسعة. ومستثنى منهم طبعاً من راكم الثروات من خلال "الاستثمار" بالهندسات المالية وأدوات الاقتصاد الريعي وألاعيب نظام المحاصصة.

يأتي عيد العمال هذه السنة وطوابير اللبنانيين أمام القنصليات العربية والأجنبية أطول من أي يوم مضى. يبحثون عن عمل، لأن لا حياة من دون عمل. يبحثون عن عمل في دول تحترم العمل وحقوق العمال. ينضمون إلى قوافل لبنانيين كثيرين انتشروا في العالم يعملون، يبدعون، يخلقون الثروات. هؤلاء هم العمال اللبنانيون بإمتياز، وكيف لا؟ ومعظمهم، وبالرغم من كل ما حدث من "خيانة" بحقهم، من خلال حجز ودائعهم ومحاولات تقويض حقهم بالتصويت، ما زالوا يرسلون الأموال إلى لبنان لمساندة عائلاتهم. قد تكون هذه التحويلات ما حال حتى الآن دون الارتطام الكبير.

في هذه المناسبة تحية لكل عامل لبناني على الأراضي اللبنانية أو في دول الانتشار. ثروة البلد الصغير كانت وما زالت في قدرة أبنائه على العمل. قولنا والعمل، نردد عند تلاوة النشيد الوطني. العمل يصنع الأوطان، يبني الاقتصاد ويصون الكرامات.