خالد أبو شقرا

"Moody's ": الضغط على القطاع المصرفيّ يُفاقم الأزمة

الإجراءات المُصطنعة لا تصنع الحلول

25 تشرين الأول 2019

00 : 50

محاربة الفساد المدخل الأول للإصلاح (فضل عيتاني)
يوماً بعد آخر تنكشف فضائح الورقة الإقتصادية، التي حاولت الحكومة من خلالها إيهام الشارع اللبناني والمجتمع الدولي بقدرتها على اجتراح الحلول للخروج من الأزمة. التحذير من اعتماد سياسات غير مستدامة أتى هذه المرة من وكالة التصنيف الدولية " Moody's" التي تضع لبنان تحت مجهرها، وتتابع تطورات أوضاعه النقدية والمالية عن كثب.

"موديز" التي لم تُخفّض تصنيف لبنان عن " Caa1" مطلع هذا الشهر، ممهلة الدولة ثلاثة أشهر لتحقيق إصلاحات جدّية، حذّرت مؤخّراً من أن "الثقة بقدرة الحكومة اللبنانية على خدمة ديونها قد تتقوّض بدرجة أكبر، بسبب خطتها لإجبار المصارف التجارية على القبول بسعر فائدة أقلّ على دينها".

التحذير الدولي يُشكّل الضربة القاضية لـ "الورقة الإقتصادية"، التي تعتمد بشكل شبه كامل في تصفير عجز الموازنة على إجبار المصارف على تسليفها مبلغ 5 آلاف مليار ليرة بفائدة منخفضة أو حتى من دون اي فائدة. إذ إن "هذا الإجراء هو ترتيب تمويلي استثنائي، لا يخفّض العجز في الموازنة، بل انه يساهم لهذا العام فقط بإطفاء نسبة كبيرة من العجز"، يقول رئيس الجمعية الإقتصادية اللبنانية منير راشد.

بالاضافة الى ان هذا الإجراء مصطنع، فهو يعطي صورة خاطئة للأسواق ويهدّد الاستقرار والثقة بلبنان. ولنسلّم جدلاً بأنه جرى تنفيذ هذا القرار وانخفض عجز موازنة 2020 من 7.6 في المئة الى حدود 0.6 في المئة من الناتج المحلّي، فإن العجز في موازنة 2021 سيتجاوز الـ 8 في المئة، وستقف الدولة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لتخفيض هذا العجز، وسيصبح الاقتصاد اللبناني مثل لعبة "yoyo" وهو أمر أكثر من خطير.

مصرف لبنان الذي يعاني من استنزاف احتياطه الاجنبي سيجبَر هو الآخر على تخفيض فوائد السندات التي يحملها لصالح الدولة اللبناينة، مما سينعكس حتماً على ميزانيته وقدرته في دفع الفوائد على ودائع المصارف والسندات بالعملات الاجنبية "يوروبوندز". وهو ما قد يضاعف بحسب موديز "الضغوط على ربط العملة والقدرة على خدمة الدَّين في المدى المتوسط. كما أن الإلغاء المقترح لحيازات البنك المركزي من أدوات الدَّين بالعملة المحلية بحسب الوكالة، سيخفّف ضغط السيولة في المدى القصير".

الأثر على الأسواق

بالاضافة الى أن هذا الإجراء عقيم تجاه تخفيض العجز العام، فإنه يحمل بحسب راشد "مخالفات جوهرية، فهو يُعتبر تدخلاً فاضحاً في الاسواق المالية، يحرج المصارف، ويقلل من قدرتها على تأمين دفع الفوائد على الودائع لزبائنها، لأن جزءاً كبيراً من استثماراتها سيذهب الى الدولة من دون فوائد أو ربح".

وتعتبر مثل هذه الاجراءات منافية للإقتصاد اللبناني الحر والقائم على حرية تحرّك رؤوس الاموال وتوفّر الاستثمارات. فلا يحق للدولة بأي شكل من الاشكال أن تفرض على المصارف تسليفها، والأكيد أنه لا يحقّ لها التدخّل بتحديد مستوى الفوائد، لان الأخير تحدّده الأسواق، بناء على قاعدة العرض والطلب.

وبحسب "موديز" فبالاضافة الى خطورة التسليف منخفض العوائد فإن "زيادة ضرائب القطاع المالي ستكون ذات أثر ائتماني سلبي على البنوك، حيث ستضغط على عوائدها الضعيفة أصلاً وقدرتها على امتصاص الصدمات". هروب الرساميل

مقابل التحذيرات الدولية من زيادة الضغط على القطاع المصرفي وإجباره على تمويل العجز بفوائد منخفضة، تبرز مجموعة من الآراء تبرر خطوة الدولة، وحقها في الطلب من المصارف التي راكمت أرباحاً هائلة، أن تساهم في الحل. وبحسب راشد فإن هذا الرأي ينطوي على بعض المغالطات فـ"المصارف تضع جزءاً من الأرباح كاحتياطات وتوزع الباقي كأنصبة ربح على المساهمين. وبالتالي فإن أي تخفيض في عوائد الاسهم، قد يدفع المساهمين الى سحب استثماراتهم ونقلها الى الخارج. وهو ما سيؤدي الى خروج المزيد من الاستثمارات بالعملات الاجنبية، وانحسار أو تراجع تدفقات رؤوس الاموال من الخارج الى داخل لبنان". ما يجري اتخاذه من خطوات لمعالجة الأزمة أشبه ما يكون بـ "لحس المبرد"، فيما المطلوب "البدء بمكافحة الفساد، لان هذه الخطة تشكل المدخل الصحيح لأي عملية بناء مستقبلي على أسس سليمة"، يقول وزير المال السابق جورج قرم.

أمام هذا الواقع، وفي ظل تعنّت السلطة وعجزها الفاضح عن القيام بأي تغيير أو إصلاح حقيقي، ستبدأ بعد فترة وجيزة التصنيفات السلبية تنهال علينا من كل حدب وصوب، وهو ما سيفاقم المشاكل ويعقد الحلول أكثر.


MISS 3