ستيفاني غلينسكي

ألمانيا تنقل اللاجئين الأفغان لإفساح المجال أمام الأوكرانيين

11 أيار 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 05

لاجئون أوكرانيون في محطة برلين للقطارات
قرع أحد على الباب حين كانت بروانا أميري تتناول الفطور مع زوجها وابنتَيهما الصغيرتَين. وقف زائر غير متوقع في الخارج. إنه عامل اجتماعي وقد جاء لنقل خبر مفاجئ: يجب أن تُخلي العائلة منزلها تمهيداً لاستضافة لاجئين جدد من أوكرانيا هناك. قيل لأفراد العائلة إنهم مضطرون للرحيل خلال 24 ساعة ولم يسمحوا لهم بطرح الأسئلة أو التفاوض حول ما يحصل. تبلغ أميري 33 عاماً، وهي ناشطة اجتماعية ولاجئة من أفغانستان وصلت إلى برلين في أواخر كانون الثاني هرباً من حركة "طالبان". كانت قد استفادت من مساعدة الحكومة الألمانية بعد تلقيها التهديدات طوال سنتين متلاحقتَين. هي واحدة من مئات الأفغان المقيمين في ألمانيا، لكنهم باتوا اليوم مضطرين لإفساح المجال أمام اللاجئين الجدد من أوكرانيا. طلبت أميري استعمال اسم مستعار في هذه المقالة حفاظاً على سلامتها.

يقول طارق العوس، عضو في "مجلس اللاجئين في برلين" (مبادرة مشتركة بين منظمات مختلفة تشارك في تحسين ظروف اللاجئين في العاصمة الألمانية وتحرص على احترام حقوقهم): "امتنعت وسائل الإعلام عمداً عن تغطية عمليات إخلاء المنازل. يعيش البعض في منزله منذ سنوات لكنه سُلِخ الآن من بيئته الاجتماعية، حتى أن الأولاد نُقِلوا إلى مواقع بعيدة عن مدارسهم. بررت الحكومة هذه الحملة معتبرةً أن الأفغان غادروا "مراكز الوصول" حيث يُفترض أن يقيموا لفترة قصيرة أصلاً. لكن يعيش عدد من العائلات هناك منذ سنوات، واستقرت عائلات أخرى في أماكن مختلفة عن مراكز الوصول. لم تتحسن معيشة جزء كبير من الناس، لكن كان معظمهم يخشون رفع الصوت حول ظروفهم خوفاً من أن تتأثر مكانتهم كلاجئين. أُخلِيَت حوالى عشرة مساكن في برلين".

كذلك، وصل رجل أفغاني عمره 30 عاماً (طلب عدم الإفصاح عن اسمه الحقيقي أيضاً) إلى ألمانيا في شهر كانون الثاني مع والدته وشقيقَيه الأصغرَين، علماً أن أحدهما مصاب بمرض في القلب. بعد إخراج عائلته من المجمّع الذي كانت أميري تقيم فيه، يقول هذا الرجل، وهو الشخص الوحيد الذي يجيد اللغة الإنكليزية في عائلته، إنه انفصل عن شقيقَيه ووالدته وعُرِض عليه مكان إقامة في منطقة مختلفة من المدينة. استقرت عائلات أخرى في مراكز الوصول التي اعتبرتها أميري منزلها خلال الأشهر الأولى التي تلت وصولها إلى ألمانيا، لكن أقام آخرون في منزل مشابه للفندق وتكفّلت الحكومة الألمانية بدفع جميع التكاليف.

يضيف العوس: "ما يحصل ليس ذنب الأوكرانيين طبعاً، لكن يجب أن نقوي تضامننا إذا كانت هذه الحملة تستهدف فئات معينة. أثبتت الأحداث في الأشهر الأخيرة أن اختلاف التعامل مع اللاجئين ممكن".

كانت هيئة التكامل والعمل والخدمات الاجتماعية في لجنة الشيوخ في برلين مسؤولة عن هذا القرار الذي يرتكز برأيها على "اعتبارات ضرورية وصعبة من الناحية العملية"، وما من حل بديل عن هذه الحملة لأن الأوكرانيين، بما في ذلك عدد كبير من النساء والأولاد، يحتاجون إلى سقف فوق رؤوسهم وسرير ينامون عليه.

قال السكرتير الصحافي في الهيئة، ستيفان شتراوس: "نحن نأسف لأن هذا الوضع زاد المشاكل التي تواجهها العائلات الأفغانية، ولأن المتضررين اضطروا للانتقال من محيطهم المألوف، وقد يجدون صعوبة الآن في متابعة تطوير روابطهم الاجتماعية. كانت برلين تشمل ما مجموعه 83 موقعاً مختلفاً ليقيم فيه اللاجئون، وهي تستضيف أصلاً حوالى 22 ألف شخص. لكن كان يُفترض أن يستقر الأوكرانيون الوافدون في عدد صغير من مراكز الوصول المحددة لتبسيط المعاملات". أضاف شتراوس أن الأفغان، بعد إخراجهم من أماكن إقامتهم، حصلوا على مساكن "دائمة" أخرى وبالجودة نفسها، باستثناء الحمّامات والمطابخ المشتركة.

لكنّ الوضع ليس إيجابياً لهذه الدرجة. سبق واضطرت أميري وأفراد عائلتها لتغيير مكان إقامتهم مرتَين منذ إخراجهم في شهر آذار، وهم يقيمون اليوم في فندق سابق في ضواحي برلين الشمالية، داخل "رينكيندورف" التي تُعتبر ملجأً موَقتاً لمن هم "بلا مأوى". إنه ثالث منزل تنتقل إليه هذه العائلة خلال شهر واحد.

تعليقاً على أماكن الإقامة هذه، ذكر منشور على "فيسبوك" صاغه مكتب منطقة "رينكيندورف" العبارة التالية: "تأمين سكن دائم ليس الهدف الأساسي". إنها معلومة مؤكدة عند النظر إلى الغرفتَين الصغيرتَين هناك والمطبخ المشترك. لكن يبقى هذا المكان أفضل من المسكن السابق حيث كانت الحمّامات مشتركة أيضاً، وقد اكتشفت أميري بعد فترة قصيرة أن بعض السكان يحمل خلفية جنائية. لقد شعرت بالقلق من تعرّض ابنتَيها للخطر في ذلك المكان: إحداهما في الخامسة من عمرها، والثانية في شهرها الثامن.

تقيم العائلة راهناً مع لاجئين آخرين، لكن يؤكد مدير المنشأة رادنيتز (يرفض الإفصاح عن اسمه الأول) على تخصيص هذا المكان لكل شخص أصبح "بلا مأوى لاإرادياً".

هذا المكان الجديد ليس قليل الكلفة. عرضت أميري رسالة تُفصّل المبالغ التي تدفعها الحكومة الألمانية مقابل غرفتَين صغيرتَين ومطبخ مشترك: 37 يورو للشخص الواحد في كل ليلة، أي حوالى 4500 يورو شهرياً. إنه مبلغ كبير حتى بالنسبة إلى العاصمة التي ترتفع فيها كلفة المعيشة. لم يتّضح بعد إلى متى ستبقى العائلة هناك: هي بقيت في أول مسكن لها (شقة صغيرة على شكل حاوية لكن مجهّزة بالكامل) إلى أن تمكنت من العثور على أول شقة حقيقية (إنها مهمة صعبة في العاصمة المكتظة، حتى لو كانت الحكومة الألمانية تدفع هذه التكاليف كلها). من المتوقع أن تنتهي مدة الإقامة في المأوى الجديد بحلول نهاية شهر تموز.

تضيف أميري: "لا نعرف إلى أين سيرسلوننا في المرحلة المقبلة. سبق وحصلت ابنتي على مكانٍ لها في روضة الأطفال. كنا قد بدأنا نستقر تدريجاً في ذلك المكان إلى أن طُلِب منا المغادرة. منذ ذلك الحين، لم يحالفني الحظ في إيجاد مكان لابنتي في روضة أطفال مجاورة". قدّم عاملون اجتماعيون ناطقون باللغة الإنكليزية المساعدة في معاملات الهجرة وشاركوا في تسجيل اللاجئين الجدد في المدارس الألمانية، لكن لم تصل أي مساعدات من هذا النوع إلى الملجأ الجديد.

كان أول مسكن استقرت فيه العائلة فارغاً ومهجوراً حين زاره فريق من صحيفة "فورين بوليسي" في بداية شهر نيسان، بعد أسابيع على طرد عائلات عدة. عبّر العاملون الاجتماعيون عن استيائهم من طريقة تعامل الحكومة مع الأفغان ومع لاجئين آخرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

هم يتطرقون إلى إحدى المشاكل التي يواجهها الأفغان الذين وصلوا إلى ألمانيا بعد استيلاء حركة "طالبان" على أفغانستان في آب 2021. ينتسب معظم الباحثين عن الأمان في ألمانيا إلى نظام اللجوء الذي يمنحهم إقامة موَقتة يُعاد تقييمها كل ستة أشهر. بحسب الظروف القائمة في بلدان المنشأ، غالباً ما يُحرَم هؤلاء الناس من تمديد الإقامة أو صفة اللجوء في نهاية المطاف. لكن تخطّى معظم الأفغان بعد إجلائهم من بلدهم منذ شهر آب الماضي هذه الإجراءات بالكامل، فتلقوا تصاريح إقامة فورية مدتها ثلاث سنوات.

يقول عامــــل اجتماعـــي شرط عدم الإفصاح عن هويتــه: "يعني هذا الوضـع أن الأفغان يدخلون في الخانة نفسها بعد فترة قصيرة على وصولهم، فيتم التعامل معهم كطالبي لجوء سبق وحصلوا على صفة اللجوء، على اعتبار أنهم يقيمون في ألمانيا منذ سنوات ويجيدون لغة البلد ويستطيعون الاستفادة من هذا النظام. لهذا السبب، لم تتلقَ أميري الشكل نفسه من المساعدات، مع أنها وصلت إلى البلد للتو. استناداً إلى وضع الهجرة في حالتها، يُفترض أن تكون مقيمة في ألمانيا منذ سنوات".

قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت ألمانيا أكبر دولة تستضيف اللاجئين في أوروبا، ففتحت أبوابها في العام 2015 لمعظم الهاربين من الحرب في سوريا. يقيم أكثر من 1.24 مليون لاجئ في ألمانيا، مع أن بولندا رحّبت بحوالى 2.8 مليون أوكراني خلال الأسابيع التي تلت الغزو في 24 شباط.

حين اجتاحت حركة "طالبان" العاصمة الأفغانية في شهر آب الماضي، أخرجت ألمانيا حوالى 5 آلاف شخص من البلد، معظمهم من الأفغان. تقول تيريزا بروير، واحدة من مؤسسي مبادرة "جسر كابول الجوي" غير الربحية: "منذ ذلك الحين، أقدمت الحكومة الألمانية على إجلاء حوالى 4 آلاف شخص، ونحن أخرجنا 3 آلاف آخرين". نتيجةً لذلك، بلغ إجمالي عدد الأفغان الوافدين إلى ألمانيا بعد وصول "طالبان" إلى كابول حوالى 12 ألفاً.

لكن منذ بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، سجّلت ألمانيا 316 ألف أوكراني هارب من الحرب على الأقل. أصبحت برلين، التي تقع في شرق البلد بالقرب من الحدود البولندية، أول محطة يصل إليها عدد كبير من الهاربين، وقد سجّلت حتى الآن 60 ألف وافد جديد. منذ ذلك الحين، تحوّل مطار "تيغيل" القديم والفارغ في برلين إلى أكبر مركز لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين في المدينة، وهو يستطيع استضافة حتى 2600 شخص في كل ليلة.

على غرار معظم الأفغان، لن يبقى إلا عدد صغير من الأوكرانيين في العاصمة الألمانية إلى أجل غير مُسمّى. يتّجه معظمهم إلى واحدة من 16 ولاية محلية. تسجّلت أميري في برلين بعد قدومها إلى ألمانيا في أواخر شهر كانون الثاني، وهي تحمل اليوم تصريح إقامة مدته ثلاث سنوات.

تقول أميري من غرفتها الصغيرة لكن المشرقة: "قُتِل رب عملي السابق في كابول، وكنتُ أخشى أن أخسر حياتي طوال الوقت حين بدأتُ أتلقى تهديدات شخصية. لا تكفّ ابنتي عن سؤالي عن احتمال مجيء "طالبان" إلى هنا، لكني أستطيع أن أنفي حضورهم أخيراً. إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالأمان والامتنان لأن ألمانيا تبني مستقبلاً واعداً لابنتيّ. حين انتشرت أولى الصور من أوكرانيا، رحتُ أبكي على شعبها. أنا أعرف معنى الحرب وأهوالها، وما زلتُ أبكي عليهم. أتمنى بكل بساطة أن تبقى طريقة التعامل متساوية بين جميع اللاجئين، إذ لا وجود لأي فرق بيننا".


MISS 3