القرود تتفوّق على البشر في مرونتها المعرفية!

02 : 05

إستنتجت دراسة جديدة حول المرونة المعرفية أن قرود الكبوش والريسوس تكون قابلة للتكيف أكثر من البشر في بعض الظروف!

يعيش البشر في عالم معقد. حين نتعلم كيفية التعامل معه، نجمع سلسلة من القواعد في دماغنا. وعندما نكتشف طريقة معينة لتنفيذ أي هدف، سنتابع التصرف بالطريقة نفسها على الأرجح لأن إيجاد حلول جديدة مهمة شاقة من الناحية المعرفية.

وإذا نجحت أي مهمة، من الأسهل عموماً أن نتمسك بها، لا سيما إذا واجهنا معضلات أخرى في حياتنا اليومية. لكن تتغير بيئة البشر والقرود باستمرار. نتيجةً لذلك، لن يكون الالتزام بالقواعد التي تعلّمناها أفضل تكتيك دوماً.

تكشف دراسات عدة أن البشر تحديداً يميلون إلى التمسك بروتين اعتيادي.

في دراسة كلاسيكية من فترة الأربعينات مثلاً، طلب الباحثون من المشاركين أن يحلّوا متاهة. تقضي الطريقة الوحيدة لإتمام هذه المهمة بسلوك طريق متعرّج ودائري. لكن في منتصف التجارب المتعددة، غيّر الباحثون بنية المتاهة وأضافوا إليها طرقاً مختصرة أكثر بساطة.

تابع معظم المشاركين استعمال الطريقة المطوّلة والأكثر تعقيداً. بعبارة أخرى، فضّلوا التمسك بما يعرفونه، مع أن هذا الحل لم يكن الأكثر فاعلية.

بدأ باحثون من جامعة ولاية جورجيا في أتلانتا حديثاً يستكشفون مدى قدرة قرود الكبوش والريسوس على التفوق على البشر في هذا النوع من المرونة المعرفية. نُشرت النتائج في مجلة "التقارير العلمية".

يقول العلماء إن السبب الذي يمنع البشر من البحث عن حلول أفضل بعد إيجاد حل مناسب ليس واضحاً بعد.

توضح المشرفة الرئيسة على الدراسة، جوليا واتزيك: "نحن ننتمي إلى جنس فريد من نوعه وتتعدد الطرق التي نختلف فيها عن أي كائن آخر في العالم. لكننا نكون أغبياء جداً أحياناً".

شارك 56 شخصاً في أحدث دراسة، فضلاً عن 7 قرود من فصيلة المكاك الريسوسي، و22 قرداً من نوع الكبوش.

تعلّم البشر والقرود اختيار ثلاث أيقونات متلاحقة لتلقي مكافأة بناءً على مفهوم التجربة والخطأ. حصد البشر النقاط أو سمعوا أغنية، بينما تلقّت القرود الموز.

حين يقوم المشاركون بخيار خاطئ، يسمعون صوت صفارة ويتلقون إنذاراً بانتهاء الوقت طوال ثانيتَين.

بعد 96 تجربة، غيّر العلماء اللعبة. خلال التجارب الست والتسعين اللاحقة، يستطيع المشاركون تلقي المكافأة عبر اختيار الأيقونة الأخيرة بشكلٍ صائب من دون أن يضطروا لتذكّر موقع الرمزَين الأصليّين.في التجارب التي اقترحت هذا الطريق المختصر، تكيّفت القرود كلها مع الوضع سريعاً واستعملت أسهل طريقة: بدأ 70% منها يستعملها فور اقتراحها. في المقابل، تراجع أداء البشر في هذه اللعبة، إذ لم يستعمل 61% منهم الطريق المختصر مطلقاً.

يظن الباحثون أن القرود تتمتع بمرونة معرفية إضافية بسبب سِعَة ذاكرتها العاملة.

تشير الذاكرة العاملة إلى القدرة على حفظ عناصر كثيرة في العقل دفعةً واحدة خلال وقت قصير. بشكل عام، تتراجع هذه الذاكرة لدى القرود مقارنةً بالبشر.

تدعم أبحاث سابقة هذه النظرية. في إحدى الدراسات مثلاً، طلب الباحثون من المشاركين حل مسائل رياضية معقدة. فاكتشفوا أن المجموعة التي تتوسع سِعَة ذاكرتها العاملة تميل إلى التمسك بالقواعد المعقدة. أما المجموعة التي تتراجع لديها الذاكرة العاملة، فتميل إلى البحث عن بدائل بسيطة وتستعملها عند إيجادها.

ربما تعتبر المجموعة التي تتراجع ذاكرتها العاملة أن القواعد المعقدة عبء معرفي، لذا تحاول إيجاد بدائل أكثر بساطة. في الوقت نفسه، لا تشعر المجموعة التي تتوسع ذاكرتها العاملة بثقل الأعباء المعرفية، وهذا ما يفسّر تراجع ميلها إلى البحث عن حل بديل.

في الدراسة الجديدة، احتاج المشاركون إلى حفظ موقع الرموز الأصلية في ذاكرتهم العاملة. وفي التجارب الأخيرة، سمح لهم الطريق المختصر بتخفيف الأعباء المفروضة على تلك الذاكرة.

وبما أن الذاكرة العاملة محصورة بدرجة إضافية لدى القرود، كانت هذه الأخيرة أكثر ميلاً إلى البحث عن حل جديد وبسيط. في المقابل، لم تفرض هذه المهمة مصاعب كبرى على البشر الذين يستفيدون من ذاكرة عاملة واسعة، لذا كانوا أقل ميلاً إلى البحث عن حلول أخرى.

إنها نتائج مثيرة للفضول حتماً، لكن استعملت الدراسة طريقة واحدة لقياس المرونة المعرفية. تتوقف هذه المرونة على مجموعة واسعة من العوامل، منها البيئة، ونوع التحديات، ومدى استعداد الفرد للتصرف بمرونة.

قد تتفوق دوافع القرود لإيجاد الطعام مثلاً على رغبة البشر في كسب النقاط أو سماع أغنية. ربما يفسّر هذا الاختلاف في مستوى الدوافع نزعة القرود إلى خوض التجارب والبحث عن طرق مختصرة محتملة. لكنّ النظرية القائلة إن البشر لا يبحثون بكل بساطة عن طرق جديدة لحل الأحجيات لا تفسّر هذه النتائج بالكامل. لتوضيح هذه الفكرة، تشير واتزيك إلى دراسات سابقة ارتكزت على مهام مماثلة. شغّل الباحثون حينها فيديو يشرح الطريق المختصر المحتمل أمام المشاركين: "استعمل عدد إضافي من البشر الطريق المختصر بعد مشاهدة فيديو يظهر فيه شخص وهو يسلك ذلك الطريق. لكن لم يَخْتَر 30% منهم هذا الحل. وفي تجربة أخرى، أخبرنا المشاركين بألا يترددوا في تجربة حلول جديدة. فاستعمل عدد إضافي منهم الطريق المختصر حينها، لكن لم يستعمله آخرون رغم كل شيء".

تُعتبر هذه الاستنتاجات مثيرة للاهتمام، لكن لا بد من إجراء أبحاث أخرى. تستنتج سارة بروسنان التي شاركت في الإشراف على الدراسة الأخيرة أن هذا البحث يضيف معلومات قيّمة إلى المعطيات التي تفسّر اختلاف البشر عن الرئيسيات الأخرى.