المقاتلات الكرديات ضد "داعش" ما مصيرهن؟

03 : 05

إعتبر المقاتلون الأكراد الذين يتعرضون للهجوم التركي قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا "طعنة في الظهر".

منذ بدء القصف في 9 تشرين الأول، أسفرت العمليات العسكرية التركية ضد "قوات سوريا الديموقراطية" في شمال سوريا (أقوى حلفاء واشنطن وأكثرهم فاعلية في الحرب ضد "داعش") عن مقتل 11 مدنياً على الأقل وعدد غير مؤكد من المقاتلين الأكراد (بين العشرات والمئات وفق التقديرات).

يُعتبر المقاتلون الأكراد شركاء أساسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بين العامين 2003 و2017، شاركوا في إسقاط نظام صدام حسين وحاربوا "القاعدة" وطردوا "داعش" من شمال العراق وسوريا.

حاربت النساء الكرديات على الجبهات في تلك المعارك كلها، كما فعلن منذ أن ترأست القائدة الكردية كارا فاطمة كتيبة عثمانية مؤلفة من 700 رجل و43 امرأة في القرن التاسع عشر ضد الإمبراطورية الروسية.

كان ذلك الحدث غير مألوف في تلك الفترة، لكن لطالما اعتُبرت المرأة الكردية استثناءً على القاعدة في الشرق الأوسط المُحافِظ في معظمه.

من هم الأكراد؟

كردستان من أكبر الأوطان التي لا تملك دولة في العالم. يقيم حوالى 35 مليون كردي في منطقة جبلية متداخلة بين تركيا وإيران والعراق وسوريا وأرمينيا.

كان الأكراد منقسمين سياسياً في البداية خلال القرن السابع عشر، حين توزعت أراضيهم بين السلطنة العثمانية والدولة الصفوية. في تلك الفترة، سافر العالِم الروماني بيترو ديلا فالي إلى تلك المنطقة وتفاجأ برؤية "نساء كرديات يتجولن بكل حرية من دون حجاب". فتكلم في كتيّبه في العام 1667 عن "تعاونهنّ مع الرجال الأكراد والأجانب من دون مشاكل".


بعد الحرب العالمية الأولى، رسمت اتفاقية "سايكس بيكو" بين بريطانيا وفرنسا حدوداً عشوائية في أنحاء الشرق الأوسط، فأنشأت الدول المحمية الاستعمارية. أدت هذه العملية مجدداً إلى تقسيم الأكراد على أربعة بلدان هذه المرة: تركيا، إيران، العراق وسوريا.

يحارب الأكراد لاسترجاع سيادتهم منذ ذلك الحين، ونجحوا خلال العقود الأخيرة في إنشاء مناطق مستقلة الحكم داخل العراق وسوريا.

لكن في إيران وتركيا، يتابع الأكراد صراعهم المسلح. يعتبر البلدان هذه الأقلية العرقية تهديداً إرهابياً ويقمعان الجماعات الكردية بطريقة قانونية. هذا الوضع جعل كردستان (منطقة هادئة ومزدهرة فيها كمية كبيرة من احتياطيات النفط) محور مستنقع جيوسياسي.

قبل تغيّر موقف ترامب حديثاً، دعمت الولايات المتحدة الأكراد في سوريا والعراق وإيران، حيث أدوا دوراً محورياً لهزم "داعش" واحتجزوا حوالى 11 ألف مقاتل من التنظيم. لكن تعتبر تركيا، حليفة الولايات المتحدة، الأكراد المسلحين في سوريا امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني" المتمرد الذي يقاتل في سبيل استقلال الأكراد في تركيا منذ الثمانينات. في أيار 2018، قُتِل أكثر من 250 شخصاً حين قصفت تركيا مدينة عفرين السورية ذات الأغلبية الكردية، علماً أن القوات التركية المُسلّحة تعتبرها "ممراً إرهابياً".

النساء في "حزب العمال"

تأسس "حزب العمال الكردستاني" الماركسي اللينيني في العام 1978. قد يكون عدواً للدولة التركية، لكنه من أبرز الحركات النسوية في الشرق الأوسط أيضاً.

عقد الحزب أول مؤتمر له حول حقوق المرأة في العام 1987، حيث اقترحت ساكينة جانسيز (واحدة من مؤسسي "حزب العمال الكردستاني" اغتيلت في العام 2013) ضرورة أن يشمل خطاب "التحرير للجميع" تحرر النساء أيضاً.

تعترف أجندة الحزب السياسية بكل وضوح اليوم بالأقليات الدينية والمعارضين والنساء كجوهر للديموقراطية.

في المناطق الكردية المستقلة في العراق وسوريا، تتمتع النساء بالحقوق القانونية بقدر الرجال. ويفوق عدد النساء في حكومة إقليم كردستان العراق عددهنّ في بريطانيا (30% مقابل 20%).

نشأ "ميثاق الاتحاد السوري لكردستان" شبه المستقل في العام 2012 ويفرض أن تشكّل النساء 40% من جميع المناصب الحكومية على الأقل. وعلى كل مؤسسة عامة سورية كردية أن تشمل رئيسَين، رجلاً وامرأة.

كذلك، تشكّل النساء حتى 30% من المقاتلين الأكراد في أنحاء الشرق الأوسط. ينتشر أكثر من 25 ألف امرأة كردية في سوريا تحت راية "وحدات حماية المرأة"، ميليشيا نسائية مستوحاة من إيديولوجيا التحرير النسوي في "حزب العمال الكردستاني". في المقابل، تقتصر نسبة النساء في الخدمة العسكرية الأميركية على 14%.

أنقذت القوات الكردية النسائية آلاف اليزيديين المحتجزين لدى "داعش" في جبل سنجار العراقي في العام 2014، وساهمت في تحرير مدينة الرقة من "داعش" في العام 2017.

متساوون في المعركة ولكن...رغم الحرية النسبية للنساء في كردستان مقارنةً بأماكن أخرى في الشرق الأوسط، لا يمكن القول إن المجتمع الكردي يساوي بين الجنسين بالكامل.

في العام 2014، بلغ عدد النساء في السلك القضائي 12 من أصل 250 قاضياً، وترأست امرأة واحدة الحكومة مقابل 21 رجلاً. ولا تزال ممارسات ختان الإناث وزواج القاصرات وجرائم الشرف مستمرة، لا سيما في الأرياف. كذلك، لا نقاش حتى الآن حول مسائل مثل مساواة الأجور وتحركات #أنا_أيضاً في كردستان.


تجدر الإشارة إلى نجاح عدد من أشهر القياديات الكرديات تاريخياً لأن نفوذهن لم يطرح تهديداً على المؤسسات الذكورية.

خلال الحرب العالمية الأولى، أنقذت عديلة خانم، قائدة منطقة حلبجة الكردية، حياة عدد كبير من ضباط الجيش البريطاني في ساحات المعارك، وهذا ما أعطاها لقب "أميرة الشجاعة". لكنها وصلت إلى السلطة في الأصل لأنها ورثت منصبها بعد وفاة زوجها. فحكمت حلبجة بين 1909 و1924 ولم تفرض أجندة تضمن حقوق المرأة.

مسار شاق نحو الحرية

كانت المرأة الكردية تُعتبر تهديداً على السلطة الذكورية وعوقبت في مناسبات كثيرة وكان يُحكَم عليها بالموت أحياناً.

هذا ما أصاب أول امرأة حاربت في الجيش الكردي. برزت مارغريت جورج مالك وسط الرجال خلال الستينات وقادت الجنود في الحرب الكردية نحو الاستقلال عن العراق. لكنها قُتِلت في العام 1969 في ظروف غامضة. يظن بعض المؤرخين أنها قُتِلت على يد حبيبها لأنها رفضت الزواج به. لكن يقول آخرون إن القيادة الكردية اغتالتها لأنها خافت من نفوذها المتزايد.

في مطلق الأحوال، تعبّر جريمة قتل مالك عن المعارك التي تخوضها النساء الكرديات حتى اليوم.

تشتق كلمة "امرأة" ("جين") في اللغة الكردية من "حياة" ("جيان"). وترتبط هاتان الكلمتان بكلمة "جان"، أي ألم المخاض.

في منطقة تحاصرها التهديدات، بدءاً من الاعتداءات التركية وإرهاب "داعش" وصولاً إلى سطوة المجتمع الذكوري محلياً، تناضل نساء كردستان في سبيل الحياة والحرية. لكنّ الكلفة باهظة وخطيرة!


MISS 3