ألكسندر كولي ‏

الحكايات الصينية مترجمةً

قاسم فولكلوري مشترك بين الغرب والصين...

21 أيار 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

رسوم من حكايات The Golden Frog (الضفدع الذهبي)، و The Three Wishes (الأمنيات الثلاث)، و Stories of Birds (قصص الطيور)، و The Weird Story (القصة الغريبة) (1929-1931)، بقلم لين لان، من مجموعة كتب تعرضها مكتبة بكين العادية (مطبعة جامعة برينستون)
تحمل القصص الخيالية نفحة من الغرابة لدرجة أن تبدو أشبه بابتكارات فردية وراسخة في مكان وزمان محدّدَين. تتعدد الحكايات الشهيرة، منها القصة الفرنسية الكلاسيكية Sleeping Beauty (الجميلة النائمة)، والحكاية البريطانية Jack the Giant Killer (جاك القاتل العملاق)، والقصة الألمانية Snow White (بيضاء الثلج). لكن تُرجِمت مجموعة لافتة من الحكايات الصينية التي كُتِبت منذ مئة سنة تقريباً، وهي توضح أن قصة Little Red Riding Hood (ذات القبعة الحمراء) ليست فرنسية أو ألمانية، بل إنها تتمحور حول طفلة عالمية تظهر بأقنعة مختلفة حين تشق طريقها في الغابة، وتبقى في جميع الحالات الفتاة البريئة التي يستهدفها وحش متعطش لقتل الصغار. بعد نشر حكاية The Dragon Daughter (ابنة التنين) وقصص خيالية أخرى بقلم لين لان، حصل تحوّل جذري في طريقة فهم سجل الحكايات في العالم الناطق باللغة الإنكليزية. تشمل هذه المجموعة 42 قصة خيالية، مُعظمها يُترجَم إلى الإنكليزية للمرة الأولى، وتم اختيارها من بين أكثر من ألف قصة نُشرت تحت الاسم المستعار "لين لان" الذي استعمله لي ساو فينغ للمرة الأولى في العام 1924: إنه الكاتب الذي استعان بزملاءٍ له لجمع حكايات من جميع أنحاء الصين.

بدأت الحكايات الصينية تتسلل إلى الغرب خلال القرن الماضي، لكنها لم تلقَ اهتماماً كبيراً من الباحثين. لذا يحاول علماء من أمثال جوين شانغ، مُحرر المجموعة ومُترجِمها، تغيير هذا الوضع. يظن شانغ أن لين لان يستحق شهرة أكبر لسببَين. كان هذا الأخير يشجّع المساهمين معه على تسجيل القصص المأخوذة من تقاليد شفهية أصيلة، لكنه رحّب أيضاً بإضفاء لمسة أوروبية على الحكايات. كانت النتيجة غير مسبوقة على مستوى الجمع بين حبكات مستوحاة من ثقافات مختلفة بطرقٍ مربكة وممتعة في آن لتقديمها إلى القارئ الغربي. يُطلَب من النسخة الصينية من "سندريلا" مثلاً غربلة الحنطة السوداء والقمح وفول مونج، ويُستعمَل الكعك المطبوخ على البخار بدل العصيدة، وتكون المزامير مصنوعة من الخيزران.

بدل التفكير بالإرث الثقافي الذي تركه علماء اللغة والآثار من القرن التاسع عشر، حان الوقت لاستكشاف ما يجعل الحكايات الخيالية "شبكة ذهبية من التقاليد الشفهية"، كما قال يوماً ويليام ويلز نيويل، مؤسس "جمعية الفولكلور الأميركي". وبدل تقسيم الدول على طول الخطوط الوطنية، تثبت الحكايات مدى ترابط الناس عبر القصص التي نتقاسمها جميعاً حول معنى العائلة، ومغادرة المنزل، ومواجهة الأشرار، وكيفية عيش حياة سعيدة دائمة. حتى أنها تُذكّرنا إلى أي حد كانت الحدود بين الشرق والغرب قابلة للاختراق منذ فترة طويلة.

مثلما ندعم جميعاً التنوع والاختلاف في هذا العصر، لطالما سادت نزعة قديمة إلى إيجاد ما سمّاه عالِم الأنثروبولوجيا الفرنسي، كلود ليفي ستراوس، "التناغم غير المتوقع" في أنظمة قناعاتنا الجماعية حول العالم. في منتصف القرن العشرين، شجّعنا ليفي ستراوس على التفكير بالرؤية العالمية التي حملها الشعراء الملحميون والمتجولون ورُواة آخرون من خلال تحويل المفاهيم الثنائية المجرّدة إلى لاعبين بشريين مؤثرين يتصارعون في عوالم رمزية تشبه بعضها في مختلف الثقافات.

في مجموعة كتب لين لان، تُطرَح المشاكل المنزلية التي تشكّل محور الحكايات المعروفة في الغرب بأسلوب مختلف، لكن تبقى الخلافات بين الأشقاء والصراعات بين الأهالي والأبناء من أبرز العوامل التي تؤجج الحبكات المطروحة، ولا ننسى مظاهر الفقر والمجاعة وخسارة الأهل. في حكاية The Toad Son (ابن العلجوم) مثلاً، تتوق امرأة إلى إنجاب طفل حتى لو كان يشبه الضفدع، ثم تَلِد ما تتمناه تحديداً، كما يحصل في بعض الحكايات الأوروبية. تبرز أيضاً قصة شقيقَين، الأول قاسٍ وبخيل والثاني لطيف وكريم، وتُذكّرنا هذه الحكاية بقصة مصرية قديمة. كذلك، سنقرأ قصصاً عن فتيان مثل "علاء الدين"من قصة The Thousand and One Nights (ألف ليلة وليلة)، فيخسر الإبن والده ويصبح كسولاً ويرفض إعالة نفسه ويثير بذلك استياء والدته. على مر هذه الحكايات كلها، سنتعرّف أيضاً على الموائد التي تصبح جاهزة من تلقاء نفسها، والمحاولات السحرية، والمهام المستحيلة. إنها أفكار مألوفة.

تقدّم حكايات أخرى قصص انتقام بأقسى النسخ الممكنة. اعتبر الناقد الألماني الهولندي أندريه جولز هذا الشكل من الحكايات نوعاً ساذجاً من الأخلاقيات كونه يتكل على حس العدالة الفطري ويكشف لنا حقيقة العالم الذي نريده، بجميع ترتيباته الاجتماعية المعقـدة وإجراءاته القضائية المطوّلة. في العالم الذي تقدّمه حكايات لين لان، تتجرأ زوجة حدّاد مصدومة على طعن شخص مستبد حتى الموت. ثم يطوف شبح حاكم الأرض بحثاً عن الانتقام. ينجح هذا "الأصلع الصغير" في ابتكار تعويذة لقتل الزوجة التي تُخطط لقتله.

تبرع هذه القصص في أكثر ما تتقنه الحكايات الخيالية، فهي تسلّط الضوء على الفضائل بكل وضوح وتستعمل العقاب كاستراتيجية لتطهير عالم الشر. وعلى غرار الحكايات الأوروبية بشكلها المثالي، تدعم هذه القصص شكلاً من الجمال الساطع وتعرض مظاهر مسرحية ومنمّقة من العنف. في النهاية، تبقى الجوانب الجمالية للقصة الخيالية أساسية وشائكة بقدر جوانبها الأخلاقية، فهي تمنحنا مواضيع للنقاش.

لكن إلى أي حد ترتبط الحبكات الواردة في هذه القصص بتقاليد السكان الأصليين أو تكون مستخلصة من تقاليد أخرى؟ يكتب شانغ، وهو أستاذ في الدراسات الصينية في جامعة "ويلاميت"، أن عدداً كبيراً من الحكايات يجمع بين الفولكلور الأوروبي والتقاليد الشفهية الصينية. لكننا نواجه مشكلة شائكة ولا نعرف الجهة التي استوحت من غيرها أولاً، إذ يستحيل أن نُحدد مصدر النسخة الأصلية من أي حكاية استناداً إلى تقاليد سرد القصص الشفهية منذ الحقبة التي تسبق عصر الطباعة والثقافة البصرية.

في رســــــالة إلى أحد المسـاهمين، يؤكد المحـــرر الأصلي لمجلدات لين لان على ضرورة أن تكـــون الحكايات "أمينة" للعالم الذي ينتمي إليه كل راوٍ. يبدو أن "التلميع" و"التنقيح" كانا ممنوعَين، وقد استُعمِلت سياسة عدم التدخّل في التحرير بأعلى درجات الصرامة. بعبارة أخرى، قد تكون تلك القصص أقرب إلى حقائق السرد الشفهي من الحكايات الغربية التي أنتجت نسخاً مُخفّفة عند توجيهها إلى أولاد الطبقة الوسطى مع ظهور ثقافة الطباعة.


يطرح ملحق لمجموعة الكتب نقاطاً مهمة حول طريقة جمع القصص، مع أنه لا يقدّم معلومات كافية عن المبادئ التي وجّهت شبكة لين لان خلال العشرينات. سنتعرّف مثلاً على "أم مريضة" تروي قصة بعنوان The Garden Snake (أفعى الحديقة) ونطّلع على كيفية تسجيلها بنبرتها الخاصة: تجعلنا هذه الحكاية نتساءل إذا كان رُواة هذه القصص نساءً في معظمهم، على غرار النزعة الشائعة في التقليد الأوروبي.

لكن هل تُعبّر تلك الحكايات فعلاً عن أصوات العاملين في المنازل، أي المرأة التي تروي القصص للأولاد أو لنساءٍ أخريات أثناء قيامها بالأعمال المنزلية المتكررة؟ إذا كانت جميع المتغيرات المحلية في أي قصة جزءاً من "أسطورة" عالمية، كما يقول ليفي ستراوس، تزداد أهمية اكتشاف خبايا هذه الحكايات والتعبير عن أصوات النساء وخصائص الفولكلور المشترك.

لكن رغم جميع الحقائق التي تبقى خفية حتى الآن، تُذكّرنا حكايات لين لان بأن الأجواء المنزلية مؤثرة ولها أهمية كبرى، على غرار القصص الأوروبية المشابهة. تحمل الحياة العائلية تأثيراً كبيراً لأنها قادرة على إنتاج الشائعات والقصص والثرثرة ومجموعة من أدوات التعبير لتسهيل معالجة الصدمات والشفاء منها. لو كانت جميع العائلات السعيدة متشابهة، كما كتب ليو تولستوي، أو كانت العائلات الحزينة تعيسة على طريقتها الخاصة، يعني ذلك أن الحكايات الخيالية تضفي نفحة من الواقع المرير على تلك التعاسة.

ومثلما تحمل هذه الحكايات جوانب غريبة بفضل تقلباتها ومنعطفاتها الفردية التي تُضاف إلى القصة حين يسرد رُواة جدد أي حكاية قديمة ويضفون عليها أجواءً محددة، من الواضح أن هذا النوع من القصص يحمل في جوهره عوامل يسهل أن تترك أثرها فينا، سواء كانت القصة تتمحور حول تجاوز المخاطر المترتبة عن الصراعات العائلية بحثاً عن الرومانسية أو استعمال الدهاء الشخصي للانقلاب على الأقوياء والأثرياء.



MISS 3