باسمة عطوي

نتائج الانتخابات تُنذر بانقسامات أفقية وعمودية حادة

الفراغ السياسي أقصر الطرق إلى الدمار الاقتصادي الشامل

23 أيار 2022

02 : 00

نتائج الانتخابات فاجأت أكثر من طرف

ليس صدفةً الاضطراب الحاصل في تأمين الكهرباء أو ظهور شبح الشح في المحروقات والخبز وأدوية الامراض المستعصية والارتفاع المضطرد لسعر الدولار في السوق السوداء. فكل ما يشهده اللبنانيون بعد طي صفحة الانتخابات النيابية أمر متوقع لأن لبنان مستمر في مرحلة «السقوط الحر» نحو الهاوية منذ نحو أكثر من سنتين ونصف، ولم يعد أمامه سوى الارتطام الكبير نتيجة الانهيارات الحاصلة في كل القطاعات. لكن قوى سياسية بالشراكة مع مصرف لبنان ونافذين وأصحاب كارتيلات وتجاراً أخفوا نسبياً معالم هذا السقوط الاضافي خلال فترة التحضير للإنتخابات، كي لا تؤثر جذرياً على نتائج صناديق الاقتراع.

اليوم، لم يعد بالإمكان الإختباء خلف إجراءات ترقيعية. دقت ساعة الحقيقة وبات اللبنانيون أمام مفترقي طريق، الاول إتخاذ قرار سياسي توافقي عريض (من قبل المجلس الجديد والحكومة المقبلة) لإستكمال الاجراءات الاصلاحية مع صندوق النقد الدولي كمعبر للخروج من الازمة التي نتخبط فيها. والثاني الاستمرار في المشاحنات السياسية بين القوى والاحزاب حول الاستحقاقات، ولا سيما تشكيل الحكومة وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يعني الدخول في فترة فراغ سياسي طويل على غرار ما حصل بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وإستمر أكثر من عامين. فهل يحتمل اللبنانيون دفع ثمن الفراغ السياسي لأشهر وربما سنوات مقبلة، وعدم إستكمال المفاوضات مع صندوق النقد؟ وما هي كلفته؟ وكيف سيتجلى الارتطام على أرض الواقع الاجتماعي والمعيشي للبنانيين؟وجهتا نظر

هناك وجهتا نظر للإجابة على هذه الاسئلة. الأولى تقنية تقول إنه يمكن تجنب الارتطام من خلال تنفيذ شروط صندوق النقد وإستمرار المفاوضات معه والوصول إلى إتفاق، حتى ولو كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هي حكومة تصريف أعمال ولم يتم تشكيل حكومة جديدة. أما وجهة النظر الثانية فهي سياسية وتعتبر أن سبب حصول الانهيار الإقتصادي والمعيشي هو غياب القرار السياسي لمعالجة الأزمة بطريقة علمية، وهذا القرار يبدو أنه غير متوفر حتى بعد إنتخاب مجلس نيابي جديد. وسيتجلى أكثر بالعراك الذي بدأ بين القوى السياسية حول الاستحقاقات الدستورية وأولها تشكيل الحكومة المقبلة.




سعادة الشامي



لا بديل عن الصندوق

في الشق التقني يشرح نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي لـ»نداء الوطن» أنه «يمكننا الوصول إلى إتفاق مع صندوق النقد إذا أُقرت القوانين المطلوبة في مجلس النواب الجديد. فحكومة الرئيس ميقاتي أنجزت معظم الخطوات المطلوبة منها، وفي حال أقر مصرف لبنان ما هو متوجب عليه يمكن السير في الاتفاق النهائي. وحالياً هناك قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يتم العمل عليه، وفي حال أُقر تكون الحكومة قد أنجزت كل ما هو عليها (3 مشاريع قوانين موجودة في مجلس النواب منها مشروع قانون الموازنة والكابيتال كونترول)».

يتمنى الشامي «على المجلس النيابي الجديد أن يوافق على جميع النقاشات التي تم التفاهم عليها مع صندوق النقد للخروج من الازمة. لأن عدم التوصل إلى إتفاق معه يعني مزيداً من العواقب على لبنان خصوصا أن كل دول المانحة تُبدي إستعدادها لمساعدتنا شرط تطبيق الاصلاحات»، مشدداً على أنه «علينا البدء بخطوات إصلاحية كي نتمكن من تحفيز المجتمع الدولي على مساعدتنا، وإذا لم يحصل هذا الامر فإننا أمام وضع إقتصادي غير مريح، والجميع يعلم أن الوقت له قيمة كبيرة في هذه المرحلة».

ويختم: «في حال لم نتفق، لا أعتقد أن المجتمع الدولي سيمد لنا يد المساعدة لأننا لم نساعد أنفسنا، وأعتقد أن جميع القوى تعي ذلك، وإلا ما كنت موجوداً في المكان الذي أنا فيه».




نقولا نحاس



ترابط السياسة مع الاقتصاد

في المقابل يقف النائب نقولا نحاس في ضفة القائلين إن تلافي الارتطام الاقتصادي والإنفجار الإجتماعي يحتاج إلى قرار سياسي موحد حول الازمة والحكومة والاستحقاقات الدستورية القادمة، وهذا أمر لم تظهر معالمه إلى الآن. ويشرح لـ»نداء الوطن» أن «الإنقسام السياسي الذي إزدادت حدته بعد الانتخابات النيابية سيُترجم مزيداً من التدحرج والانهيار من دون الاسترسال في تعداد أوجهه، وهذا الوجع الاقتصادي سيتجلى في كل المؤشرات المعيشية التي ستزيد صعوبتها على المواطنين».

ويشدد على أنه «لا يمكن تقييم الخطة التي إقترحها صندوق النقد الدولي للخروج من الازمة في هذا الجو السياسي الصعب الذي يعيشه لبنان، هذا الامر غير ممكن لأن المشهد الاقتصادي في لبنان مرتبط بالمشهد السياسي».




ياسين جابر



سنعيش الحالة العراقية

يؤيد النائب ياسين جابر وجهة النظر القائلة إننا مقبلون على فراغ سياسي سيترجم مزيداً من الازمات المعيشية، ويشرح لـ»نداء الوطن» أنه «أمامنا إستحقاقات عديدة ستُدخلنا في دوامة الفراغ. أولها تأليف الحكومة وثانيها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. وكلام الوزير جبران باسيل حول الحكومة يعني أن حكومة الرئيس ميقاتي ستستمر في تصريف الاعمال إلى أن نصل إلى شهر تشرين الاول ليتظهر الاتفاق على شروط إنتخاب رئيس جديد للجمهورية»، لافتاً إلى أنه «يمكن أن نعيش التجربة نفسها التي عشناها بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وما على اللبنانيين سوى الدعاء ان تحصل تسوية إقليمية حول الملف النووي حتى يكون له نصيب من الانفراجات اذا حصلت».

ويوضح أنه «في حال إستكمل المجلس النيابي الجديد إنجاز القوانين المطلوبة للإصلاح من دون القرار السياسي بتنفيذها هو أشبه بترقيعة. والسؤال هل هناك توافق كلي على الاصلاحات المطلوبة من الصندوق؟ لا أعتقد ذلك، وهناك خلاف في المجلس حول الموازنة وقانون الكابيتال كونترول»، معتبراً أن «كل ما يحصل لا يوحي بأننا نخرج من المأزق، والدليل ما يحصل في موضوع الكهرباء والطحين وسعر الدولار في السوق السوداء».

يرى جابر «أننا الآن نعيش الحالة العراقية، لكن وضعنا الاقتصادي أسوأ ونحو مزيد من الانهيار لأن المعالجة تحتاج إلى قرار، ولأن صندوق النقد أعطانا الوصفة للعلاج لكن السير به هو قرار لبناني. وحتى اليوم نحن نعيش في دوامة سياسية في جزء منها هي إنعكاس لصراع دولي- إقليمي»، لافتاً إلى أن «المطلوب هو تشكيل حكومة سريعاً وإتخاذ القرارات اللازمة لأن القوانين الاصلاحية المطلوبة موجودة ولا تحتاج إلا إلى تطبيقها (تعيين هيئات ناظمة لقطاعات الكهرباء وطيران وسلامة غذاء وإتصالات)».

ويتوقع أنه «إذا إستمرينا على هذه الحال، فالإرتطام الكبير حاصل بالتأكيد وسيعكس على شكل أزمة إجتماعية كبيرة، وأشكاله ستكون فلتان لسعر صرف دولار السوق السوداء و من ثم تضاؤل إحتياطيات في البنك المركزي، وربما قد يضطرون للجوء إلى بيع الذهب»، مشدداً على أنه «في حال دخلنا في فراغ رئاسي وحكومي سنصل إلى تدهور وإنهيار سريع ولن يعود بإمكان حكومة تصريف الاعمال حتى تنفيذ قراراتها التي تتخذها، ولو من باب الترقيع لتأمين حاجات الناس الاساسية وليس الحل الجذري».

ويختم: «اليوم الوضع مختلف عن العام 2015. والفراغ الذي حصل في 2014- 2015 لا نستطيع تحمله إقتصادياً وإجتماعياً».




جو سروع



لا حكومة يعني عقوبات!!

يتوقع الخبير الاقتصادي الدكتور جو سرّوع لـ»نداء الوطن» أن «يتم فرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة المقبلة، مما سيزيد الوضع اللبناني تعقيداً. لأن هناك متابعة جدية من قبل الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، والعقوبات جاهزة على عشرات الاشخاص في حال لن تتم الاستجابة للمبادرة الفرنسية القادمة»، موضحاً أن «ترجمة الفراغ على يوميات اللبنانيين سيعني أن لا سقف للدولار في السوق السوداء وسيحصل مزيد من التفلت الامني والاجتماعي، وأشك في أن يستمر مصرف لبنان بتمويل المنصة وتغطية النزف من الاحتياطي الالزامي، ما يعني أن دور السوق السوداء سيتعاظم في إدارة لعبة الدولار في البلاد وسيتفاقم الضرر المعيشي على اللبنانيين».

يشرح سروع أننا «في إنهيار تام وفوضى إقتصادية كاملة، وكل الملفات المعيشية للمواطن اللبناني مستباحة سواء مصرفياً أو غذائياً أو صحياً أو كهربائياً، وهذا ناتج عن انه لم يحصل أي إصلاح جدي يساعد على الخروج من الازمة منذ تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب».

ويختم: «المجتمع الدولي يطالبنا بالإصلاح، فهل يمكننا تنفيذه في مرحلة الفراغ القادمة؟ أشك في ذلك».

لعبة عض الأصابع

في الخلاصة، يمكن القول إن اتجاه القوى السياسية المتصارعة الى عدم التوافق على الحد الادنى المطلوب للسير ببعض المعالجات المخففة من وطأة الانهيار، ما هو الا لعبة عض أصابع بانتظار من يصرخ اولاً طالباً تسوية ما مع الآخر بقرار يرجح اتخاذه داخلياً وخارجياً. وفي الانتظار، يبقى الوضع المعيشي رهينة التجاذبات، مع ما يعني ذلك من انهيارات اضافية لا سيما على صعيد سعر صرف الدولار بعدما بدأ مصرف لبنان تقنين الصرف من الاحتياطي لديه. فهل سنشهد في الاسابيع والاشهر المقبلة انفلاتاً للاوضاع وتعود التظاهرات الى الشوارع؟ هكذا انفلات هذه المرة لن يكون كما انتفاضة 17 تشرين حتماً... ان غداً لناظره قريب!


MISS 3