رفيق خوري

من "الفوز الإنتخابي" إلى "الإنتصار الوطني"

28 أيار 2022

02 : 05

ليس بعد الإنتخابات سوى ما كان قبلها من تحديات، بصرف النظر عن التغيير الذي حدث. لا فقط تحديات اللعبة الداخلية على المسرح اللبناني بل أيضاً تحديات اللعبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط المؤثرة في لبنان المفتوح عليها والمدمن إنتظار ما يدور فيها من صراعات وصفقات. وكالعادة، فإن مراجعة المواقف بعد الخسارة عملة نادرة بالنسبة الى الأحزاب والتيارات والشخصيات. والقراءة الدقيقة في الربح تبدو مؤجلة أو صعبة في الأسابيع الأولى بعد الإنتخابات. فالخاسرون يتصرفون كأنهم رابحون، ولو بإختراع عدو وهمي كبير هزموه، أو بالرهان على كون موازين القوى ثابتة في السلطة الفعلية داخل السلطة الرسمية وخارج الدستور. والدرس الأول أمام الرابحين هو التمييز الإيجابي بين "الفوز الإنتخابي" في معركة مهمة وبين "الإنتصار الوطني" في معركة مصيرية.

ذلك أن الإنتخابات في حسابات "حزب الله" الذي عمل المستحيل لدعم "التيار الوطني الحر" والحدّ من خسارته، هي معركة الحفاظ على "الستاتيكو" الكارثي والحماية السلطوية للسلاح خارج الشرعية. وهي بالنسبة الى "القوات اللبنانية" و"التقدمي الإشتراكي" و"الكتائب" واللواء أشرف ريفي وناشطي المجتمع المدني وإنتفاضة 17 تشرين وبقية الشخصيات الرابحة، معركة التحول في موازين القوى في السلطة الرسمية من أجل "الإنتصار الوطني" في معركة السيادة والهوية. "حزب الله" يستخف بالتغيير الذي حدث ويتحدث عن "فوز وهمي"، ويتمسك بسلاحه ومشروعه ضمن تصور المرشد الأعلى علي خامنئي أن "اليد العليا في المنطقة لإيران" ورهان السيد حسن نصرالله على أن "مستقبل المنطقة لمشروع المقاومة". والقوى السيادية والتغييرية محكومة بإكمال المعركة لأن التراجع عنها يعني خسارة المصير، لا مجرد الدور.

والوقت حان للتخلي عن رهانات وهمية على تفاهم فرنسي-إيراني أو صفقة أميركية-إيرانية أو حوار سعودي-إيراني لإستعادة لبنان المخطوف. فلا لبنان بالنسبة الى الجمهورية الإسلامية مجرد ورقة في يد طهران للمقايضة واللعب بها مقابل مكاسب. ولا تسهيل الطريق لتأليف حكومة وإنتخاب رئيس للجمهورية، إذا حدث، هو أكثر من حركة تكتيكية في مساومات جزئية. لبنان هو القاعدة المتقدمة في المشروع الإيراني و"حزب الله" جوهرة التاج فيه. واسترداد لبنان المخطوف يعني في نظر طهران ضرب العمود الفقري للمشروع في سوريا والعراق واليمن.

ومن هنا أهمية المعركة المصيرية التي تخوضها القوى السيادية والتغييرية. فهي تحتاج أولاً الى تفاهم على المواقف ضمن رؤية إستراتيجية. وثانياً الى تكوين "بيئة حاضنة" سيادية قوامها كتلة تاريخية شعبية. وثالثاً الى التوظيف السياسي الجيد للرصيد الذي قدمه لها الناخبون. والأهم ليس إنتظار تحولات في المنطقة بل مرافقتها بتحولات لبنانية. فلا تحوّل يفيد من ليس مشاركاً في اللعبة.

والأمل هو ألا يصح فينا قول ميشال بونياتوفسكي عن المجتمع الفرنسي: "يحلم بالثورة، لكنه في الواقع يقاوم التغيير".


MISS 3