يوسف مرتضى

لماذا لا ترشح كتلة 17ت ملحم خلف إلى نيابة رئاسة المجلس النيابي؟

30 أيار 2022

02 : 00

إن عدم موافقة كتلة 17ت على المشاركة مع أحزاب المنظومة الفاسدة في حكومة وحدة وطنية مفهوم ومدعوم لأسباب ثلاثة: الأول هو رفض مبدأ الجمع بين النيابة والوزارة، الثاني هو رفض صيغة حكومة الوحدة الوطنية كما درجت عليه حكومات ما بعد الطائف، التي قتلت أحد أهم مبادئ النظام الديمقراطي، أكثرية تحكم وأقلية تعارض. والثالث هو أن مشاركة قوى 17ت مع أحزاب المنظومة في حكومة واحدة سيكون بمثابة صك براءة للمنظومة على ما ارتكبته من جرائم بحق الشعب اللبناني.

من هذه الخلفية ومن أجل وقف الإنهيار والتصدي للأزمة المعيشية الخانقة التي تطبق على أعناق اللبنانيين، أرى أنه لا بد من تشكيل حكومة إنقاذية مصغّرة من أكفاء نزهاء رئيساً وأعضاء، من خارج أحزاب المنظومة، تعطى صلاحيات تشريعية استثنائية لمدة سنة على الأقل، للتصدي لأزمة الكهرباء والماء وسعر صرف الدولار وحماية أموال المودعين وإصلاح الوضعين المالي والإداري، وإقرار إستقلالية القضاء وتفعيله بفتح أبواب المحاسبة في جريمة إنفجار المرفأ وسائر الجرائم الجنائية والمالية.

أما في ما يتعلق بنيابة رئاسة المجلس، فأرى أنه من الضروري أن تقدم كتلة 17ت على التنافس مع قوى السلطة بترشيح النائب ملحم خلف الذي يستوفي كل الشروط المؤهلة لذلك، والثورة التي تمكّنت من إيصال كتلة برلمانية وإن كانت لا تشكل أكثرية، إلا أنها تستطيع المنافسة في نيابة رئاسة المجلس، بالتفاعل مع كتل ومستقلين يمكن التعاون معهم، حيث أن لهذا الموقع أهمية قصوى في إدارة البلاد وإن كان حيزه في بنية السلطة التشريعية وليس التنفيذية.

من أين تنبع أهمية رئاسة المجلس ومكتبه في إدارة الدولة؟

منذ اتفاق الطائف العام 1990 يُحكم لبنان بنظام مجلسي صرف، فالتعديلات التي طرأت على الدستور منحت رئيس المجلس ومكتبه فرصة التحكم بجدول أعمال الهيئة العامة، أي هيئة تشريع القوانين. فمهما تقدم النواب والكتل النيابية باقتراحات قوانين، تبقى هذه الاقتراحات اسيرة أدراج رئاسة المجلس، ولا تصبح خاضعة للبحث إلا إذا وضعت في جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس، الأمر الذي يقرره الرئيس ونائب الرئيس وأعضاء مكتب المجلس. حتى مشاريع القوانين المعجلة المكررة التي تحال من الحكومة إلى المجلس لا تسري عليها مهلة الشهرين لإقرارها، إلا من لحظة وضعها في جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس. وهكذا يتحكّم رئيس المجلس ومكتبه بأولويات البحث بمشاريع القوانين، فيقدّم ما يريده ويؤخّر ما لا يريده لأشهر أو لسنوات، حيث لا توجد مهل محددة تفرض على رئاسة المجلس إدراج مشاريع واقتراحات القوانين حتى المعجّل والمكرّر منها.

من هنا تحتلّ نيابة رئاسة المجلس أهمية خاصة في التأثير بجدول أعمال الهيئة العامة، في الضغط على رئيس المجلس نبيه بري الذي سيعاد انتخابه للأسف هو نفسه عملاً بعرف بالٍ ولو بأصوات محدودة، هذا العرف الذي يجب أن تبدأ قوى الثورة بتجاوزه، بالضغط من داخل المجلس وخارجه لتطبيق المادة 95 من الدستور «الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية» والمادة 22، نظام المجلسين، مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف بشكل متساوٍ.

من هنا تحتل أهمية كبيرة مسألة مشاركة كتلة 17ت في مكتب المجلس للمساهمة في فرض أولويات جدول أعمال هيئته العامة. وعند رفض كل اقتراح لقوى التغيير في جدول أعمال الهيئة العامة يصار إلى فتح معركة داخل المجلس تتناغم مع حركة الشارع بهدف تصويب عمل المجلس وتيسير القوانين المسهلة لإعادة بناء الدولة على أسس دستورية سليمة، ووقف سياسة المحاصصة التي اعتادت عليها أحزاب المنظومة لثلاثين سنة خلت.

إن دوراً من هذا النوع وفي هذا الموقع بالذات سيشكل مساهمة كبيرة في تصويب دور مجلس النواب وعمله، إذا توفرت شروط النجاح به، ولا يمكن أن يُعدّ ذلك تواطؤاً مع قوى المنظومة كما يتخيل البعض. إن كتلة القوى التغييرية مع التأكيد على حرصها على ضرورة التمسك بالمواقف والخيارات المبدئية إلا أنها مع عدد من النواب المستقلين لا بد من أن تزاوج في خياراتها وحسب الملفات المطروحة، بين المبدئية والبراغماتية.