خضر حلوة

إذا عاندوا!

5 تشرين الثاني 2019

02 : 00

توازياً مع تطور الاحداث التي تجاوزت الاسبوعين، لا يمكن لأي عاقل إلا أن يقف إجلالاً أمام مجريات ما يحدث، ولا لأي موجوع أو مظلوم أو محروم سواء أكان رجلاً أو امرأة، شاباً أو كهلاً أو عجوزاً، متعلماً أو غير متعلم، مزارعاً أو مهنياً أو فنياً، من أقصى شمال البلاد إلى أدنى جنوبها، ومن ساحلها إلى جبلها وسهلها، ومن أي دين أو طائفة، أو ملحد وكافر، من مناصر للتحرك أو من مناهض، لا يمكنهم إلا أن يقفوا وقفة مراجعة للأسباب والنتائج التي ستؤول إليها هذه التظاهرات التي لبست ثوب الثورة بكل ما للكلمة معنى، وهي ثورة سلمية لا مكان للسلاح فيها. هذه الثورة لم تأت من عبث أو فراغ، فالمراقب والمتابع للثورات في العالم يدرك ويتوقع حدوثها نظراً إلى تراكم الأخطاء بل والخطايا، في السياسة وفي الاقتصاد، في الادارة وفي المجتمعات، في اهتراء القطاع العام الذي بدأت عدواه تنتقل إلى القطاع الخاص، بدليل أن مؤسسات كبرى ومصارف وصلت بها الأمور ليتم طلب ذكر دين أي مرشح للوظيفة وطائفته، ولم يكن ينقصها سوى ذكر الأحزاب والتيارت السياسية التي تنتمي إليها، حتى بات المستقلون وغير المنتمين نكرة في سوق العمل. هذه الثورة كان نواتها هؤلاء الشباب الأحرار الذين رفضوا الانتماء إلى أحزاب طائفية ومذهبية وتيارات سياسية تستقوي بأفرادها عددياً، مستبعدين العدد المخفي من جيل رافض للتبعية الالزامية التي توهمهم بالدفاع عن حقوق مسلوبة أو استعادة صلاحيات سياسية تسببت في ما مضى بحرب أهلية دفع لبنان ثمنها الكثير.

هذه الثورة أتت بعد مائة عام على إعلان دولة لبنان الكبير التي أرادها البطريرك الحويك الذي استشرف أهمية تكبير لبنان المسيحي ليتوحد مع الولايات المعتبرة آنذاك إسلامية، ليتم إعلان دولة لبنان الكبير التي لم يهضمها المسلمون السنة بسهولة بادئ الامر، ثم عادوا واعتادوا ثم أفادوا واستفادوا من هذه الدولة مثلهم مثل المسيحيين.

هذه الثورة المختلفة بمضامينها عن ذلك الاعلان، ثم عن مرحلة الاستقلال، ثم عن مرحلة آذار 8 و14، هي ثورة حقوق مهدورة لكل مواطن مهما كان دينه وانتماؤه. فهي ليست ثورة عاطفية أو وجدانية، كما إنها ليست صورة طائفية أو مذهبية أو مناطقية، إنها ثورة جامعة انطلقت من "بسكويت ماري انطوانيت" الذي يشابه رسم الواتساب الذي استهان به وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال محمد شقير الذي كان أجدى به أن يستشف أن هذا القرار السخيف سيكون نقطة الماء التي طفح منها الكيل وطفح الشعب من حكامه "ليذهب الصالح بعزا الطالح"، كما يقول المثل. لكن ما هو مؤكد أنه لا عودة الى الوراء ومن يقرأ تاريخ الثورات والانتفاضات يدرك جيداً أن ما بعد الثورة ليس كما قبلها: إنها "لبنان الجديد" وليس الكبير فحسب، أما المتاجرة بأرزاق الناس وحقوقهم وبإفقارهم وتهجيرهم فلم تعد تجدي مع قوى أساءت استعمال سلطتها تارة باستخدام العصب الطائفي وتارة العصب المذهبي وتارة الحزبي وتارة المناطقي حتى بتنا لا نعرف من نحن والى أين نحن سائرون؟

واذا كان المسببون يعتقدون أن اسلوبهم وسلاحهم الدستوري يسمح لهم باستعمال العدد لاختيار رئيس للحكومة فإننا نسمح لأنفسنا بتذكيرهم، حتى لا نقول بنصيحتهم، بأن يأخذوا في الاعتبار العدد الحقيقي الموجود في الساحات وليس العدد 128 (النواب)، لأنهم بذلك قد يكسبون شيئاً من مشروعيتهم واستعادة جزء من احترام الناس لهم، أما إذا عاندوا كما تعودنا فإن الثورة ستزيد قوة وستستطيع أن تغير وتصلح بالفعل هذه المرة وليس بالكلام.

MISS 3