أحيت ذكرى اقتحام السفارة الأميركيّة

طهران تُمعن في انتهاك الإتفاق النووي... وواشنطن تُعمّق جروح العقوبات

02 : 01

طالبات إيرانيّات يرفعن لافتة مندّدة بالولايات المتّحدة أمام مقرّ السفارة الأميركيّة السابق في طهران (أ ف ب)

سرّعت إيران بشكل واضح خلال الشهرَيْن الأخيرَيْن وتيرة إنتاجها لليورانيوم الضعيف التخصيب، وأعلنت أمس أنّها باتت تُنتج 5 كلغ من اليورانيوم المخصّب يوميّاً، أيّ أكثر بعشر مرّات ممّا كانت تُنتجه قبل شهرَيْن، عندما أوقفت التزامها ببعض القيود على برنامجها النووي الواردة في الاتفاق النووي، في وقت تجمّع الآلاف أمام مقرّ السفارة الأميركيّة السابق في طهران، مردّدين شعارات مناهضة للولايات المتّحدة وحاملين مجسّمات تسخر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بمناسبة مرور أربعين عاماً على عمليّة احتجاز موظّفيها كرهائن في المجمّع، بينما فرضت واشنطن عقوبات جديدة قاسية على 9 أشخاص مرتبطين بإيران، من بينهم نجل المرشد الإيراني، بالإضافة إلى هيئة الأركان العامة للقوّات المسلّحة.

وبخصوص العقوبات على طهران، أوضحت وزارة الخزانة الأميركيّة أن العقوبات تشمل مجتبى خامنئي، نجل المرشد الإيراني علي خامنئي. كما طاولت العقوبات كلاًّ من مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، ورئيس السلطة القضائيّة في إيران إبراهيم رئيسي، "لدوره في قمع الثورة الخضراء وإعدام السجناء في إيران". وقال وزير الخزانة ستيفن منوتشن في بيان: "هذا الإجراء يحدّ أكثر فأكثر من قدرة المرشد الأعلى على تنفيذ سياسة الإرهاب والقمع التي ينتهجها". وكان البيت الأبيض قد أعلن في وقت سابق أن النظام الإيراني يُواصل استهداف المدنيين الأبرياء لاستخدامهم كـ"بيادق" في العلاقات الخارجيّة الفاشلة، متعهّداً بفرض المزيد من العقوبات على طهران إلى أن "تُغيّر سلوكها العدائي".

وتابع البيت الأبيض: "بدل أن تكون إيران دولة رائدة في رعاية الإرهاب عالميّاً، يُمكنها أن تضع الشعب الإيراني في أولويّاتها، كما يُمكنها أن تختار السلام بدل حجز الرهائن والاغتيالات والتخريب والاختطاف البحري والهجمات على أسواق النفط العالميّة". وختم: "الولايات المتّحدة تسعى إلى السلام، ونحن ندعم الشعب الإيراني. لقد حان الوقت للنظام الإيراني أن يفعل الشيء نفسه".

"التحدّي النووي"

وأمّا في إيران، فقد كشف علي أكبر صالحي، نائب رئيس الجمهوريّة ورئيس منظّمة الطاقة الذريّة الإيرانيّة، أن بلاده صمّمت نموذجَيْن جديدَيْن لأجهزة الطرد المركزي المتطوّرة، مشيراً إلى أنّه بدأ اختبار أحدهما. وأوضح خلال زيارة لمركز نطنز (وسط) للأبحاث النوويّة، أنّه قبل المرحلة الثالثة "كان انتاجنا 450 غراماً من اليورانيوم المخصّب يوميّاً، لكن هذا الانتاج بات خمسة آلاف غرام يوميّاً".

ودشّن صالحي سلسلة جديدة من 30 جهاز طرد مركزي من نوع "اي ار 9"، التي يُسهم انتاجها لليورانيوم الضعيف التخصيب، في تسريع رفع مخزون البلاد. وأشار إلى أن المهندسين الإيرانيين "توصّلوا إلى صنع نموذج من "اي ار 9" وهو جهازنا الأحدث، إضافةً إلى نموذج جديد من آلة "سميت اي ار اس"، وتمّ كلّ ذلك في شهرَيْن"، من دون توضيح الخصائص الفنيّة للنموذجَيْن.

ولفت إلى أن أحد هذَيْن النموذجَيْن تمّ اختبارهما بيورانيوم على شكل غاز، موضحاً أن إيران لم تعد تشغّل أيّ جهاز طرد مركزي من جيل "اي ار 1"، وهو النموذج الوحيد المسموح به في اتفاق 2015. وذكر المسؤول الإيراني أنّ "كلّ ذلك حدث في وقت يقول فيه البعض إنّ الصناعة النوويّة الإيرانيّة تمّ تدميرها"، مضيفاً: "علينا أيضاً أن نشكر العدو الذي منحنا هذه الفرصة لإظهار قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة، خصوصاً في مجال الصناعة النوويّة".


في المقابل، حذّر الاتحاد الأوروبي من أن دعمه للاتفاق النووي رهن "احترام طهران التام لالتزاماتها". وقالت المتحدّثة باسم وزيرة خارجيّة الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغوريني: "في هذه المرحلة نُسجّل ما أعلنته طهران. نحن نعمل مع الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، التي تتحقّق من احترام إيران لالتزاماتها، وسنثق بتقييم الوكالة"، مضيفةً: "سنُواصل حضّ إيران على العودة عن هذه الإجراءات بلا تأخير، والامتناع عن أيّ إجراء آخر من شأنه الإضرار بالاتفاق".

"الموت لأميركا"

توازياً، خرجت مسيرات في مدن إيرانيّة عدّة في ذكرى مرور أربعة عقود على قيام طلّاب من أنصار "الثورة الإسلاميّة" باقتحام مجمّع السفارة الأميركيّة في طهران واحتجاز عشرات الديبلوماسيين الأميركيين وموظّفي السفارة، في عمليّة لا تزال تُسمّم العلاقات بين واشنطن وطهران. وقال قائد الجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي، في خطاب ألقاه في طهران: "سيُواصلون عِداءهم لنا. إنّهم أشبه بعقرب تُعدّ اللدغة السامّة جزءاً من طبيعته"، مضيفاً: "نحن على استعداد لسحق هذا العقرب وسندفع الثمن كذلك".

وندّد بفكرة التواصل مع الولايات المتّحدة، مردّداً التصريحات التي أدلى بها أخيراً المرشد الأعلى علي خامنئي. واعتبر موسوي أنّ عبارات على غرار التفاوض ليست إلّا "غلافًا يُخفي خطاب الاستسلام والانهزام"، مؤكّداً أن الطريقة الوحيدة للمضي قدماً هي عبر "المحافظة على الروح الثورويّة من خلال توخّي الحذر وطاعة الحاكم". وتمّ عرض نسخ للصواريخ وبطاريّات الدفاع الجوّي التي استُخدمت لإسقاط طائرة أميركيّة مسيّرة في حزيران، خارج مقرّ السفارة السابق في طهران، والذي تحوّل إلى متحف.

وتجمّع الإيرانيّون رافعين لافتات كتب عليها شعارات على غرار: "فلتسقط الولايات المتّحدة" و"الموت لأميركا". وخرجت تظاهرات كذلك في مدن مشهد وشيراز وغيرها، بينما قدّرت وكالة "مهر" للأنباء أن "الملايين" شاركوا في التجمّعات التي نُظّمت في أنحاء البلاد كافة، بالرغم من أنّه لم يكن من الممكن التحقّق من هذا الرقم.

وقالت مراسلة القناة التلفزيونيّة الرسميّة الإيرانيّة على الهواء مباشرةً: "لا شك في أن هذه اللحظة الأنسب لقول: فلتسقط أميركا". وحمل متظاهرون وقفوا خلفها لافتات صفراء كتب عليها: "لا يُمكن تحقيق وهم عودة الولايات المتّحدة إلى إيران"، في إشارة إلى خطاب للخامنئي الأحد، تحدّث فيه عن أهمّية عدم السماح للولايات المتّحدة بإيجاد "موطئ قدم" في إيران، فيما ذكرت وكالة "مهر" أن "الوثائق التي عُثِرَ عليها (داخل مقرّ السفارة الأميركيّة العام 1979) أثبتت صحّة ادّعاءات طلاب الثورة بأنّ واشنطن كانت تستخدم المبنى للتآمر"، ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة حديثة الولادة آنذاك.

وفي السياق، قال المتحدّث باسم الحكومة الإيرانيّة علي ربيعي للصحافيين إنّ "الأميركيين في فترة اقتحام السفارة كانوا يعتقدون أنّهم أمّة استثنائيّة قادرة على ارتكاب أعمال جائرة في أيّ مكان"، مضيفاً: "لا يزال هذا الشعور بالتميّز هو مشكلة أميركا. إنّها تسمح لنفسها بالدوس على القانون الدولي وارتكاب أسوأ الجرائم ضدّ الدول بلا خوف من ردّ الفعل الدولي". وكشفت إيران السبت رسوماً جداريّة جديدة مناهضة للولايات المتّحدة على جدران السفارة السابقة، تُظهر تمثال الحرّية منهاراً وطائرة أميركيّة مسيّرة تمّ إسقاطها وجماجم وسط بركة من الدماء. ورأى المسؤول الأميركي، الذي تعامل مع أزمة الرهائن آنذاك، غاري سيك في واشنطن، أنّ عمليّة احتجاز الرهائن "تُعدّ أفضل تفسير على الأرجح للسبب الذي يقف وراء الأزمة في العلاقات التي نعيشها حاليّاً".

وفي الرابع من تشرين الثاني 1979، وبعد أقلّ من تسعة شهور على الإطاحة بآخر شاه في إيران، اقتحمت مجموعة من الطلبة من أنصار "الثورة الإسلاميّة" مقرّ السفارة الأميركيّة في طهران. وطالب منفّذو العمليّة آنذاك، الولايات المتّحدة، بتسليم الشاه محمد رضا بهلوي، لتتمّ محاكمته في إيران، مقابل الإفراج عن الرهائن. ولم تنتهِ الأزمة بالإفراج عن الديبلوماسيين الأميركيين الـ52، إلّا بعد 444 يوماً. وقطعت الولايات المتّحدة علاقتها الديبلوماسيّة مع إيران العام 1980 وتجمّدت العلاقات مذّاك.

على صعيد آخر، لفت ربيعي إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني بعث رسالة إلى الملكين السعودي والبحريني "في إطار تأكيد طهران أنّها تسعى إلى السلام والاستقرار في المنطقة"، مضيفاً: "نعتقد أنّه يُمكن إيجاد علاقات ثنائيّة متعدّدة في المنطقة، ولا ينبغي أن تؤدّي الضغوط الأميركيّة إلى الابتعاد بين دول الجوار"، ورأى أن "السلام في المنطقة بحاجة إلى تعاون جماعي إقليمي".


MISS 3