جاد حداد

فائض الأموال يغيّر أدمغة الأطفال

4 حزيران 2022

02 : 00

وفق دراسة عشوائية مكثفة في الولايات المتحدة، يبدو أن تقديم الأموال النقدية إلى الأم يؤثر على نمو دماغ طفلها! برز رابط بين دخل العائلة ونمو الأطفال بشكلٍ متكرر في دراسات ماضية مبنية على المراقبة، لكنها المرة الأولى التي يكتشف فيها الباحثون أدلة تجريبية مباشرة حول تأثير الفقر على تلك التغيرات. تشتق هذه النتائج من دراسة مستمرة اسمها "أول سنة في حياة الطفل"، وهي تحاول تقييم أثر انحسار الفقر على نمو الأطفال المعرفي والعاطفي.

توضح عالِمة الأعصاب، كيمبرلي نوبل، من جامعة "كولومبيا": "نحن نعرف منذ سنوات أن النشوء في ظروف الفقر يُعرّض الأطفال لمشاكل مثل تراجع التحصيل العلمي، وانخفاض المداخيل، وتدهور الوضع الصحي. لكننا لا نستطيع حتى الآن التأكيد على ارتباط الفقر بحد ذاته بالاختلافات في طريقة نمو الأطفال، أو ربما يرتبط الفقر في الصِغَر بعوامل أخرى تؤثر على تلك الاختلافات بكل بساطة".

إستعانت الدراسة الجديدة بألف أم من أصحاب المداخيل المنخفضة في الولايات المتحدة بعد فترة قصيرة على ولادة أطفالهنّ.

جاءت هؤلاء الأمهات من نيويورك، أو نيو أورلينز، أو أوماها، أو مينيابوليس، سانت بول، ثم حصلن عشوائياً على 333$ شهرياً على شكل مبلغ نقدي غير مشروط، أو 20$ على شكل مبلغ نقدي غير مشروط خلال أول أربع سنوات من حياة الطفل من دون تقديم أي شيء في المقابل.

لكن بسبب تفشي وباء كورونا، اقتصر عدد العائلات التي تمكنت من إجراء الاختبارات شخصياً لقياس النشاط الكهربائي في أدمغة الأطفال على 435 عائلة.

ورغم تراجع حجم العيّنة المستعملة، تكشف البيانات أن تقديم دعم مالي للأمهات ذوات المداخيل المنخفضة قد يغير نشاط دماغ الطفل الرضيع مباشرةً في أول سنة من حياته.

زاد تردد النشاط الدماغي لدى الطفل الذي تلقّت أمه أكبر المبالغ النقدية مثلاً، مقارنةً بمن تلقّت أمه أصغر المبالغ.

تبرز الحاجة إلى إجراء أبحاث إضافية للتأكد من استمرار هذه التغيرات في النشاط الدماغي أو قدرتها على تحسين النمو المعرفي، لكن يسهل التشكيك بحصول ذلك.

تكشف دراسات صغيرة في الفترة الأخيرة أن نشاط الدماغ عالي التردد يكون أكثر شيوعاً وسط الأطفال المولودين في عائلات مرتفعة الدخل. كذلك، يرتبط هذا النوع من النشاطات بتحسّن الأداء في الاختبارات اللغوية والمعرفية والاجتماعية والعاطفية، مع أن هذه الروابط لا تبقى متماسكة في جميع الظروف.

تقول نوبل: "تتأثر جميع الأدمغة السليمة بالبيئة المحيطة بها والتجارب التي تخوضها، ونحن لا نقول إن مجموعة معينة تحمل أدمغة "أفضل" من غيرها. لكن نظراً إلى تصميم الدراسة العشوائي، نعرف أن مبلغ 333$ شهرياً غيّر على الأرجح بيئة الأطفال أو تجاربهم، ويبدو أن أدمغتهم تكيّفت مع الظروف المتبدلة".

بسبب طبيعة الدراسة، لا يعرف الباحثون بعد العوامل البيئية المسؤولة عن زيادة تردد الموجات الدماغية خلال التجربة. هم يستكشفون راهناً الرابط بين هذه النتائج ونفقات الأسرة، أو سلوكيات الأهل، أو العلاقات العائلية أو الإجهاد العائلي. لكن بغض النظر عن الأسباب، يبدو تأثير المال على نمو الطفل العصبي قوياً.

يقول خبير الاقتصاد، غريغ دانكن، من جامعة كاليفورنيا، إيرفين: "كانت الاختلافات بين المجموعتين مشابهة من حيث الحجم لتلك التي رصدتها المقاربات التعليمية الواسعة".

يأمل الباحثون في أن تسمح نتائجهم بتحسين سياسات معالجة الفقر يوماً. تسلّط تجربة "أول سنة من حياة الطفل" الضوء على أهمية وضع الأطفال في صلب تلك المقاربات كلها.

في النهاية، يكتب العلماء في تقريرهم: "تقليدياً، كانت النقاشات المرتبطة بسياسات تحويل المداخيل لصالح العائلات منخفضة الدخل في الولايات المتحدة تتمحور حول توريد العمالة من فئة الأمهات بدل الانشغال بضمان راحة الأطفال. لكن تدعو نتائجنا الجديدة إلى التركيز على تأثير سياسات تحويل المداخيل على نمو الأطفال".

نُشرت نتائـــج الدراســـة في مجلة "بناس".


MISS 3