جاد حداد

عاصفة نارية اجتاحت 10% من سطح الأرض وأنتجت عصراً جليدياً مصغّراً

4 حزيران 2022

02 : 00

منذ 12800 سنة تقريباً، أصبح عشر سطح الأرض مغطى فجأةً بنيران جامحة. كانت تلك العاصفة النارية تضاهي الحرائق التي مسحت الدينوصورات عن وجه الأرض، وقد نجمت على الأرجح عن تناثر مذنب يبلغ قطره حوالى 100 كيلومتر.

خنقت غيوم الغبار الأرض وأنتجت عصراً جليدياً مصغراً حافظ على برودة الكوكب طوال ألف سنة أخرى، فيما كانت الأرض تخرج للتو من عصر الأنهار الجليدية التي غطّتها طوال 100 ألف سنة. بعد إخماد الحرائق، يمكن أن تبدأ الحياة من جديد.

يقول أدريان ميلوت من جامعة "كانساس"، وهو أحد المشرفين على دراسة فصّلت هذا الحدث الكارثي في العام 2018: "وفق النظرية الشائعة في هذا المجال، تحطّم مذنب كبير وأثّرت أجزاؤه على الأرض وسببت هذه الكارثة. يشير عدد من الآثار الكيماوية المختلفة (ثاني أكسيد الكربون، والنيترات، والأمونيا، وعناصر أخرى) إلى انتشار الحرائق في 10% من سطح الأرض البري، أي حوالى 10 ملايين كيلومتر مربّع".

لاستكشاف الحرائق المشتعلة وموجات الصدمة التي رافقت ذلك الحدث الضخم، قاس فريق من 24 عالِماً عدداً كبيراً من المؤشرات الجيوكيميائية والنظيرية في أكثر من 170 موقعاً حول العالم.

استهدف جزء من التحليلات أنماطاً موجودة في كميات من غبار الطلع، ما يعني أن غابات الصنوبر احترقت فجأةً لاستبدالها بأشجار الحور، وهي أنواع متخصصة لتغطية الأرض القاحلة. إنها عملية منطقية حين يتعرّض الكوكب لسلسلة من كرات النار الضخمة. على الأرجح، لا تزال أجزاء من المذنب الذي تفكك في الفضاء تطفو حول نظامنا الشمسي بعد مرور 13 ألف سنة.

على صعيد آخر، عثر العلماء على كميات كبيرة من البلاتين الموجود في الكويكبات والمذنبات، فضلاً عن مستويات مرتفعة من الغبار في العينات التي حللها الباحثون، وكميات متزايدة من الهباء الجوي القابل للاشتعال الذي يظهر مثلاً عند احتراق كتلة حيوية كبيرة مثل الأمونيوم والنيترات.

استنتج العلماء أن النباتات ماتت على الأرجح، وأصبحت المصادر الغذائية شحيحة، وبدأت الأنهار الجليدية المتراجعة أصلاً تتقدم من جديد. كانت الثقافة البشرية مضطرة إذاً للتكيف مع ظروف أكثر صعوبة، وتراجع العدد السكاني نتيجة تلك العوامل كلها.

يوضح ميلوت: "تكشف البيانات المحوسبة أن أثر ذلك الحدث كان ليستنزف طبقة الأوزون، ما يؤدي إلى زيادة حالات سرطان الجلد وعواقب صحية أخرى".

كما افترض العلماء أن هذا الأثر الهائل لأجزاء المذنب والعاصفة النارية اللاحقة قد يكون مسؤولاً عن تبريد الكوكب خلال حقبة "درياس الأصغر". أحياناً، نُسِب هذا التغيير القصير نسبياً في حرارة الكوكب إلى تغيّر التيارات المحيطية.

لكنّ نظرية اصطدام المذنب ليست جديدة بالكامل، مع أن هذا البحث الأخير يتعمق في محاولات اكتشاف الأدلة التي تثبت هذه الفكرة. يتجادل العلماء حول بدء حدث "درياس الأصغر" تحت تأثير المذنب منذ بضع سنوات.

لا يتفق الجميع على اصطدام مذنب بالكوكب انطلاقاً من البيانات المتاحة، لكن يقدم هذا البحث الشامل دعماً إضافياً لهذه النظرية، على غرار منحوتات قديمة تم العثور عليها في تركيا في العام 2017، وهي ترصد الأثر المدمّر لأحد الأجسام بين النجوم.

برأي ميلوت، لا تزال فكرة حصول اصطدام من هذا النوع مجرّد فرضية، لكن تطرح هذه الدراسة كمية وافرة من الأدلة ولا يمكن تفسيرها على الأرجح إلا بحصول اصطدام كوني كبير.

نُشرت نتائج البحث في "مجلة الجيولوجيا".