طوني فرنسيس

في ذكرى سمير

4 حزيران 2022

02 : 00

مرّت 17 سنة كأنها لم تمرّ. أو كأن ما جرى حصل بالأمس، أو قبل لحظات. كنا في مكاتب جريدة "البلد" عند مستديرة الطيونة الشهيرة عندما دوّى انفجار في مكان ما. الانباء الأولى قالت إنه حصل في الأشرفية، وخلال لحظات كان إعلاميو الأجهزة الأمنية المتسلطة يوزعون خبر تعرض سمير قصير لعمل انتقامي نتيجة إشكالات شخصية!

لم يكن سمير من جماعة الإشكالات الشخصية. كان شخصية ثقافية سياسية عامة ومتميّزة، كتب كثيراً وأدار دور نشر وتنقل بين بيروت التي يحب وباريس التي احتضنته ليعود ويستقر في مدينته، عاصمة لبنان وفلسطين والمشرق العربي. كان كاتباً لامعاً، مؤرخاً ومناضلاً شاباً عصيّاً على التعب عندما انخرط في ثورة الاستقلال الثانية إثر إغتيال رفيق الحريري. وقبل ذلك بزمن طويل، كان يكتب ويتوقع ويأمل وينشط. عشية جريمة 14 شباط 2005 كان مع رفاق له يؤسسون حركة اليسار الديمقراطي، في امتداد لتجربة قديمة خاضوها دعماً لجبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي لدى انطلاقها في خريف 1982.

لم يكن لدى سمير، الضحية الثانية لمسلسل شباط، من الأسباب والإشكالات الخاصة التي تضعه فوق العبوة المتفجرة. لكن هذه كانت رواية القتلة الاستباقية، التي كانت تتمة لـ"ضرب الرذالة" الذي أصاب رفيق الحريري، وفصلاً من "مؤامرات الصهاينة" التي قضت على جورج حاوي وبيار الجميّل وغيرهما في مسلسل ارهابي طويل.

قبل ايام من عملية القتل، كنا في غداء مع سمير قصير. دار حديث عن الانتخابات النيابية المقبلة (2005). رفض سمير التسويات والتحالفات التي قامت في حينه. كان التغيير الشامل هاجسه وهو يبدأ في أمورٍ بسيطة، من الاعلام مثلاً، وتحريره من سلطة القمع والمال… وصولاً الى بناء الدولة الديمقراطية بمؤسساتها وقوانينها. كان يرى ربيعاً محتّماً لكنه مشروطٌ بربيعٍ آخر على مستوى المنطقة.

قبل ايام قليلة كانت وقفة تجمع "نواب تشرين" في ساحة سمير وامام تمثاله بمثابة تحية لمن حمل باكراً هم الحداثة والتغيير. كانت تأملاته "في شقاء العرب" بحثاً عن الأمل، (2004) وقبله "حرب لبنان" (1994) خوضاً في المعنى الوطني والإقليمي لنزاعات السبعينات والثمانينات، وفي "تاريخ بيروت"(2003) وضع كل حياته ومشروع عمره من اجل نجمة العواصم. وفي "ديمقراطية سوريا واستقلال لبنان: البحث عن ربيع دمشق" (2004) استكشف ربيعاً عربياً وُوجِه بقتلٍ كان بين ضحاياه الاوائل. كان سمير قصير رغم حياته القصيرة ظاهرة فريدة، تستمر ما دامت حركة الفكر والرأي مندمجة بحركة الشارع في حريتها وحيويتها. هذا ما كانه سمير كتابةً وممارسة.


MISS 3