بشارة شربل

خطوط الغاز و"أهلية" المفاوضين

8 حزيران 2022

02 : 00

لعلّ أسوأ ما في أزمة حقل كاريش ذاك الاعتقاد الساذج بأن تعديل المرسوم 6433 وإعلان لبنان بأنّ الخط 29 هو الخط التفاوضي كفيلان بحفظ حقوقنا وتمتين موقعنا التفاوضي.

قبل البحث في أهلية السلطة لانتزاع الغاز من براثن اسرائيل، فإنه لا يجوز رمي الذين اعتمدوا الخط 23 بالخيانة العظمى، مثلما لا يمكن اعتبار المنادين بتوسيع المساحة البحرية بأنهم خلاصة الوطنية و"أشرف الناس". الخروج من هذه التقييمات مدخل ضروري لتقديم المصلحة الوطنية على المساومات الرخيصة والعنتريات المبالغ فيها، سواء في مسألة ترسيم الحدود البحرية، أو في سائر مواضيع الخلاف الوطنية.

الحقيقة المرة هي أنه سواء اعتمدنا أي خط من الخطين، أو خطاً آخر متفقاً عليه، فالنتيجة لن تفرق بكثير أو قليل، لأن المشكلة في صاحب القرار وبمن يتولى الملف شكلياً وفعلياً قبل أن تكون بالحقوق والتفاصيل.

واضح أن مسارعة رئيس الجمهورية - بُعيد إعلان الرئيس بري "اتفاق الإطار" - الى الجزم بأن حقوقنا محصورة في إطار الخط 23 لم تكن بريئة ولا علمية، إنما مشوبة بأهداف خاطها جبران باسيل وتتعلق بالعقوبات ومستقبله السياسي. لكن الرئيس وصهره لا يجيزان لنفسيهما الانفراد بشأن خطير من هذا القبيل، لولا توافقهما مع "حزب الله" الذي بارك بالصمت المريب أو بالتشجيع الخفي مسار التفاوض مع الوسيط الأميركي، ثم رعى من بَعيد المطالبة بالخط 29.

لا غرابة في أن يشعر كل أطراف المنظومة بالحَرج إزاء استحقاق وصول سفينة استخراج الغاز الى حقل كاريش بحماية "القبة الحديد". فالتعامل بقلة مسؤولية مع مواضيع ذات أهمية بالنسبة الى الوسيط وحليفه الاسرائيلي له نتائج وخيمة، خلافاً لهدر الوقت والمال وتضييع حاضر اللبنانيين ومستقبلهم. اعتادت المنظومة المفاوِضة نيابة عن لبنان ألا تدفع الحساب، سواء تعلق الأمر بهدر ونهب أو بتقصير تسبب بجريمة 4 آب. أما في استحقاق كاريش فإن المنظومة على المحك و"الهوبرة" لا تفيد ولها أثمان سيدفعها الجميع.

موضوع الغاز وترسيم الحدود مع اسرائيل هو من الخطورة التي تستدعي اسناده الى هيئةٍ وطنية نزيهة ومستقلة. إنه داهم وأساسي ولا يُترك لمنظومة طامعة بتمويل استمرار تحكمها برقاب اللبنانيين، أو يُرهن بصاعق التفاوض النووي.


MISS 3