محمد دهشة

طلّاب صيدا: مدرسة الثورة شهادتها أحلى... بدلاً من حفْظ التاريخ أكتبه

"عمّ الكلّ" مدافع يوميّ عن المحتجّين... و"عروسا الثورة" تباركا بالانتفاضة

8 تشرين الثاني 2019

02 : 00

عروسان في الاعتصام بين المحتجّين
ترسم صيدا يومياً أشكالاً جديدة من الثورة. وباتت الساحات نموذجاً للبيئة الصيداوية الوطنية الحاضنة لكل فئات المجتمع اللبناني. ساحات تجمع المحتجين بمختلف طوائفهم والصوت واحد: "ثورة". الطلاب باتوا الوقود الأقوى لاستمرار هذا الحراك، وفي كل تحرك تلتقط العين صوراً لأشخاص ينقلون معاناتهم اليومية إلى الجميع، فكيف كان خميس صيدا؟



يخطف الحاج سليم قبلاوي (82 عاماً) الأنظار والاهتمام عند تقاطع "ايليا" في صيدا. يكاد لا يفارق المكان الذي أطلق عليه اسم "ساحة ثورة 17 تشرين" منذ بدء الحراك الاحتجاجي. يحمل عكازه، ويصبر على وجعه وقلة حيلته في تأمين دوائه الشهري، إذ يعاني من "الربو" وكثيراً ما يدخل إلى قسم "الطوارئ" في مستشفى صيدا الحكومي للاستعانة بـ "الأوكسجين" لبضع ساعات.

واكتسب قبلاوي شهرة واسعة بين المحتجين. يحرص على مشاركتهم في الهتافات ورفع اليافطات، وكثيراً ما رُفع على الأكف حتى بات يعرف بلقب "عمّ الكل" في دلالة على حرصه الشديد على سلامتهم والتدخل الفوري لدى القوى الامنية عند حصول أي احتكاك.

يقول قبلاوي لـ "نداء الوطن": "مشاركتي اليومية في الاعتصام تعود إلى سببين، الأول: تعبيراً عن وجعي، فأنا مواطن لبناني لست قادراً على شراء دوائي الشهري، وأعاني عند كل مرة أدخل المستشفى لتلقي "الأوكسجين" لأني لا أملك المال، فأردت الاعتراض على هذا الواقع، لأسأل عن الضمان الصحي والشيخوخة الذي يكفل تأمين حياة كريمة، والسبب الثاني أن هذا الحراك يذكّرني بأيام شبابي حين كنا في الحركات الطالبية نقوم بالاحتجاج على السياسة الحكومية".


"عمّ الكلّ" سليم قبلاوي


وأوضح أن حضوره اليومي في "ساحة الثورة"، جعله مشهوراً بين المحتجين، يقول: "هم مثل أولادي، لدي ثمانية أبناء ونحو أربعين حفيداً، وكل هؤلاء أولادي وأحفادي، أخاف عليهم، فباتوا يلقبونني بـ "عم الكل" أو "النسر الاخضر" المدافع عنهم"، مضيفاً: "لو كنت أملك المال لوفرت لهم كل ما يحتاجون اليه من طعام وشراب، ولكن "العين بصيرة واليد قصيرة"، ونضالنا معاً سيقود إلى تحقيق الأهداف المرجوة في حياة حرة كريمة بعيداً من ذل السؤال او البطالة".

عروسان وشموع

وشهدت "ساحة ثورة 17 تشرين"، للمرة الاولى، حالة فرح وسط الغضب، إذ شارك عروسان خلال حفل زفافهما بالاعتصام المفتوح، تعبيراً عن دعمهما الحراك الاحتجاجي، وفيما ارتدت العروس "فستان الزفاف" الأبيض، رفع العريس على الأكف لدى وصوله الى الساحة، وسط الزغاريد وتصفيق المشاركين الذين اطلقوا عليهما "عروسا الثورة"، مباركين لهما ومشاركين إياهما الفرحة على طريقة "الثورة".

وتحت شعار "ثوري... فالثورة أنثى"، إحتشدت مئات السيدات والفتيات اللواتي حملن الشموع في رسالة بأن للمرأة حقوقاً لطالما نادت بها ويجب استردادها، ولا سيما إعطاء الجنسية لأولادها ومساواتها في الحقوق الوظيفية وإقرار قوانين تحمي المرأة من كل اشكال التعنيف... وقالت احدى المشاركات: "قد تكون شمعة... لكن بالنسبة لنا هي شرارة أمل لنضيء لبناننا بنور الحرية والحضارة والكرامة".

مدرسة الثورة

وكان يوم صيدا الطلابي قد اختصر بلافتة "مدرسة الثورة... شهادتها أحلى"، رفعها طلاب الجامعات والمدارس الرسمية والخاصة في صيدا وعبّرت عن أحلامهم وتطلعاتهم وأمانيهم، فيما جسدت عشرات اللافتات الأخرى إصرارهم على الانخراط اليومي في الحراك الاحتجاجي الذي دخل أسبوعه الثالث، والالتحاق بساحات النضال بدلاً من المدارس، على قاعدة "شهادتي لإشتغل فيها... مش لإتفرج عليها".

وبدت الحركة الطالبية رافداً إضافياً للحراك الاحتجاجي في ساعات النهار، وتشكل "أداة ضغط" وإرباك للمؤسسات والمرافق العامة والمصارف وهي تتوقف عند مداخلها في "وقفات احتجاجية" رمزية، قبل أن تستكمل مسيرتها إلى محطات أخرى، وسط اجراءات أمنية للجيش اللبناني وعناصر قوى الامن الداخلي. بينما يشهد ليل صيدا كعادته كثافة المشاركين عند تقاطع "ايليا".

وتلاقى الطلاب وغالبيتهم من المرحلتين الثانوية والمتوسطة والجامعات عند تقاطع "ايليا"، وأحضروا الأعلام اللبنانية، ثم انطلقوا في "تظاهرة موحدة"، جابت شوارع المدينة، مروراً بمستديرة حي "الست نفيسة"، ساحة "القدس" وشارع "ناتاشا سعد"، حيث توقفت أمام "مصرف لبنان" ثم مدخل "سراي صيدا الحكومي"، قبل أن تعود أدراجها الى ساحة "الشهداء"، فشارع "رياض الصلح" الرئيسي، حيث توقفت أمام مؤسسة "مياه لبنان الجنوبي" وشارع المصارف على امتداده، وصولاً إلى ساحة "النجمة"، ثم إلى مدخل "اوجيرو" وشركة "كهرباء لبنان" وبعض المصارف القريبة، ثم عودة إلى تقاطع "ايليا".

هتافات وشعارات

وصدحت حناجر الطلاب بالهتافات، فيما رفع البعض لافتات ومنها "شهادتي لاشتغل فيها... مش لاتفرج عليها"، "بدي اشتغل حسب كفاءتي... مش حسب مين واسطتي"، "تركنا الشنطة لنحمي بلدنا من فساد السلطة"، "من علم جيلاً أقفل سجناً... حقنا التثبيت"، "بدنا شهادة بلمعتها مش... بيلا واشرب ميتها"، "نازل اكتب التاريخ اليوم وبكرا وكل يوم ثورة"، "انا هون حتى لا يكون مكان شهادتي الحيط"، "شو نفع العلم... بلا حلم"، و"اصلاح الوطن يبدأ باصلاح جامعة الوطن"، فيما خطفت الاهتمام لافتة رفعتها الطالبة الجامعية مريم عرابي وفيها "مدرسة الثورة شهادتها أحلى".



المسيرة الطالبية تخترق شوارع صيدا


وقالت عرابي لـ "نداء الوطن"، إن هذه اللافتة لاقت اهتماماً كبيراً من المشاركين ووسائل الاعلام معاً، لأنها اختصرت إصرار الطلاب على حضورهم اليومي في ساحات النضال والدفاع عن حقوقهم المشروعة بهدف تأمين مستقبلهم، كما تطلعاتهم في حياة كريمة"، متسائلة: "ما فائدة الشهادة من دون عمل".

بينما أكد الطالب أحمد خليل باسم طلاب كلية التكنولوجيا في الجامعة اللبنانية ضرورة "إدخال خريجي الماستر في الهندسة إلى نقابة المهندسين، وإلغاء القرار المجحف الصادر عن وزارة التربية والتعليم العالي بتاريخ 7 آب 2019 والذي يطيح بسنة دراسية كاملة ويلزمنا بـ6 سنوات للحصول على شهادة الهندسة بدلاً من 5 سنوات المعمول به منذ نشأة الكلية العام 1997".

يُذكر أن اليوم الصيداوي بدأ بإقفال بعض المصالح الرسمية وأبرزها مصلحة تسجيل السيارات – النافعة ومؤسسة كهرباء لبنان والسنترال، مكاتب "ليبان بوست"، فيما أغلقت مسارب تقاطع "ايليا" الأربعة بشكل تام نظراً إلى الحشود المتجمعة فيه.