ريتا ابراهيم فريد

لبنانية أشرفت على حدثٍ تاريخي في برج إيفل

إيزابيل التنوري: على المغتربين محاولة إصلاح الفساد السياسي

14 حزيران 2022

02 : 00

مع سفيرة أستراليا في منظمة الأونيسكو والفنان Xavier De Bearn
مجدّداً، يفرض اللبنانيون نجاحهم وتميّزهم في بلدان الإغتراب. يصرّون على نقل صورة جميلة لوطن أنهكته الأزمات، وعلى تصدير أخبار إيجابية من شأنها أن تلوّن أيام اللبنانيين بالفخر والاعتزاز. وفي هذا الإطار، تواصلت "نداء الوطن" مع الإعلامية إيزابيل التنوري، التي اختيرت كي تكون مستشارة الإعلام والعلاقات العامة لحدث تاريخي في فرنسا، حيث أشرفت على تجديد برج إيفل، وذلك في التزامن مع عملها في مجال حماية الممتلكات الثقافية في الأونيسكو.

كيف تمّ اختيارك للإشراف على حدث تجديد برج إيفل بالذات؟

في البداية لم يكن سهلاً أن أعثر على وظيفة تناسب شهاداتي العلمية في بلاد الاغتراب. فكنت أعمل كمضيفة (Hôtesse) في برج إيفل. وأقولها بكلّ فخر واعتزاز. فأنا لا أخجل بكوني كافحتُ كي أستمرّ. والتقيتُ عن طريق الصدفة بمدير مشاريع البناء Xavier De Bearn، وأخبرتُه عن هدفي الأساسي من التواجد في فرنسا، وسعيي لنيل الدكتوراه بالعلاقات الدولية. وعلم أني حائزة على ماجستير بحثي في علوم الإعلام. وبعد فترة، اتّصل بي وعرض عليّ أن أصبح مستشارةً إعلاميةً له، وأن أشرف على تنظيم معرض فنّي مميّز لمنحوتاته التي يصنعها من مادة برج ايفل، ضمن معرض يحمل توقيعه في الطابق الأول من البرج وسط ورشة البناء.

وكنتُ سبق وقدّمتُ سيرتي الذاتية لمنظّمة الأمم المتّحدة للعلوم والثقافة في باريس، حيث تمّ قبولي في لجنة الثقافة كمساعدة إدارية لمشروع مموّل من الاتحاد الأوروبي لمحاربة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.

ماذا عن الظروف التي رافقت انطلاق الحدث؟


التحضير بالفعل كان صعباً. فالفنان Xavier De Bearn مسؤول أيضاً عن كل ورش البناء في البرج، ولم يكن من السهل التنسيق بين عمله وبين العرض. وكان دوري أن أقدّم له الدعم في التنظيم على الأرض، وفي إدارة العلاقات الإعلامية والعامّة. لم يكن الأمر سهلاً عليّ أيضاً، حيث أنّها كانت المرة الأولى التي أتولّى فيها إدارة العلاقات الإعلامية لحدثٍ له أهميّة فنية وتاريخية بهذا الحجم. وكانت مهمّتي تحضير الملفّ الكامل والمعلومات الكافية المرتبطة بهذا الحدث، إن كان على صعيد توفير أهمّ المعطيات للإعلام، أو لناحية الإهتمام بالحضور وخصوصاً رجال الأعمال والفنانين وأصحاب صالات العرض.

ماذا يعني لك كلبنانية أن تشاركي في حدث بهذه الأهمية العالمية؟



عنوان حياتي في الإغتراب: كفاح ونضال للإستمرار. وكلبنانية، أفتخر حين أساهم في التأكيد على إبداع المواطن اللبناني ووفائه لعمله. وللأسف حاولت التواصل أكثر من مرة مع السفارة اللبنانية في باريس من دون أي جواب. لكني أتمنى للسفير النجاح الدائم.

الفضل في وصولي الى ما وصلتُ إليه يعود الى أبي وأمي، والى دعمهما لي. إضافة الى اجتهادي ودراستي لسنوات، فالعلم هو أساس تقدّم المجتمع.

برأيك كيف يمكن للبنانيين أن يحافظوا على تمسّكهم بالأمل في ظلّ كل ما يعانونه؟


الشعب هو جزء لا يتجزّأ من وجود أي دولة. والدولة بحاجة للشعب كي تستمرّ وليس العكس. الشعب هو الصانع الأول للسلطة، وعليه أن يدرك ذلك. والأمل يبدأ حين نزرع فكراً جديداً لدى الأجيال الجديدة. فكر ناطق بالعلم والمعرفة، وليس فكراً دموياً يهدف لإلغاء الآخر والحطّ من قدراته. والجسم التربوي يلعب دوراً أساسياً في هذا الموضوع، حيث تقع على عاتقه مسؤولية زرع ثقافة تقدير الآخر في نفوس الأطفال، وزرع مبدأ مواجهة الحياة بالطريقة السليمة والصحيحة. فأنا ما زلتُ عاجزة عن فهم تناقضات المجتمع اللبناني. فكيف يوجد في مجتمعنا عباقرة وأذكياء ومبدعون، وما زال قسم كبير من اللبنانيين ينتخبون وجوهاً غير كفوءة لإدارة البلاد؟

بعيداً عن الدعم المادي، أي مسؤولية تقع على عاتق المغتربين في دعم وطنهم الأم الذي يمرّ اليوم بواحدة من أصعب الأزمات في تاريخه؟

سأبدأ من نفسي. كوني اليوم عضواً فعّالاً في فوروم خبراء لبنان في فرنسا Forum des Experts" Libanais en France" وهو الفوروم الوحيد الذي يجمع خبراء لبنانيين، نحاول من خلاله أن نسلّط الضوء على أفضل صورة للبنانيين أمام المجتمع الفرنسي. مثلاً، قريباً سنستقبل خبراء أجانب في محاضرة تحمل عنوان Comment malgré les crises, nous réussissons à nous" démarquer !!!".

من هُنا يمكنني القول إنه على المغترب اللبناني أن يحاول إصلاح صورة الفساد السياسي من خلال نأيه بنفسه عن الصراعات، وأن يسعى في المقابل الى تعزيز الحوار بين مختلف الجنسيات. عليه بالتالي ألّا يُظهر إلا حبّه لبلاده ولنجاحها، وخصوصاً من خلال الابتعاد عن التصفيق الأعمى للأحزاب اللبنانية.

بالعــــــودة الى موضــــــوع حمايـــــــة الممتلكات الثقافية، أين نحن في لبنان من الاهتمام بالحفاظ علـــى الإرث الثقافي والتاريخي لدولتنا؟

هذا السؤال مهمّ للغاية. سوف أنطلق من الدمار الذي لحق بمتحف سرسق على سبيل المثال بعد انفجار مرفأ بيروت. وهو من ضمن مشروع أساعد في إدارته مع مجموعة من الزملاء في الأونيسكو، ويهدف الى حماية الممتلكات الثقافية من الفساد في بلدان عدة. المسؤولون في لبنان سيرسلون أحد الاختصاصيين الى المؤتمر الدولي الذي سيتمّ عقده في باريس من أجل محاربة الإتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية. لكن أين هم من إصلاح الدمار الذي لحق بمتحف سرسق؟ هذا المتحف الوحيد للفن المعاصر في لبنان، والذي استقبل رؤساء ومثّل صورة جميلة للفن المعاصر؟

نحن يمكننا أن نحافظ على إرثنا الثقافي والتاريخي من خلال إصرار المؤسّسات التربوية في لبنان على وضع برنامج للتوعية والوقاية ضمن برامجها. كما يمكن طلب استرجاع الممتلكات الثقافية للأرض اللبنانية في حال وجودها على أرض أجنبية. إضافة الى عدم تقطيع المعالم والمواقع الأثرية القديمة لتلبية طلب السوق.

ويجب على لبنان تطبيق اتفاقية العام 1970 التي طُرحت أمام الجلسة السادسة عشرة للمؤتمر العام لمنظمة الأونيسكو، وجرى اعتمادها في الرابع عشر من تشرين الثاني من العام ذاته. وجعلت هذه الاتفاقية من الأونيسكو رائدة في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.

كيف يمكن للأعمال الفنية والثقافية أن تساهم في إعادة نهضة الشعوب؟

الفنّ هو تعبير عن النفس الإنسانية. كما أنه يساهم في التواصل بين الشعوب وهو أيضاً أداة ديبلوماسية. من الضروري استقاء العبرة من أفضل ممارسات الدول تجاه فنانيها وكيفية تقديرهم واعتبارهم من أهمّ أفراد المجتمع. كما يجب الاسترشاد بالدول التي تنفذ اتفاقية العام 1970. من هنا، تعزّز المبادئ التوجيهية التشغيلية على أفضل وجه من خلال تحديد أفضل الوسائل لبلوغ أهداف الاتفاقية. إضافة الى أنّ الفنان يمتاز بذكاء وثقافة يسمحان بتطوير الفن بشكل عام ويساهم في زيادة كمّ الثقافة لدى الإنسان.

كإعلامية لبنانية لمعت في بلاد الاغتراب. أين يكمن دور الإعلام في توجيه الناس نحو الثقافة؟

على الإعلام أن يخصّص ضمن شبكة برامجه فقرة لتوعية الناس حول المستوى القانوني والتربوي المتعلق بمكافحة الاتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية، وإنشاء خط ساخن في حال اكتشاف أي قضية فساد، أو في حال الإشتباه بأي قطعة أو أرض من الممكن أن تكون أثرية. الموضوع مهمّ أيضاً على الصعيد الدولي، وبنطاق جغرافي موسّع. على الإعلام تعزيز الحوار بين جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة لتنفيذ القواعد والقوانين. أخيراً، من الضروري تعزيز قدرات المهن المختلفة وكذلك جهود التوعية، مما يؤكد الحاجة إلى توفير فرص التبادل والتعلم المتبادل باستمرار.


MISS 3