رمال جوني -

الدوير شيّعت حسين رمال واليوم تشيّع أسامة قبيسي

"تعبنا جرايم... بيكفّي: أعدموا القاتل"

15 حزيران 2022

02 : 00

مش حرام يموت الادمي

هل بتنا أمام سيناريو الجريمة والقتل العشوائي والمجاني؟ على ما يبدو أننا دخلنا زمن الجريمة، في منطقة النبطية لا ينكر أحد خطورة ما يحصل، وكيف أصبح القتل «شربة مي» واستخدام السلاح المتفلت «حالة عادية»، في سابقة خطيرة، لطالما حذر منها كثر، خاصة مع ازدياد الجرائم المتنقلة بين قرية وأخرى وإن كان للدوير حصة الأسد منها، هنا للجرائم حكاية أخرى، فهي بنكهة عائلية، وأهلية بمحلية، ما يجعل الوضع أكثر خطورة ويحتاج لمعالجة سريعة وإلا فإن الجرائم ستتزايد أكثر.

لم تتعلم بلدة الدوير من دروس الماضي، البلدة التي طوت في تسعينات القرن الماضي صفحة 300 سنة من الإشكالات والخلافات العائلية إلى غير رجعة، ها هي اليوم تقف مجدداً عند حدود الجريمة من جديد، وكأننا في زمن شريعة الغاب، حيث لا قانون يطبّق، ولا إعدام ينفذ على القاتل، ما أعطى تأشيرة إجرامية مضاعفة لارتكاب الجرائم، طالما أن القاتل سيخرج بعد عام أو اثنين.

لا يمكن المرور على جريمة الدوير التي أودت بحياة اثنين وجرح آخرين مرور الكرام، فهي تؤسس لمرحلة خطيرة من الأمن الداخلي في القرى، لا ينكر أحد خطورة الوضع، وتدهوره، في ظل وجود سلاح متفلّت بين الأهالي، يصوّبونه على الناس في لحظة غضب، هذا السلاح المتفلت دعا المحامي ملحم قانصو إلى نزعه بكل الطرق، لأنه كما قال يشكل قنبلة موقوتة، وأكثر يؤكد قانصو أن الجريمة بحد ذاتها سابقة خطيرة، وهي باتت تتكرر في الدوير كل فترة، وهو ما يستدعي لجمها، بحسب قانصو لا شيء يوقف هذه الجرائم ويضع لها حدّاً سوى تنفيذ حكم الإعدام، الذي يعد الرادع الأول لجرائم كهذه.

إذا وحده حكم الإعدام مطلب الأهالي في الدوير، الذين خرجوا في تشييع حسين رمال وهو من ضحايا المجزرة التي ذهب ضحيتها «فرق عملة»، الغضب وحده ساد في البلدة، التي طالبت بأقصى عقوبة للمجرم الذي ارتكب جريمته من دون أسباب. وهو ما أجّج التوتر في البلدة التي ما زالت الجرائم الأخرى حاضرة فيها، يستذكر علي قانصو إحداها، ويأسف لما وصلت إليه حال البلدة التي أصبح فيها القتل شربة مي وهي عادة خطيرة جداً، لا توقفها إلا إعادة العمل بقانون الإعدام، لأنه الخلاص، ويسأل قانصو أين أصبحت أحكام القتلى في الجرائم السابقة، كلها نائمة، لم يصدر أي حكم وهو ما يشجع على الجريمة لأنها «مدعومة» على حد قوله.

صحيح أن المجرم أحمد قانصو سلم نفسه لفرع المعلومات في بيروت، غير أن جرح عائلة حسين رمال المفجوعة، لم يبرد، وخرجت تودعه في موكب مهيب، وسط مطالبة واسعة بالإعدام، لأنه الخلاص. يقول أحدهم «تعبنا جرايم في الدوير، بيكفي»، ويعلّق آخر «مش حرام يموت الادمي بمشكل ما إلو علاقة فيه»، عين المشيّعين على إعدام القاتل، وعين القوى الأمنية على نبش جذور الخلافات التي أدّت إلى هذه الجريمة، التي هزّت الرأي العام، وحركته باتجاه مطالبة القضاء للقيام بدوره والضرب بيد من حديد.

يبدو أننا أمام مرحلة خطيرة من الأمن المتفلت، فالجرائم المتنقلة تدفع للتساؤل حول جدوى وجود سلاح متفلت بيد الأهالي، بل وأكثر يبدو السؤال هل دخلنا عصر الجريمة؟ وردّاً على هذا السؤال، يتردد ثلاثة سيناريوات متوقعة في ما لو بقي الأمن «فلتان» إلى هذه الدرجة. السيناريو الأول أن يصبح السلاح المتفلت وسيلة لفشة خلق عند كل «تعصيبة»، السيناريو الثاني أن تدفع الظروف الاقتصادية الخانقة الى استخدامه في سبيل الحصول على خبز ودواء وطعام، والسيناريو الأخطر أن يصبح القتل عادة، وهو أمر يقلق الأجهزة الأمنية والأحزاب على السواء، ولا سيما أن ما يحصل في الدوير خطير جداً، ويدعو لمعالجته بسرعة، إلا أنه وفق الأهالي فإن حالة التراخي في التعامل مع الجرائم السابقة أدّت إلى تطوّرها، ويجزم الكل على مسؤولية الاحزاب التي لم تعمل على تذييل كل الخلافات السابقة ومعالجتها، وهو ما جعل كثراً يفكرون أنهم خارجون على القانون.

على أكفّ الأحبّة حمل حسين الى مثواه الأخير، وسط صيحات والدته السبعينية التي طالبت بالإعدام وإلا «سآخذ ثأري بنفسي»، تبكي الأم، تصرخ، فهي بالأمس كانت تتناول الفطور مع حسين قبل أن يباغته الموت المجاني، لا تتردّد بالقول «الويل إذا لم يأخذ القانون مجراه»، لا تريد أن يضيع دم ابنها هدراً.

على طول الطريق في الدوير التي تتحضّر لتوديع الضحية الثانية أسامة قبيسي غداً الأربعاء، الحزن سيّد، الغضب والتوتر يسودان، فما حصل أدخل الدوير في قلب لعبة «الجريمة» وعلى ما قال رئيس البلدية الأسبق فؤاد رمال «ما لم تعاود الدولة الإعدام سيبقى القتل شربة مي، على الدولة أن تنزل حكم الإعدام قبل أن يفلت الأمر، داعياً الى ضبط السلاح المتفلت الذي يخرج عند كل مشكل وتعصيبة وتشييع، ويزهق الدم ويسرق الأرواح».

إذاً سلم القاتل نفسه، دفن حسين تحت الثرى وغداً يشيّع أسامة قبيسي والعين اليوم على القضاء هل سينفذ حكم الإعدام أو تدخل القرى في حالة فوضى وغليان؟...