النوم العميق يُخفّف قلقك!

12 : 36

يعرف الباحثون منذ فترة أن قلة النوم ترتبط بالقلق. تدعم دراسة جديدة الآن هذه العلاقة السببية وتُقيّمها وتثبت أن اضطراب النوم ليلاً قد يزيد حدة القلق بنسبة تصل إلى 30%!

تكشف الدراسة الجديدة أيضاً أن المرحلة العميقة من النوم تُخفّف القلق طبيعياً. إنه الاستنتاج الأساسي الذي يطرحه ملخص الدراسة في مجلة "السلوك البشري الطبيعي".

كان ماثيو واكر، أستاذ في علم الأعصاب والطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، المشرف الرئيس على الدراسة. بدأ واكر وزملاؤه يحللون آثار مختلف مراحل النوم على القلق لدى 18 مشاركاً.

بشكل عام، يقسّم العلماء النوم إلى نوعَين أساسيَين (حركة العين السريعة وحركة العين غير السريعة)، وأربع مراحل فرعية. خلال أول مرحلتين من حركة العين غير السريعة، يكون النوم خفيفاً وينتقل الجسم من حالة اليقظة إلى الراحة.

وفق "المعاهد الوطنية للصحة"، نحتاج جميعاً إلى المرحلة الثالثة من حركة العين غير السريعة التي تشهد النوم العميق والتصحيحي وتسمح لنا بشحن طاقتنا في الصباح. ثم تبدأ مرحلة حركة العين السريعة التي تعجّ بالأحلام وتسبق الاستيقاظ.

تترافق مراحل النوم هذه مع انعكاسات مختلفة على نشاط الدماغ. من خلال قياس النشاط الدماغي، رصد واكر وفريقه آثار مختلف مراحل النوم على القلق.

لقياس مستويات القلق، طلب الباحثون من 18 شاباً راشداً مراقبة فيديوهات مزعجة عاطفياً بعد ليلة كاملة من النوم السليم أو المضطرب. وبعد مشاهدة كل فيديو، ملأ المشاركون استبياناً نموذجياً بعنوان "ملخّص خصائص القلق".

استعمل العلماء التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتخطيط النوم لمسح أدمغة المشاركين النائمين وتحديد مراحل النوم. كشفت المسوحات الدماغية أن قشرة الفص الجبهي الإنسي تتعطل بعد اضطراب النوم ليلاً، علماً أن هذه المنطقة الدماغية تُخفف مستوى القلق والضغط النفسي وفق دراسات سابقة.

كذلك، رصدت المسوحات نشاطاً دماغياً مفرطاً في مناطق أخرى مرتبطة بمعالجة العواطف: يبدو أن اضطراب النوم يرفع مستويات القلق بنسبة تصل إلى 30%. يوضح واكر: "من دون نوم، يجد الدماغ صعوبة فائقة في تسريع معالجة العواطف ويعجز عن كبحها بدرجة كافية".

على صعيد آخر، اكتشفت الدراسة أن مستويات القلق تتراجع بعد النوم طوال الليل، وقد كان ذلك التراجع بارزاً بشكل خاص لدى من أمضوا وقتاً أطول في مرحلة حركة العين غير السريعة، حيث يكون النوم عميقاً وبطيء الموجة.

تقول الدكتورة إيتي بن سايمون، إحدى المشرفات على الدراسة الأخيرة وباحثة في مركز علم النوم البشري في جامعة كاليفورنيا، بيركلي: "يُجدّد النوم العميق الآلية الدماغية التي تنظّم عواطفنا في الفص الجبهي، ما يؤدي إلى تراجع التفاعل العاطفي والفيزيولوجي ومنع تصاعد القلق".

حاول الباحثون التأكد من نتائجهم عبر تكرارها، فأجروا مجموعة أخرى من التجارب على عينة أكبر حجماً مؤلفة من 30 مشاركاً، فضلاً عن استطلاع على الإنترنت شارك فيه 280 شخصاً.

أكدت التجارب المخبرية على تراجع القلق بعد ليلة من النوم العميق، وكشف الاستطلاع أن مدة النوم ونوعيته تتوقعان مستويات القلق في اليوم التالي.

يُفترض أن يصبح النوم السليم جزءاً من التوصيات العيادية لمعالجة القلق برأي سايمون: "يضطرب نوم المصابين بالقلق دوماً، لكن نادراً ما يدخل تحسين النوم في خانة التوصيات الرامية إلى تخفيف القلق. لا تقيم دراستنا رابطاً سببياً بين النوم والقلق فحسب، بل تستنتج أيضاً أن النوم العميق خلال مرحلة حركة العين غير السريعة هو الذي يسمح بتهدئة القلق الدماغي المفرط".

تعليقاً على النتائج، يقول واكر: "لقد اكتشفنا دوراً جديداً للنوم العميق، فهو يخفف مستوى القلق بين الليل والصباح من خلال إعادة تنظيم الروابط في الدماغ. يبدو أن النوم العميق يصبح مزيلاً طبيعياً للقلق، شرط أن نستفيد منه كل ليلة".


MISS 3