أنجيلا ميركل عن سقوط جدار برلين: أردتُ أن أشاهد جبال روكي وأسمع سبرينغستين!

10 : 25

كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تبلغ 35 عاماً عند سقوط جدار برلين. تتكلم في هذه المقابلة عن أحلامها كمواطنة في ألمانيا الشرقية، والانقسام بين شرق ألمانيا وغربها، وظهور الشعبويين خلال عهدها.

تحتفل ألمانيا بالذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين. لو افترضنا أن ذلك الجدار لم يسقط يوماً وأن ألمانيا الشرقية تحتفل في هذا الخريف بالذكرى السبعين لتأسيسها، ما كان مصيركِ برأيك؟

ما كانت هذه المقابلة لتحصل طبعاً.

ماذا كنت تفعلين في هذه الظروف؟

كنت لأتمكن من تحقيق حلمي على الأقل. في ألمانيا الشرقية، كانت المرأة تتقاعد في عمر الستين. لذا كنت لأحمل جواز سفري منذ خمس سنوات وأسافر إلى الولايات المتحدة. كان يُسمَح للمتقاعدين بالسفر إلى خارج ألمانيا الشرقية. وكل من يُستغنى عنه كعامل اشتراكي كان يستطيع الرحيل.

هل كانت الولايات المتحدة الوجهة التي تحلمين بها؟

كنتُ لأمضي بعض الوقت طبعاً وأنا أتجول في ألمانيا الغربية. لكني أردتُ أن أذهب في أول رحلة طويلة إلى الولايات المتحدة نظراً إلى حجمها وتنوعها وثقافتها. أردتُ أن أشاهد جبال روكي وأتجول في السيارة وأسمع بروس سبرينغستين. هذا ما كنت أحلم به.

هل كنت تنوين السفر في عربة "كروزر" الأميركية الضخمة؟

لا، أفضّل السيارات الأصغر حجماً. لكني كنت لأختار طبعاً سيارة أفضل من "ترابانت".

خلال الاحتفالات السابقة بسقوط جدار برلين، كنت تتذمرين لأنك ما عدتِ تتذكرين الكثير عن حياتك في ألمانيا الشرقية وفترة الانقلاب بين 1989 و1990. كيف يتعامل المواطنون السابقون في ألمانيا الشرقية مع تاريخهم؟

كنت لأتذكر تفاصيل إضافية لو أنني خصصتُ بعض الوقت للتفكير بتلك الفترة. لكن اضطر المواطنون في ألمانيا الشرقية للاعتياد على عدد كبير من المسائل الجديدة بعد سقوط الجدار. اضطررنا لتغيير طريقة تفكيرنا، ولم يعد جزء من المهارات التي طورناها في ألمانيا الشرقية مهماً في ألمانيا الموحدة. جاءت الحياة الجديدة لتمحو المظاهر القديمة بكل بساطة. اليوم، بعد مرور 30 سنة، يفكر الكثيرون على ما يبدو بتلك المسائل وبدأت الذكريات تتدفق مجدداً.

يحمل كل شخص ذكريات مختلفة. حتى أن البعض يشعر بالحنين إلى تلك الفترة.

تتوقف نظرتنا إلى الحياة في ألمانيا الشرقية جزئياً على ما أصبحنا عليه اليوم بعد الأحداث التي عايشناها في الماضي. بالعودة إلى تلك الحقبة، وجد سكان ألمانيا الغربية صعوبة في فهم مسألة واحدة عن القسم الثاني من البلاد: حتى في ظل نظام دكتاتوري، كنا نستطيع عيش حياة ناجحة، وكنا نحتفل بأعياد أصدقائنا وأفراد عائلتنا وبعيد الميلاد، أو نتقاسم المآسي رغماً عن الدولة، مع أننا كنا نتوخى الحذر طبعاً. لكن لم تتأثر حياتنا اليومية بحصر رحلات السفر بالمجر أو بلغاريا ومنعنا من الذهاب إلى الولايات المتحدة. وبما أن عدداً كبيراً من سكان غرب ألمانيا لا يفهم هذا الجانب من حياتنا الفردية في ألمانيا الشرقية أو يتجاهلونه أحياناً، يحمل سكان شرق ألمانيا اليوم نظرة حالمة وإيجابية عن ماضيهم، وكأنهم يقولون: لا أحد يستطيع تجريدنا من الحياة التي عشناها في ألمانيا الشرقية.

يقارن بعض المواطنين السابقين في ألمانيا الشرقية بين الظروف السياسية الراهنة والفترة التي تسبق العام 1989. ماذا حصل؟

لا أعرف. لكني لا أتقبّل أن يدّعي الأشخاص الذين ينحدرون من ألمانيا الغربية ويقصدون المنطقة الشرقية أنّ وضعنا الراهن ليس أفضل من ألمانيا الشرقية في الماضي. إنها فكرة مرفوضة بالكامل.

يعبّر ناشطون سابقون في مجال حقوق الإنسان، من أمثال فيرا لينغسفيلد، عن أفكار مماثلة. حتى أن مواطناً سابقاً في ألمانيا الشرقية أمضى فترة في السجن بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية ويقول إنه سعيد لأن ابنته تمكنت من الهرب من ألمانيا المعاصرة إلى الولايات المتحدة. هل تُغضِبك هذه التصريحات؟

أنا لا أوافق على هذه الأفكار.

خيّبتِ أمل عدد كبير من الألمان الشرقيين، وتتضح هذه النزعة دوماً عبر التصويت لصالح حزب "البديل من أجل ألمانيا". هل خيّب هؤلاء الألمان أملكِ أيضاً؟

لا. تقضي مهمتي بالعمل باسم الشعب الألماني كله.

لكن أليس محبطاً أن تزداد قوة حزب "البديل من أجل ألمانيا" خلال عهدك، لا سيما في شرق ألمانيا؟

نحن نعيش في نظام حر، ومن حق الناس أن يعبّروا عن آرائهم ويصوتوا لمن يريدونه. في بداية مسيرتي السياسية، كنت جزءاً من الأقلية في حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" لأربعة أسباب: كنت شابة، وامرأة، وبروتستانت، ومن ألمانيا الشرقية. لكني اليوم مستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية منذ 14 سنة، وأنا مسؤولة عن خدمة جميع الناس في ألمانيا. لذا أعتبر الدعوة إلى إعطاء الأولوية لمخاوف الألمان الشرقيين خاطئة. حتى أن تلك الدعوة بالذات قد تؤدي إلى خيبة أمل كبرى. لكننا نحتاج إلى حوار بنّاء بين الألمان.ماذا تعنين؟

الاختلافات في تجارب الحياة بين ألمانيا الشرقية والغربية واقع ملموس. لذا يجب أن نكثّف النقاش حول هذا الموضوع ونبذل جهوداً إضافية لفهم بعضنا البعض.

كنتِ في عمر الخامسة والثلاثين عند سقوط جدار برلين. بعدما عرفتِ مسار الأحداث غداة توحيد البلد، ماذا كنتِ لتغيّري في طريقة إعادة التوحيد لو سنحت لكِ الفرصة؟

تلاحقت الأحداث بوتيرة متسارعة في تلك الفترة، وارتُكِبت الأخطاء طبعاً.

هل تظنين أن الناس لا يعترفون بما يكفي بدور ألمانيا الشرقية في سقوط جدار برلين؟

أُعيد توحيد ألمانيا بجهود المنطقتَين معاً، الشرقية والغربية، وبفضل المهارة السياسية التي تمتع بها هلموت كول وثقة الحلفاء به. لكنّ الثورة السلمية ويوم 9 تشرين الثاني 1989 كانا من صنع المواطنين في ألمانيا الشرقية. نحن سعداء بتقاسم ذلك الإنجاز، لكنه تحقق بفضل شجاعة المواطنين في ألمانيا الشرقية. لم يتمتع الجميع في ألمانيا الغربية بالشجاعة الكافية في تلك الفترة: أتذكر أن البعض رفض المجازفة حين طُلِب منه تهريب كتاب لنا عبر الحدود. تستحق هذه الوقائع الاعتراف بها على نطاق أوسع.

يسود جدل واسع حول حرية التعبير وحدودها. هل يشتق هذا الوضع من استخفاف سكان شرق ألمانيا بصعوبة العيش في مجتمع حر؟

كتب فاتسلاف هافيل أفكاراً جميلة جداً عن ضرورة أن يُعلّم الأهالي أولادهم العيش بحرية. كان هذا المفهوم غير ممكن طبعاً في ألمانيا الشرقية. لذا يجب أن يواكب البعض التطورات الحاصلة في هذا الإطار وفي مجال حرية التعبير أيضاً. لكني لا أعني بذلك أن يتفق الناس دوماً على جميع المواضيع، لأن حرية التعبير لا تعني تحريم الخلاف.

ألا تظنين إذاً أن حرية التعبير بخطر؟

لا. يحق لأشخاص مثل بيرند لاكي، مؤسس حزب "البديل من أجل ألمانيا"، أن يلقوا محاضرات في جامعة "هامبورغ". على الدولة أن تتدخل عند الحاجة. تتطور النقاشات نسبةً إلى الأفكار التقليدية السائدة التي تكبح على ما يبدو حرية التعبير. لكنّ هذا التوجه خاطئ. يجب أن نتوقع جميعاً مواجهة رياح معاكسة وحجج مضادة وغاضبة. حرية التناقض جزء من حرية التعبير. أنا أشجّع الجميع على التعبير عن آرائهم، لكن يجب أن يتحملوا التشكيك بها. حتى أننا قد نواجه أحياناً جدلاً عنيفاً. مررتُ بهذه التجربة شخصياً. إنه جزء من الديمقراطية. في جمهورية ألمانيا الاتحادية القديمة، سادت نقاشات مختلفة ومتعددة، كما حصل في نهاية الستينات، إذا كانت معلوماتي صحيحة.

عدا عنكِ، فرانزيسكا جيفي هي الوزيرة الوحيدة من ألمانيا الشرقية السابقة. جميع مدراء سوق مؤشر الشريحة الزرقاء "داكس" يأتون من غرب ألمانيا. ويتّضح غياب التوازن بشكلٍ فاضح في معظم المناطق. ما السبب؟

لا يأتي ولو مدير واحد في الجامعات الألمانية من شرق ألمانيا. هذا الوضع ليس غريباً فحسب، بل يعكس خللاً حقيقياً. ما زلنا بحاجة إلى بذل جهود كثيرة. ربما حصل ذلك لأن عدداً كبيراً من الناس كان متقدماً في السن بين العامين 1989 و1990. في عمر الخامسة والثلاثين، كنت لأجد صعوبة كبرى في تطوير مسيرتي المهنية وصولاً إلى رئاسة أي شركة. لكن كان أي طفل في تلك الفترة ليتمكن من بلوغ أعلى المراتب في المراحل اللاحقة من حياته طبعاً. يجب أن يكون الشخص واضحاً ومباشراً وصاخباً أحياناً للنجاح في مهنته. لا أستطيع إلا أن أشجّع سكان شرق ألمانيا على القيام بالمثل. لكنني أكرر مجدداً: هذا الوضع ليس إيجابياً.