بشارة شربل

مولوي والمثليون لا للقمع... لا للترويج

27 حزيران 2022

02 : 00

أعلمُ أن ما سأقوله في ما يخص الموضوع المثار عن المثلية الجنسية والهوية الجندرية العابرة لن يعجب "مجتمع ميم" ومؤيديه المقتنعين أو المزايدين، مثلما سيلقى استنكار المتشددين دينياً والمحافظين اجتماعياً والفاشيين سلوكاً باسم الأخلاق والدين. لكنني انطلقتُ من قناعة ثم "استفتيتُ" متنوّرين، فوجدت أن الموقف الوسطي ليس تسوية بين نقيضين، ولا هو تدوير زوايا للتقريب بينهما، بل موقف واقعي لا شك في اتساع حجم مؤيديه، هاجسُه احترام الجميع وتفهمهم انطلاقاً من عدم التنازل عن حرية الفرد بجسده وحقه في التعبير، وعدم التخلي عن حق الدولة في ضوابط ترفع الضرر عن المواطنين.

على ما تقدم فإن ادانة قرار وزير الداخلية بسام مولوي منعَ تجمع المثليين بديهية لِمَن يؤمن بالحريات العامة والفردية، خصوصاً أن جوهر القرار الاستجابة لرغبة رجال الدين. أما قرار "الأمن العام" منع الفيلم الكرتوني lightyear لاحتوائه تقبيلاً بين فتاتين فموضع ترحيب، كون المُنتَج لا يتوجّه الى راشدين، ويمكنه التأثير في أطفال وناشئين جاهزين لتلقف تلقائي لما يعرض عليهم ممزوجاً بكل المؤثرات الجاذبة، والتي تعلَق في الذهن كما لو أنها مسألة عادية صالحة للتقليد.

ومع أن المثلية الجنسية وُجدت منذ نشأة البشرية ومثَّلتها شخصيات طبعت التاريخ في الفلسفة والحروب والفنون والحُكم وكل مناحي الحياة، فإنها لقيت اضطهاداً دائماً من الامبراطوريات والديكتاتوريات والسلطات الدينية، وجوبهت بعقوبات الرجم والحرق و"الرمي من شاهق" وصولاً الى السجن والتحقير في دول لا تزال تجرِّم الممارسة الجنسية لهذه الهوية الجندرية. أما جديد العقود الماضية فهو "إشهار الهوية" باعتبارها جزءاً من تعددية فرضها تطوّر المجتمعات الغربية الديموقراطية على كل صعيد. وهذا تحديداً ما أثار محرضي وزير الداخلية ومناصريهم الذين يعلمون علم اليقين ان المثليين قد يكونون أشقاء لهم أو شقيقات وأبناء أو رؤساء ووزراء وعسكريين ورجال دين، لكنهم يريدونهم أن يستعينوا على قضاء حوائجهم بالكتمان ويَحولوا دون "فضائح" هي في نهاية الأمر ذات طابع اجتماعي هزيل الصلة بالأخلاق والإيمان.

"لا" لقمع المثليين والمتحولين. لكن هناك "لا" أخرى يجب أن ترفع في وجه الترويج للمثلية والتبشير بها باسم الحرية. فالاعتراف بهوية هؤلاء وإلغاء أي نصوص قانونية تنتقص حقهم في المساواة أو تمتهن كرامتهم واجب وضروري، أخذاً في الإعتبار الاستعدادات الجينية الفطرية والخيارات الحرة الراشدة، أما التعامل مع "المثلية" بوصفها "طبيعية" بالمطلق والتشجيع عليها جرياً مع trend عالمي فمسألة مرفوضة كلياً، كونهما يتضمنان توجيهاً للميول مخالفاً لأصلٍ أوجدته الطبيعة وبنيت عليه نواة الاجتماع والشخصية الإنسانية في عصرنا الحالي.

رجال الدين الغاضبون، لا ندعوهم الى التمثل بكنيسة السويد اللوثرية التي تجيز زواج المثليين ورسم القساوسة المتحولين، ولا الى الأخذ باجتهادات متحورة لإمام جامع باريس، بل الى استلهام "تقدّمية" البابا فرنسيس الرافضة "التطبيع" مع المثلية والمصرَّة في الوقت نفسه على الشراكة الانسانية مع كل كائن بشري. أما الأولوية فللتسليم بأن دستورنا الوضعي وحده مرجعية الجميع.


MISS 3