بشارة شربل

كفاكم تعنُّتاً

14 تشرين الثاني 2019

02 : 00

اليوم بعد تشييع علاء ابو فخر سيبقى عالقاً في ذهن اللبنانيين، ثائرين كانوا أم خصوماً للثورة، أنّ استشهاده بفعل مقابلةٍ لرئيس الجمهورية تحوّلت حدثاً دراماتيكياً مشكّلةً منعطفاً في ديناميكية الحراك.

حصل ما حصل. وسواء كانت المقابلة غلطة رئيس أم مستشار لا فرق. فالناس وعلاء فهموا الرسالة: أنتم أقلية. عودوا الى بيوتكم وأعيدوا الحياة الى طبيعتها وأرجعوا لنا طمأنينة سلطتنا ولا تتحدّونا و"بعدين منشوف"...

لم تفهم السلطة أنّ الثورات في توهّجها لا تعود خالية الوفاض!

لا. ما هكذا تدار الدول، ولا هكذا يعامل شعب حرّ توحّد تحت راية العلم اللبناني وفاجأ منظومة الفساد والإفساد بإسقاطه اسطورة الانقسام الطائفي وتأسيسه مواطنية ستتحوّل اسطورة اللبنانيين جيلاً بعد جيل.

الثورات ملحاحة ولا تقبل بمهلٍ بلا آجال.

رفضٌ مباشر فشارعٌ يشتعل.ثم شهيدٌ للثورة يضيف الى مشروعيتها المطلبية والأخلاقية والسياسية مشروعية الدم والشهادة.

مشكلة السلطة انها لا تجيد الخسارة. فأدبياتها قائمة على الانتصار الدائم. أوهمت جمهورها بأنّ إيصال شخصٍ لمنصب أو الهيمنة على تعيينات في الوظائف أو تقاسم المغانم، هي مكاسب للحزب والتيار والطائفة. كيف تتراجع لتعترف بأنّ الثورة غيّرت ميزان القوى، وبأنّ ما مارسته من تعطيلٍ- أتى برئيس وانتخاباتٍ حملت لها أكثرية وحكومة تتحكّم بها وبرقبة رئيسها- ذهبت نتائجه أدراج الرياح؟

نعم. تكشف مقابلة الرئيس أمراً أساسياً: يعاني أهل السلطة من ضيقين. ضيق صدر، فيما سعة الصدر "آلة الحكم"، وضيق خياراتٍ سياسية فيما أبواب الخيارات الوطنية المسؤولة مفتوحة على مصاريعها.

والضيقان خطيران. الأوّل كونه يرفض الرأي الآخر ساجناً النفس في انفعال أو أفكار مسبقة قوامها نظريات المؤامرة. ويستشف من الثاني أنّ خيار التعنّت ضدّ الشعب مهدٌ طبيعي للفوضى الأمنية. وتلك أولوية تتقدّم لدى السلطة على الحلّ السياسي بالدعوة فوراً الى استشاراتٍ نيابية وتشكيلٍ سريع لحكومة مستقلّة بعيداً عن أطروحات من نوع: حدّدوا ممثليكم. اختاروا زعيماً لكم. قولوا لنا ماذا تريدون. انتم أولادنا وأحبابنا. لم نولد إلا لخدمتكم أو في جيبنا أوراق اصلاحية أين منها ورقة رئيس الحكومة المستقيل.

كفى!!! طفل علاء ابو فخر غرق في دم أبيه في خلدة. هناك زوجةٌ مفجوعة وأمٌ ثكلى. وثورة مصنوعة في لبنان تزفّ شهيدها متجاوزةً التهويل والتخويف. أما مِن مستشارٍ حكيم أو حليفٍ حصيف يُبلغ انّ التنازل لمصلحة كلّ اللبنانيين أفضل من خيار الفوضى المريض؟ أما من حريصٍ على صورة الرئاسة والرئيس؟


MISS 3