ريتا ابراهيم فريد

تمرّدت على المرض في كتاب "كان سرّاً"

ميسا رعد: الحياة بحدّ ذاتها حافزٌ للمواجهة

1 تموز 2022

02 : 05

ميسا مع ابنها نديم
تقف ميسا رعد بثقةٍ أمام غريمها "الخبيث". تتحدّاه بابتسامة ساخرة، ثمّ تصرخ في وجهه بكل ما أوتيت من قهر. ترمي أمامه كل سنواتها الصعبة وتجاربها القاسية معه، وتؤكّد أنّها ستتغلّب عليه. ميسا شابة في ربيع العمر، جميلة، مثقّفة، قوية. لها صولات وجولات مع السرطان الذي خطف منها والدتها في صغرها. فقد زارها قبل سنوات، وانتصرت عليه. وها هو يعود اليوم. فاختارت ميسا أن تغيّر شكل المعركة، وأن تنشر قصّتها التي تبوح فيها بكلّ ما في داخلها من أسرار وأحزان. فأصدرت كتاب "كان سرّاً"، الذي تروي من خلاله تجربتها مع هذا المرض، مشدّدة على أهمية المواجهة والتمسّك بالحياة. "نداء الوطن" تواصلت مع ميسا التي تحدّثت عن كتابها الجديد وعن أملها الدائم بالشفاء ورفضها للاستسلام.

كتابك "كان سرّاً" يدعو الى "ثورة البوح بما في داخلنا من دون خجل". كيف يمكن لهذه الثورة أن تكون أولى خطوات التعافي؟

المشاعر السلبية والمؤذية تخرج من داخلنا بمجرّد أن نبوح بها. سأعطي مثالاً عن ذلك. كوني أمتلك شخصيةً فضولية، كان دوماً الشكل الخارجي للأشخاص يدفعني للتقرّب منهم كي أعرف قصصهم وأحاول تقديم المساعدة لهم، لا سيّما أني كنتُ أتمنى أن أحصل بدوري على هذا الدعم، لذلك أحاول تقديمه للآخرين حين ألاحظ الحزن بادياً على وجوههم. وحين كنتُ أتابع جلسات العلاج في المستشفى، كنتُ ألتقي مع المرضى خلال فترة الانتظار، وكنّا نتساير ونتحدّث. كنتُ أسألهم إن كانوا قد مرّوا بحزنٍ كبيرٍ في الفترة التي سبقت إصابتهم بالسرطان. وأؤكّد هُنا من دون مبالغة، أنّ أكثر من 90 بالمئة منهم أتى جوابهم إيجابياً، واعترفوا بأنّهم مرّوا بظروف صعبة جداً وأوضاع نفسية قاسية وغير مستقرّة. بالطبع لا أتحدّث هنا عن الحزن العادي. بل عن الألم الكبير الذي يدمّرنا نفسياً، حتى بتّ على يقين بأنه يتحوّل الى خلايا سرطانية مع الوقت. بالتالي، من خلال التعبير وتجنّب الكتمان، يمكننا أن نتخلّص من المشاعر السلبية وأن نخفّف قدر الإمكان من الأذية التي تلحقها بنا.

من العبارات اللافتة في الكتاب: "ناعمة مثل نسمة الصباح، صلبة كالجذور، خشنة كأشواك زهرية جورية، طيبة كعطر الياسمين". كيف استطعت أن تجمعي بين كل هذه التناقضات؟

على الإنسان أن يتقن كيفية التحوّل. فهناك ظروف تفرض علينا أن نتحوّل. إذا بقينا على النمط ذاته، من المستحيل أن نكمل حياتنا. يجدر بنا أن نكون أقوياء لمواجهة المواقف الصعبة التي تعترضنا. حين علمتُ بمرضي، كان عليّ أن أجري أحد التحاليل الطبية الذي يتمّ خلال إدخال حقنة كبيرة الى الكبد أكثر من مرة، للحصول على خزعة. الأمر كان صعباً لأنّه يتمّ من دون تخدير، وكنتُ أتألم بشدّة. وهُنا سمعتُ الطبيب يتحدّث الى زوجي (من دون أن يعلم أني أستمع) ويقول له: "ما شايفها عم تموت، هيدي بتروح بين إيديي". بكيتُ كثيراً. لكن بالرغم من قساوة هذه العبارة، كان عليّ أن أتّخذ قراري بالتحلّي بالقوة. تمالكتُ نفسي ودخلتُ غاضبة وانتفضتُ عليه. فانهمرت دموعه واعتذر مني، وأجرى لي سحب الخزعة. حينها أدركتُ بيني وبين نفسي أنّي بمجرّد قدرتي على الصمود لهذه الدقائق العشر خلال استخراج الخزعة، بالتالي يمكنني أن أستمرّ في المواجهة.

شدّدتِ أيضاً عن منطق القوة، وقلتِ: "الحياة لا تقبل الضعفاء، وتتمسّك بالذي يعاندها". لكننا نعلم أنّ المرض يُضعف الإنسان. برأيك ما هو الحافز كي يستمرّ بالمواجهة؟

لكلّ إنسان حافز خاصّ به. أنا أصرّح دوماً بأنّ إبني نديم هو الحافز لصمودي، لكنّ الحياة بحدّ ذاتها هي الحافز الأساسي. إصراري على البقاء ورغبتي بأن أعيش لفترة أطول. الحياة تستحقّ أن نعيشها رغم كل ما فيها من صعوبات. على الإنسان أن يأخذ قراره من الداخل بأنه يريد الحياة. أحياناً يصل المريض الى مرحلة متقدّمة من التعب، وهُنا قد يموت إذا استسلم، لكنّه قد يعيش لفترة أطول إذا قرّر التمسّك بالحياة.

ما أهمية أن يتصالح الإنسان مع ذاكرته وأن يتحرّر من الماضي كي يواجه؟

حين نقترب من المرض، نشعر بالندم على لحظات الحزن في السابق. تماماً مثل قيادة السيارة، علينا أن ننظر دوماً الى الأمام. إذ لا يمكننا أن نكمل حياتنا بطريقة سليمة إذا بقينا متمحورين في الماضي. علينا أن ندرك أنّ الماضي لا يمكن تغييره أبداً، وأنّ ما يمكننا فعله هو أن نتصالح معه، وأن نأخذ منه العبر كي نستمدّ القوة. كما علينا تقبّل الماضي باعتباره مرحلة مررنا بها كي تساعدنا اليوم على المواجهة بطريقة أقوى. فهناك دوماً هدف أو رسالة ما خلف ما نمرّ به من صعوبات، وسنفهمها لاحقاً مع مرور الوقت.




كتاب كان سرّاً



ماذا عن الدور الذي لعبه الإعلامي سامي كليب في تحفيـــــــزك لنشــــــر الكتاب؟

بصراحة، لولا دعمه وتشجيعه المستمرّ، لما كنتُ أصدرتُ هذا الكتاب. فهي تجربتي الأولى في الكتابة، ولم أكن أمتلك الثقة الكافية بقدرتي على تقديم الأفضل، خصوصاً أنّي أكره أن أقوم بأيّ عمل ناقص. الأستاذ سامي كليب صحّح لي الأجزاء الأربعة الأولى من الكتاب لناحية التدقيق اللغوي وأخطاء القواعد. ثم بدأ بتعليمي كيف أطوّر نفسي وأتعلّم من أخطائي. وهكذا أكملتُ الأجزاء الباقية بأسلوب أفضل.

الكاتبة نادين جابر عبّرت عن إعجابها بالكتاب بشكل لافتٍ أيضاً. أين يترجم هذا الدعم الذي نتلقّاه من المحبين؟

الدعم الذي نحصل عليه مهمّ جداً، خصوصاً من الذين نثق بهم، فمن شأنه أن يحفّزنا على تقديم الأفضل. كما أنّ محبة الناس هي إحدى النعم في حياتي التي ساهمت بتشجيعي على المضيّ قدماً، حيث أنّي أذكّر نفسي دوماً بالتأثير الذي أتركه في نفوسهم، فلا يجدر بي أن أخيّب أملهم.

مــــن خلال تجربتــــــك، ماذا تقوليــــن لكلّ مريض يشعر أنّه على وشــــــــك الاستسلام؟

من الطبيعي أن يشعر أي إنسان بالضعف في مرحلة ما. عليه أن يذكّر نفسه بما مرّ به وصولاً الى اليوم، وبالانتصارات التي حقّقها.

الرحلة صعبة والمرض متعب، لا شكّ في ذلك. لكن عليه ألّا ينسى أنّ هناك فرصة دائمة للشفاء، وأنّ الطبّ يتطوّر بشكل سريع، بالتالي فالأمل كبير بظهور قريب للعلاج الذي سيقضي كلياً على هذا المرض. وعلينا أن نحافظ على حياتنا حتى يأتي هذا اليوم.

هل من مشروع لتحويل هذه القصة الى فيلم؟

حتى الآن لا. لكني أؤكّد أنّ هناك مشروعاً لإصدار كتابٍ جديدٍ بإذن الله.


MISS 3