نيكول القصيفي

الـ"influencers" ...صنّاع محتوى أم منتحلو شخصية؟

2 تموز 2022

02 : 01

في عصر باتت فيه مواقع التواصل الاجتماعي محطة ترفيهية، فنية، توعوية، سياسية وثقافية، تتيح للجميع فرصة اثبات الذات، أصبحت الشهرة أسهل مما كانت عليه سابقاً. فبنقرة زر يمكن لرواد هذه المواقع متابعة الشخص الذي يثيرهم مضمون محتوى صفحته، ما يحوّله الى مؤثر ذائع الصيت في رصيده آلاف وملايين المتابعين. ولكن هل يحق لمن يشاء ان يتناول مواضيع لا تصب في مجال اختصاصه؟

نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي فنقع على كم هائل من الصفحات التي يعالج اصحابها مواضيع مختلفة في أكثر من مجال. نتابعها سيراً مع الموجة القائمة، وافقنا على محتواها أم لا، كي لا نكون خارج "ترند" متابعة المؤثرين الذين تطلق عليهم تسمية influencers بالانكليزية.

نرى مثلاً نادين ويلسون نجيم التي نالت لقب ملكة جمال لبنان في العام 2007، تحولت اليوم الى مؤثرة في رصيدها 281 ألف متابع على منصة "انستغرام".

أرادت نادين دخول العالم الافتراضي كامرأة لبنانية في مواجهة المجتمع العربي بعيداً عن عالم الجمال، على حد قولها، متناولةً مواضيع وقضايا تعزز ثقة المرء بنفسه وتساعده على ابراز خياراته كما هي في مجتمع لا يرحم. فتراها مثلاً تنشر فيديو تظهر من خلاله وجهها مع فلتر ومكياج ومن ثم من دون أي منهما بارزةً الفرق، معلقةَ: "هذه هي البشرة الطبيعية. لا يجب ان يخجل أحد من نفسه بسبب المعايير غير الحقيقية التي فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي".





وخلال حديثها معنا، اكدت أنّ "عائلتها الافتراضية عبر مواقع التواصل متنوعة جداً وتضم جميع الفئات العمرية والجنسين على حد سواء"، وتضيف: "هدفي واحد وهو ان يكون لدينا شجاعة للتكلم عما نشعر به، عن صراعاتنا الداخلية ومشاكلنا اليومية وان نحترم الجميع بكل الظروف".

اما في ما يخص المتنمرين على محتواها، فتعلق قائلةً: "لا يشكلون إلّا 5 في المئة من متابعيّ، وأحرص الاضاءة على تعليقاتهم من خلال صنع محتوى يواجه سلبيتهم بالإيجابية".




نور فياض



واذا كانت نادين تنشر الايجابية بطريقتها هذه، فالصحة النفسية لا تغيب ايضاً عن صفحات المؤثرين فنور أبو فياض تقدم محتوى متنوعاً عن الجمال والموضة، مستغلةً وجودها على مواقع التواصل للتوعية على أهمية الصحة النفسية والامراض التي يمكن ان نواجهها بعد معاناة طويلة مع القلق، وتشير الى ان "هدفها التخفيف من شعور الوحدة لدى الناس حتى ولو كان شخص واحد بحاجة الى ذلك". وتابعت: "اريد ان يعرف الجميع مدى أهمية صحتنا النفسية مهما بلغنا من العمر، خصوصاً الرجال الذين يعانون من ضغط المجتمع من ناحية منعهم من التعبير عن مشاعرهم".




بيلا عون



اما عن كتابها "The complete opposite of everything" الذي عالجت من خلاله قضايا تتعلق بالصحة النفسية نسبةً لأحداث حقيقية حصلت على ارض الواقع، فتعلق: "متابعيّ ساهموا في إلهامي خلال كتابتي للكتاب"، مضيفةً: "أنا في الأصل كاتبة، ومردودي المالي لا يتعلق بكوني مؤثرة".

رأي علم النفس




ماي مارون




نتوقّف عند المواضيع المطروحة من المؤثرين، لنستطلع رأي اصحاب الاختصاص في علم النفس بهذا المحتوى، حيث تقول رئيسة قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية بيلا عون إنه "لا يمكن انتحال صفات ونشر معلومات وارشادات من دون ان يكون الشخص مؤهلاً؛ فعلم النفس لا يقتصر على العلم فقط انما على الخبرة والمتابعة". وتتابع: "بسبب دقة هذا الموضوع، باشرت وزارة الصحة بتنظيم هذه المهنة أكثر وذلك من خلال إلزام المتخرجين الحصول على مزاولة المهنة قبل ان يتاح لهم ممارستها قانونياً، ومن خلال إنشاء نقابة إلزامية تعمل لتفعيل كل النشاطات والقوانين بحيث يمنع على أي شخص امتلاك عيادة خاصة ومعالجة المرضى أو حتّى أن يطل عبر الإعلام، قبل الحصول على ترخيص مزاولة المهنة. لذا سيتم انتخاب هذه اللجنة في الأشهر المقبلة، لتنظيم واختيار من لديه الكفاءة والخبرة والاطلاع في هذا المجال والسماح له بالتكلم عبر وسائل الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية، ووضع الأمور في نصابها لعدم تشتيت المشاهد ونقل المعلومات المغلوطة له".




ايلي حنا



وختمت "من ليس له الصفة الرسمية يعتبر منتحلاً المهنة ويجب محاسبته"، متأملةً ان يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذه القضايا عند انتخاب وتفعيل دور اللجنة.



انطوني رحايل



فرض الرقابة... واجب

ننتقل الى جينو رعيدي الذي رفعت بحقه عدة دعاوى بسبب أسلوبه المستفز ودعمه لثورة "17 تشرين". من يتصفح محتوى صفحته على "انستغرام" التي تضم 115 ألف متابع يلاحظ جرأته التي لا يستثني فيها أحداً... من "السيد" الى الرئيس وغيرهما، يتكلم رعيدي عن فساد الجميع حتى من لم يعتد اللبنانيون على ذكرهم. وازدادت متابعة الناس له بسبب تواجده في ساحات الثورة، وتغطيته أحداثها، وانفجار "4 آب"، ويقول جينو: "رغم كل الدعاوى والتهديدات لن أخاف أو أتراجع عن قول الحقيقة، مضيفاً انه:"يركز كثيراً على موضوع التبعية السياسية لأنه اختبرها منذ صغره في لبنان ولم يرَ إلا استغلال السياسيين لتبعية المواطن".




جينو رعيدي




من الثورة ندخل عالم المأكولات اللبنانية التي اشتهر في اظهارها انطوني رحايل او موقعه المعروف باسم "No garlic no onions"، كما يعرفه كل من يتابعه على "انستغرام" وفي رصيده 316 ألف متابع.

ينقل انطوني صورة لبنان عكس الذي نشاهده يومياً على الاخبار بهدف الإضاءة على الابطال اللبنانيين الذين يصنعون اللقمة الطيبة ويستحقون ان يعرفهم الناس أكثر، ويقول: "اريد مساعدة كل من يستحق ان يتعرف إليه الناس وهو غير قادر على تحقيق ذلك بمفرده"، مشيراً الى أنه يموّل محتوى صفحته من تلقاء نفسه لانه يعشق ما يقوم به بعيداً عن اي هدف أو مردود مادي.

ويضيف: "انا لست مشهوراً... انما محبوب"، متأسفاً على معايير الشهرة التي باتت ترتكز على المال و"الشفاف" و"الشعر" وليس على المضمون.

الى عالم الموضة، حيث ينتقد ايلي حنا (المتخصص في الصيدلة) المعروف بـ"شرطة المشاهير" اطلالات المشاهير ويقدم نصائح في عالم الموضة.

وفي حديثه معنا أكد انه "يعلق على الأخطاء التي يرتكبها المشاهير مقدماً بديلاً عنها من اجل مساعدة متابعيه للاطلاع على آخر صيحات الموضة وليكون دليلهم في هذا العالم". وأضاف: "يجب ان يعرف الناس ان الموضة ذوق ولا علاقة لها بالمال". وختم "أسلوبي المستفز وطريقة معالجتي للامور هي التي تلفت متابعيّ".

قد يعتبر "المؤثر" ان ما يقدمه نابع من تجربة شخصية او من معرفة او بجهد اطلاعه الشخصي، الا أنّ لعلم الاجتماع رأي آخر في هذا الموضوع، اذ يرى أن المؤثر هو نفسه أحياناً من يؤذي، فبحسب الدكتورة في علم الاجتماع التربوي ماي مارون إن غالبية المؤثرين خصوصاً في المجتمعات العربية يتناولون محتوى بعيداً عن الحقل الأكاديمي الذين ينتمون إليه بحيث يقدمون إرشادات ونصائح على مختلف الأصعدة من التجميل، الى الصحة، والأكل ومواضيع أخرى قد تكون دقيقة، من دون التأكد من صحتها متجاهلين ما تحدثه من تداعيات سلبية على متلقيها.

وبالنسبة الى مارون ينبغي على كل شخص التأكد من المعلومة قبل المباشرة بتطبيقها او حتى التأثر بها للحد من الأضرار التي تحصل في غالب الأحيان مع من هم من غير المتعلمين ويثقون بأن المؤثرين اهل لأخذ النصائح منهم، مشددةً على أهمية نشر التوعية وفرض الرقابة ولا سيما في لبنان حيث تسود الفوضى وانتهاك القوانين والأخلاقيات.


MISS 3