"أسود الرافدين" يهزمون إيران ويشحنون "الثورة العراقية"

01 : 12

في الوقت الذي تواصل فيه القوّات الأمنيّة رفع حصيلة الضحايا بين المدنيين بسبب قمعها الوحشي للاحتجاجات الشعبيّة التي تفجّرت في وجه الطبقة السياسيّة الفاسدة بشكل عام وحكومة عادل عبد المهدي المدعوم من إيران بشكل خاص، شكّل "الفوز القاتل" لمنتخب "أسود الرافدين" على غريمه الإيراني 2-1 في ستاد عمّان الدولي في الأردن، في الدقيقة 91 من المباراة، جرعة دعم معنويّة منتظرة وانتصاراً كرويّاً ذا نكهة سياسيّة كاملة الدسم الوطني، ومتنفّساً للثوّار العراقيين في معركتهم "المقدّسة" في وجه نظام سياسي مهترئ قابل للإنهيار المفاجئ رغم الدعم الإيراني اللامحدود له.

وارتدى الجمهور العراقي اللون الأسود ووضعوا كمامات على وجوههم داخل الملعب، في لفتة تضامنيّة مع المتظاهرين في "ميدان التحرير" في بغداد وباقي "ساحات الثورة" في الجنوب العراقي. وبينما منعهم الأمن الأردني من ادخال لافتات سياسيّة سمح لهم بحمل العلم العراقي فقط. ووسط جوّ حماسي، هتف الجمهور العراقي مراراً بصوت واحد: "إيران برّا برّا، بغداد حرّة حرّة"، إضافةً إلى "بالروح بالدم نفديك يا عراق"، بالتزامن مع إطلاق الهتافات والصيحات نفسها من "ساحة التحرير"، حيث نُصِبَت شاشات عملاقة تحلّق حولها الثوّار.

ومع بدء النشيد الإيراني قُبيل انطلاق المباراة، علت صافرات الاستهجان بكثافة لافتة من قبل العراقيين المنتفضين على واقعهم الأليم، الذين يعتبرون أن احتجاجاتهم تشمل بشكل خاص الجمهوريّة الإسلاميّة التي يتّهمونها بأنّها مهندسة النظام القائم الذي ينخره الفساد والمحسوبيّة، فيما قُتِلَ أربعة متظاهرين بقنابل مسيّلة للدموع في بغداد، حيث تواصل القوّات الأمنيّة قمع موجة الاحتجاجات الصاخبة، بالرغم من الضغوط السياسيّة والديبلوماسيّة لوضع حدّ لأزمة خطرة تُعدّ الأكبر في البلاد منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

وباتت بغداد أشبه بساحة معركة، وسط أزيز الرصاص الحيّ وقنابل الغاز المسيّل للدموع. كما لا يزال جنوب البلاد ذو الغالبيّة الشيعيّة مصاباً أيضاً بشلل جزئي، جرّاء حركة واسعة من العصيان المدني، بينما بدأت الأمم المتّحدة هذا الأسبوع وساطة لإخراج البلاد من دوامة العنف، إذ تشكو شريحة واسعة من العراقيين، بينهم سياسيّون، من تعزيز إيران سيطرتها في الآونة الأخيرة على مفاصل القرار في بغداد، والتي أرست اتفاقاً يُبقي على السلطة ويُنهي الاحتجاجات "بكلّ الوسائل المتاحة". وأعادت قضيّة سقوط قتلى بسبب قنابل الغاز المسيّل للدموع التي تُطلقها القوّات الأمنيّة مباشرةً في اتجاه المحتجّين، التذكير بدعوات المنظّمات الحقوقيّة إلى وقف استخدام هذا النوع "غير المسبوق" من القنابل، التي يبلغ وزنها عشرة أضعاف وزن عبوات الغاز المسيّل للدموع العادية وتخترق جماجم المتظاهرين.

وبالعودة إلى خط المساعي الديبلوماسيّة، طرحت الأمم المتّحدة عبر رئيسة بعثتها في العراق جينين هينيس بلاسخارت، خريطة طريق حظيت بموافقة أعلى مرجع شيعي في البلاد علي السيستاني، مقسّمة على مراحل، تدعو إلى وضع حدّ فوري للعنف، والقيام بإصلاحات ذات طابع انتخابي، واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد في غضون أسبوعَيْن، تتبعها تعديلات دستوريّة وتشريعات بنيويّة في غضون ثلاثة أشهر. لكن لم يبد ذلك كافياً للمحتجّين الذين يُطالبون بإصلاح شامل للنظام السياسي القائم منذ سقوط النظام السابق في العام 2003، وتجديد الطبقة السياسيّة التي احتكرت السلطة مذّاك.

ولإيصال أصواتهم، أعاد المتظاهرون أمس إغلاق المدارس ومعظم الإدارات الرسميّة في الحلة والديوانيّة والكوت في الجنوب. وفي الناصريّة، أفاد مراسل "فرانس برس" عن فرض حظر للتجوّل في منطقة الغراف في شمال المدينة، ونشر تعزيزات أمنيّة للسيطرة على الأوضاع. وفي مدينة النجف المقدّسة لدى الشيعة، أغلق التجّار محلاتهم في السوق القديمة المتاخمة لمقام الإمام علي، الذي يزوره ملايين الشيعة سنويّاً.

توازياً، قدّمت الحكومة المأزومة إلى البرلمان مشروع قانون انتخابياً كإصلاح رئيسي، لكنّ النصّ لا يزال غير مدرج في جدول أعمال المجلس. وسيستجوب البرلمان خلال أسبوعَيْن وزيرَيْ الزراعة والصناعة، اللذَيْن قد يكونان أوّل الغيث في عمليّة التعديل الحكومي التي أشار إليها عبد المهدي، في وقت أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة سعد الحديثي إطلاق سراح 1650 متظاهراً وإحالة 66 ضابطاً إلى المحاكمة. ويُواجه عبد المهدي انتقادات متزايدة حيال أساليب قمع التظاهرات، إذ تتّهم المنظّمات الحقوقيّة، السلطات، بإطلاق الرصاص الحيّ على المحتجّين والحدّ من حرّية التعبير من خلال قطع الإنترنت وحجب وسائل التواصل الاجتماعي والاعتقالات التعسّفية.


MISS 3