خالد أبو شقرا

"ناطورة" الظلمات" تدير العتمة بدلاً من تأمين الكهرباء

فصل دير عمار عن الشبكة توفيراً للفيول
ساعات الكهرباء التي لا تكفي لانهاء «نزل غسيل»، تعتبر أكثر من كافية للضغط على المواطنين، وتحقيق المنظومة غاياتها. ما تبقى من تغذية هزيلة تشكل لآلاف العائلات «الحيلة والفتيلة»، بعد تحليق تعرفة المولدات، توظف لحسم ملفات الصراع الجيوسياسي حيناً، وللمفاوضة على مصير اللبنانيين أحياناً كثيرة. هكذا ومثل العادة يخيّر المواطن بين السيئ والأسوأ، ولا يفسح له المجال للرفض أبداً.





صباح الأحد الفائت أخرجت مؤسسة الكهرباء معمل دير عمار من الخدمة كلياً لمدة أسبوع، بحجة توفير الفيول لـ»رفع عدد ساعات التغذية قدر المستطاع خلال فترة عيد الأضحى المبارك». وعليه لم يبق في طول لبنان وعرضه لتأمين الكهرباء إلا معمل الزهراني الذي يعمل بنصف قدرته الانتاجية، أي حوالى 200 ميغاواط. في حين تفوق الحاجة الفعلية 3200 ميغاواط. وبالتالي فان نسبة التغذية على كامل الأراضي اللبنانية خلال الاسبوع الحالي ستقتصر على 6 في المئة من مجمل الحاجة الاجمالية.

التغذية 6% من الحاجة الفعلية

هذه «المهزلة» تبررها المؤسسة في بيان، بعدم تلقيها في شهر حزيران إلا شحنة واحدة من الغاز أويل بحجم 33900 طن متري، تكفي لتسيير المعملين لفترة 18 يوماً كحد أقصى بنصف قدرتهما وليس 30 يوماً. و»ذلك إلى حين تلقي شحنة تموز في 28 منه». في المقابل نص الاتفاق مع الدولة العراقية بشكل واضح على تلقي لبنان مليون طن لمدة سنة، أي ما يعادل شهرياً بين 70 و75 ألف طن، بعد «سواب» التحويل من الفيول الاسود الثقيل إلى الغاز أويل. ومن المفترض أن تكفي هذه الكمية لتشغيل معملي دير عمار والزهراني بطاقتهما القصوى، ما يوفر بين 800 وألف ميغاواط تكفي لتأمين التغذية بين 8 و10 ساعات يومياً. ولكن هذا ما لم يحصل في معظم الأحيان منذ بدء سريان الصفقة لواحد من سببين، بحسب مدير عام الاستثمار والصيانة السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون، وهما:

- إقتراب نهاية صفقة النفط العراقي، التي ستضع لبنان على مفترق خطير في حال لم تمدد أو يؤمّن البديل.

- المماطلة في رفع المعوقات عن وصول الغاز المصري إلى معمل دير عمار، والكهرباء من الأردن بقدرة تتراوح بين 200 و250 ميغاواط، اللذين ما زالا، حسبما يظهر، «طبخة بحص» من المستحيل أن تنضج.

لحظة حرجة جداً

في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البلد، «لا نستبعد أن يكون وراء تقليص شحنات النفط العراقي، والتمهيد لوقف المعامل وغرق البلد في العتمة الشاملة، وتخويف اللبنانيين من الأسوأ وتأخير الحلول الاخرى... نوعاً من الاحتراز من جهة والضغط من الجهة الثانية»، برأي بيضون. فمع انعدام القدرة على فتح الاعتمادات وتمويل استيراد الفيول حاجة المعامل، وسيطرة الضبابية في ما يتعلق بامكانية تمديد صفقة النفط العراقي، تعمد وزارة الطاقة إلى تقليص الاستهلاك بشكل حاد من أجل إطالة فترة الاستفادة من النفط العراقي لأقصى فترة ممكنة تحاشياً للغرق في العتمة الشاملة. أما لجهة الضغط فيرى بيضون أن «هذه الحالة من اللاكهرباء ستستمر إلى حين التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مثلما يشتهي الجانب الاسرائيلي».

القرار سياسي بحت

في السياق يرى خبير اقتصاديات النفط والغاز فادي جواد أن «لبنان لن يستطيع استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية لرفع ساعات التغذية الى 10 ساعات بظل «الفيتو» الاميركي على إعطاء الضوء الاخضر للبلدين. وذلك على رغم المؤشر الذي أعطاه توقف معمل دير عمار للأميركيين لانهاء تقييمهم الذي تكلموا عنه لاخذ القرار ببدء عملية الاستجرار من البلدين». ولكن، «القرار بهذا الموضوع هو سياسي بحت»، بحسب جواد. فالامور التقنية لجهة فحص الخط العربي الذي يصل طرابلس من العريش المصرية تأكد منها الجانب المصري، وقام بالصيانة المطلوبة. ولذلك فان الوسيط الاميركي يستعمل ورقة احتياج البلد للطاقة، مُوقفاً موضوع الاستجرار إلى حين الانتهاء من الترسيم. وقد ظهرت المماطلة بالموضوع منذ آب 2021 تاريخ تقديم السفيرة الاميركية هذا الاقتراح، الذي يتحرك كالسلحفاة، مع العلم أنه من الناحية الفنية لا يحتاج إلى أكثر من شهرين لتنفيذه».

اذاً، الاستجرار متوقف كلياً بالرغم من التوقيع خلال 3 اشهر الماضية، وهو لا يحتاج إلاّ لكبسة زر مصرية أردنية بمباركة أميركية حتى يتمتع اللبنانيون بساعات تغذية اضافية. إلا أنه بحسب معلومات جواد الشخصية فان «الاستجرار لن يبدأ قبل الانتخابات الرئاسية، حيث يضع الطرف الاميركي هذا الملف من ضمن سلة التفاوض مع الرئيس اللبناني الجديد. وما يحدث اليوم من آراء شفوية لا تلزم الطرفين في موضوع الترسيم، ورفض الجانب الاسرائيلي للتعرج اللبناني في بلوك 9 خوفاً على مساحته في البلوك 72، ما هي الا مماطلة لكسب المزيد من الوقت لحين انتهاء منصة الانتاج الاسرائيلية من التصدير الفعلي. وبالتالي تراجع قوة لبنان في المطالبة بهذه المنطقة. ومن الآن لوقتها سيبقى موضوع حل ازمة الكهرباء مجمداً».

المشكلة الداخلية لم تُحل

الضغوط التي تمارس على لبنان من أجل انهاء ملف ترسيم الحدود البحرية، لا يعفي وزارة الطاقة من مسؤوليتها. «فبالنسبة إلى صفقة النفط العراقي لم تكن «حسنة» إنما هي قرض مقابل خدمات وسلع لم يقدمها بعد لبنان لغاية اللحظة. ولم يعلن صراحة حتى الآن عن أي آلية لكيفية التسديد للجانب العراقي»، بتقدير بيضون. وعليه فان من غير المتوقع في غمرة الطلب على النفط بأغلى الاسعار أن يقبل العراق بتجديد الصفقة بنفس الشروط، وقد لا يرضى إلا بالدفع النقدي بالعملة الصعبة وهذا ما يعجز لبنان عن توفيره. فالصفقة الماضية، بحسب بيضون، «كانت بشفاعة أميركية لكي يبقى في البلد بصيص نور فقط لا أكثر. أما من جهة ثانية فان إحدى شروط حصول لبنان على قرض التمويل لشراء الغاز والكهرباء هو إصلاح قطاع الطاقة، وهذا ما لم يحصل رغم إقرار خطة الكهرباء. ولعل من أهم الشروط كان تعيين الهيئة الناظمة للقطاع وتعديل التعرفة وخفض مستويات الهدر».

البدائل مهمة... لكنها ما زالت غير كافية

التوسع بتركيب أنظمة الطاقة الشمسية التي ينتظر أن تصل قدرتها الانتاجية في نهاية العام الحالي إلى 450 ميغاواط بالغ الاهمية، إلا انه يبقى غير كاف. فهذه الكمية المنتجة تشكل 15 في المئة فقط من مجمل الحاجة، وهي محصورة بالميسورين مادياً أو من أولادهم في الخارج يحولون لهم ما بين 3500 و5000 دولار لتركيب النظام على الطاقة الشمسية.

الفساد المستشري في قطاع الطاقة منذ سنوات حول المؤسسة المعنية بادارة الكهرباء إنتاجاً، نقلاً، وتوزيعاً إلى «ناطورة» الظلمات. حيث يقتصر دورها بحسب البيان الصادر عنها على إطفاء معمل وتشغيل آخر تقنيناً لكميات الفيول التي تصل إلى البلد. وعليه، فقد بشرت بخروج الزهراني عن العمل في 19 الجاري، والابقاء على معمل دير عمار شغالاً كحد أقصى لغاية 28 الحالي لحين وصول شحنة مادة الغاز أويل المخصصة لشهر تموز. وفي حال تأخر وصولها فان البلد سيغرق في العتمة بشكل كلي.