هالة نهرا

فؤاد حسن: جُرِحَ زياد الرحباني وانكسر إصبعايَ وعادل إمام قال لي "اختشي"!

7 تموز 2022

02 : 01

فؤاد حسن مع محمود ياسين

فؤاد حسن، صديق "أبو سليم الطبل" (صلاح تيزاني) ورفيق دربه، المعروف بـ"زغلول" في لبنان، يفاجئنا بتاريخه الفنّي الغنيّ اللافت، المكتظّ بأحداثٍ يرتصّ فيها طين التشويق، وبمحطّاتٍ مثيرة و/أو أليمة لا يعرفها الجمهور، وبنجومٍ كبار شارك في أعمالٍ إلى جانبهم وكانت له معهم تجارب وامضة ومكثّفة. خامرتْ الظلال فؤاد حسن طويلاً في الإعلام، ليخالَهُ حتى المتابع المتضلّع اليوم نابتاً على حِدة في أمداء الفنّ اللبناني والعربي؛ لكأنه زهرة برعمتْ في العراء.

حدَّثَنا فؤاد، عبر "فْلاشْباكات" الذاكرة (Flashbacks) عن طُرَف وارتجالات حوارية فنية - اصطبغت بسرعة الخاطر وبوارق الموهبة والقريحة - وما انسلّ منها من ظرافةٍ وفكاهةٍ ابتدعهما معه في تأليفٍ فوريّ وليد اللحظة والمكان النجم المصريّ الكبير عادل إمام على الخشبة، وعمّا نتجَ من مواجهةٍ تمثيلية بينه وبين الفنان الكبير زياد الرحباني على الخشبة فجُرحَ زياد فعلاً وحقيقةً يومذاك في موضعٍ دقيقٍ تحت عينه، واستمرّ العرض أمام الجمهور كأنّ شيئاً لم يكن (!) وسواها من الشدائد والأمور والمواضيع.




مع أحمد راتب في كواليس مسرحية "الزعيم"





أفادنا فؤاد حسن بأنّ الجزائري فاروق بلوفة جاء العام 1978 لإخراج فيلمه السينمائي بعنوان "نهلة" المتمحور حول الحالة الاجتماعية والحرب اللبنانية. عمل معه فؤاد حسن بوصفه مساعد مخرجٍ ومدير إنتاجٍ وممثّلاً، طبقاً لما أخبرنا به. وأردف قائلاً: "جاء زياد الرحباني يومذاك ليعزف على البيانو في مشهدٍ من الفيلم، فالتقينا وتعارَفْنا. هناك سألني زياد: "هل تحبّ المشاركة معي في دورٍ تمثيليّ في عملٍ مسرحي؟"، فأجبتُه: "نعم، لِمَ لا"، علماً بأنه كان يحضّر مسرحيته الشهيرة "فيلم أميركي طويل". في المسرحية المذكورة أدّيتُ لاحقاً دور الممرّض المشرف، والمفارقة تكمن في أنني كنتُ مجنوناً أكثر من المرضى! ثمّة مقطعٌ يصرخ فيه زياد في المسرحية "صابونة، صابونة!"، فنهرع إليه لمساعدته ظنّاً منّا أنّه قد أصيب وأنه يقول لنا "صابوني" (أي أصابوني). هرولتُ ثم مشيتُ إليه فيما كان خارجاً من الكواليس قائلاً: "بَدْنا صابونة لجُوّا، بَدْنا نغسّل وجّنا"، فصفعتُ زياد وطارت النظّارة وأصيبَ بجرحٍ تحت عينه فعلاً". هناك أيضاً مشهدٌ آخر لي معه حيث كنتُ أقول: "يللا شباب عربْشوا عَ التخت، بوكرا عنّا رحلة (آخدينكُن رحلة)"... فصعد زياد باتّجاه النافذة وبدأ التدافع في ما بيننا فوقعنا أنا وزياد عن السرير وانكسر إصبعان في يدي! أكملنا عرض المسرحية، كان هناك برّاد ثلجٍ في الداخل، كنت أغمس أصبعيَّ فيه بين الفينة والأخرى لتخفيف حدّة الوجع، لأعود بعد ذلك إلى الخشبة. في تلك الفترة في بلدٍ تضاءلت فيه الحياة وندر المال في غور الأزمات المستفحلة، كنّا نقصد كل أول شهر "Chez André" لنأكل "سندويشات" الهوت دوغ والسجق والنقانق وكان الأمر جيداً. ثمّ في منتصف الشهر كنا نبدأ بتناول الزعتر والزيت، والملح والزيت، والماء والملح، والكشك؛ كنا "ندهن" ذلك "دَهناً" على الخبز ونأكل!".





...ومنى واصف




مواصلاً حديثه قال: "زياد الرحباني "مخّ" في المسرح والموسيقى تأليفاً وتأديةً، وفي عوالم الكلمة ذات الوقْع الكبير والتأثير الجليّ. إنه رجلٌ عبقريّ طليعي لا يتكرّر، وهو من المسرحيين النادرين في العالم، لا يضاهيه كوميديّون كبار على مستوى العالم بأسره. زياد حالةٌ خاصة وفنانٌ عظيم أُحبّه جدّاً. إذا طلب منّي المشاركة في عملٍ جديدٍ مقبل له فسأطلب دوراً صغيراً لأقعد إلى جانبه ولأجاورَهُ فقط. لغته فريدة. يا ترى ماذا سيقول زياد بعد أكثر ممّا قال؟ لقد قال الكثير في أعماله وسَبَقَ زمانه وعصره. حتى لو قال بعد أكثر، فهل يفهم ويستوعب الجمهور كلّ ما يقوله أو ما سيقوله؟ زياد إبن السيدة فيروز وعاصي الرحباني نابغةٌ تاجُهُ أعماله ومحبّة الناس الشاهقة".

أما عن عادل إمام، فقال: "حين جاء إلى لبنان لتقديم مسرحية "الزعيم" في الـ Forum De Beyrouth كانت لي معه تجربة صغيرة. أدّيتُ دور سفير اليونان تمثيلاً. كان مع عادل ممثّلٌ وهو سكرتيره الخاص في المسرحية حيث يقول بصوتٍ جهوريّ معلناً: "سفير اليونان!"... فيأتي عادل إمام ليسلّم عليّ ويستقبلني مستعرضاً الوزراء. قال لي إمام: "Hello"، فأجبتُه بهذه المتواليات: "Kalimera، Kalispera، Kalinikta، Parakalo"، فردّ مستغرباً: "What?"، فكرّرتُ العبارات هذه على مسمعٍ منه فأخذ يسأل ويتساءل: "بتقول إيه؟"، فكرّرتُ مراراً الكلمات عينها بالتتابع ذاته، فقال لي: "إنتَ راجِل قليل الأدب. اختشي يا شيخ". المشهد كانت مدّته دقيقة ونصف الدقيقة فأصبحت مدّته 8 دقائق! هذا هو عادل إمام الذي يشكّل الظاهرة الفنية الاستثنائية الرهيبة في تاريخ العالم العربي وهو الكوميدي الأوّل.





...ومع فادي إبراهيم



مع محمود ياسين وفاروق الفيشاوي كان فؤاد حسن يلعب بعد انتهاء التصوير يومياً لعبة الـFlipper التي يبحث فيها "العسكري" عن "السارق". "ذات يوم جاء يونانيٌّ وقال لي إنّ الرئيس أنور السادات قد مات وأكّد ذلك"، قال فؤاد. وتابع حديثه: "كان الميكروفون موصولاً بالـ"سبيكر" (Speaker) في الاستديو حيث كان يعمل محمود وفاروق، فأذعتُ: "بلاغ رقم 1، لقد قُتل الرئيس أنور السادات"، فخرج محمود وأعضاء الفريق كلّه من الاستديو في إثر النبأ المفجع قائلين من شدّة التأثّر وهَوْل الصدمة: "بتقول إيه يا فوكس؟ ده كلام كدب، إنتو كدّابين"، ثمّ أخذ الكلّ يبكي ويصرخ بعدما تأكّد الجميع من صحّة الخبر لأنّ محمود كان صديق أنور السادات رحمه الله. تجدر الإشارة إلى أنّ فؤاد حسن اشتغل مع محمود ياسين في مسلسل في اليونان بعنوان "ميراث الغضب" إلى جانب فاروق الفيشاوي وليلى علوي، كما يؤكّد. كذلك عملَ فؤاد مع سيّد زيان، ومع "أبو عنتر" (ناجي جبر، السوري)، ومع عبد المجيد مجذوب في أعمالٍ عدّة، ومع "شوشو" (حسن علاء الدين)، وأنطوان ريمي وهند أبي اللمع وأنطوان كرباج في مسلسل "ديالا" لمؤازرة الفريق اللبناني، وسينمائياً مع المخرج الألماني الشهير فولكر شلوندورف Volker Schlöndorff، وسواهم كثر. كذلك مثّل في مسلسل "الهيبة-الردّ" (2021) الشهير على شاشة MBC (إخراج سامر البرقاوي، بطولة تيم حسن).




مع زياد الرحباني



كأنّ فؤاد حسن كثير الأرجل والأيادي موزّعاً نفسه في تجارب فنية وافرة ومتقطّرة في آن خلال 47 سنة من الجهد والعطاء. حين يلقي المتلقّي نظرةً بانورامية على إسهاماته يكتشف رجلاً خَفِراً ومتواضعاً إلى حدٍّ صيّرهُ شبه خفيٍّ وخاملَ الذِّكر سنواتٍ طويلة في الإعلام. بمرارةٍ يبوح لنا فيما تعتري حنجرته غصّة: "ما في وفا وما في تغطية إعلامية! لكن الحمدلله بعد في ناس إلهم كلمة مؤثّرة وبيضوّوا عَ الناس". لسنا بحاجةٍ لإحضار فؤاد من زمنٍ مُنطوٍ فالممثّل الطيّب لا يزال حاضراً في المشهد الفنّيّ. تشفّ عيناه في يومنا هذا عن أسى فطريّ كالسهم يبرق، وكإشارةٍ تهبط في غيهب واقعية الحياة ومشهديّاتها وتشظّيها ومتضاداتها. رغم ذلك، لا يزال مؤمناً بالفنّ الحقيقي وقدراته ورسالته، مندفعاً بكلّ جوارحه، متفيّئاً بظلّ شجرٍ مجازي لفيف يُدعى الأمل.


MISS 3