وليد شقير

عن الاستثمار الداخلي في الترسيم والمسيّرات

8 تموز 2022

02 : 00

أدخلت عملية إطلاق المسيّرات الثلاث غير المسلحة من قبل «حزب الله» المشهد السياسي الداخلي بدوامة جديدة، بموازاة أولوية أهدافها الخارجية، وتحديداً بتوقيتها على الساعة الإيرانية، حيث ستتقدم مصلحة طهران على أي مصلحة أخرى لبنانية في توظيف اقتحام الحزب المياه الإسرائيلية من الجو.

رسالة التهويل بتسخين الجبهة بين الحزب وبين إسرائيل ليست لبنانية بالتأكيد مهما كانت حجج الحزب ومطالعاته مدروسة لتبرير إطلاق المسيرات، بعد أن كان قال أنه يقف خلف الدولة في مفاوضات الحدود، والأخيرة تعلن أن هناك تقدماً وفق الجواب الشفهي الذي حصل عليه آموس هوكشتاين، من الجانب الإسرائيلي، على العرض اللبناني برسم خط الحدود (23 +) الذي يضمن الحصول على حقل قانا كاملاً.

كل هذه المطالعات لتبرير إطلاق المسيرات متناقضة ومعاكسة للنهج الذي اتبعه الرؤساء الثلاثة مع هوكشتاين، الذي أقر حين حصل على العرض اللبناني أنه جاء نتيجة موقف موحد بين الرؤساء للمرة الأولى. وهي مناقضة لتأكيد الحزب دعمه للمفاوضات وإعلانه ثقته بموقف حليفه الرئيس ميشال عون وصلابته كمفاوض حول الحقوق البحرية، مهما تحدث الإعلام الموالي للحزب عن عدم رضى رئيس الجمهورية على بيان التبرؤ من إطلاق المسيرات، الذي صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، لأن البيان صدر بعلمه. ولذلك تجنب الحزب أو أي من قياديّيه التصريح عن انزعاج عون من البيان، وعن أنه ترك لميقاتي أن يخضع للضغوط الأميركية، وأوكل مهمة الدعاية في هذا الشأن لوسائل إعلام تدور في فلكه، لعلمه بأنه أمر يجانب الحقيقة. حتى أن الحزب لم يستطع انتزاع موقف واضح من الحليف الذي وضع كل بيضه في سلة إيران والممانعة، جبران باسيل الذي اكتفى بالحديث عن الإفادة من «عناصر القوة» من دون أن يذكر المسيّرات أو يدعمها.

في انتظار معرفة كيف لإيران أن توظف المسيّرات في إطار صراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل على امتداد الإقليم، وهذا هو الهدف الأساس، فإن ذلك لا يلغي التداعيات على المسرح الداخلي. مع أن الحزب لا يهتم للاعتراض الداخلي على العملية لهذا السبب، فإن من التداعيات الداخلية أن الضجيج حول قفزه فوق الخط 23 الذي أجمع الرؤساء الثلاثة على اعتماده، للذهاب إلى المنطقة الواقعة ضمن الخط 29 حجب التركيز على مطلب السرعة في تأليف الحكومة وكل الادعاءات بالحاجة إلى تجاوز المطالب الفئوية في تشكيلها.

المفاوضات في شأن الحدود البحرية وتحضير لبنان لاستلحاق التقدم الذي أحرزته إسرائيل ومصر ودول أخرى على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، في إنتاج النفط والغاز، كان على الدوام موضوع تنافس ومزايدة داخلياً، حيث سعى كل فريق إلى أن ينسب لنفسه أنه حقق مكسباً للبنان بإنهاء مشكلة الحدود مع الدولة العبرية، في شكل يمكنه من استغلال الثروة الدفينة بالبحر لإخراجه من أزمته المستعصية.

في إطار الموجة الجديدة من تحرك هوكشتاين، وبإلحاح لبناني على عودته إلى التوسط بين بيروت وتل أبيب، يسعى الفريق الرئاسي إلى استعجال إنهاء المفوضات قبل نهاية عهد عون كي يترك القصر الرئاسي وقد حقق شيئاً وكي لا يقال أنه ترك لبنان قابعاً في جهنم، بل وضعه على سكة النهوض عبر استغلال ثروته النفطية والغازية. وهو يأمل من ذلك أن يورث فريقه السياسي هذا الإنجاز، مع سعي جبران باسيل إلى الإفادة من الشركات التي أنشئت منذ سنوات لتلعب دوراً في كل ما يرافق هذه العملية الضخمة من منافع. ورئيس البرلمان نبيه بري يرغب في إنجاح المفاوضات على ترسيم الحدود لأنه أول من تابع هذا الملف وهو من وضع «اتفاق الإطار» بعد عشر سنوات من الأخذ والرد حول الخط 23 مع الوسطاء الأميركيين، ورفض خط «هوف» ولم يقبل بالخط 29، وهو في طليعة من يمكنهم حصد النتائج الإيجابية لنجاح الترسيم فضلاً عن الاستثمار في الجنوب بالعمليات التي ستسمح بالإنتاج. والرئيس ميقاتي يسعى إلى تحقيق إنجاز لحكومته التي لم تستطع التخفيف من أضرار الأزمة الاقتصادية المالية، ولو كانت بصفة تصريف الأعمال، طالما يتعذر قيام حكومة جديدة في الأشهر القليلة المتبقية من العهد، لعله يستطيع أن ينسب لها هذا الإنجاز. والفريق الرئاسي ذهب إلى حد اتهامه بأنه نزع حقيبة الطاقة من فريقه كي يكون الاتفاق على الغاز والنفط في رصيده...

«حزب الله» استفاق على ما سماه أمينه العام السيد حسن نصرالله «الكنز الدفين»، وبات منذ أشهر شريكاً في المفاوضات ودخل المنافسة على استثمار التفاوض سياسياً، في الداخل، فتجاوز تسليمه الملف للرئيس عون والحكومة لدوافع داخلية إضافة إلى التوظيف الإيراني. في اعتقاد المتابعين لمواقفه أنه مثلما تمكن الحزب من استثمار مساهمته الرئيسة في تحرير الجنوب في العام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي، ثم بصموده في وجه عدوان تموز 2006 من أجل تضخيم دوره السياسي الداخلي، فإنه يسعى إلى استثمار المسيرات والضغط على إسرائيل بحجة أنه حمى التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق الترسيم وكان أساسياً في تحقيق الإنجاز. ولهذا انعكاسات في ظل الصراع على السلطة في البلد...


MISS 3