خالد العزي

مبدأ بوتين في "إصلاح التاريخ" فشل في كاراكالباكستان

9 تموز 2022

02 : 01

بوتين يسعى إلى إعادة إحياء الأمبراطوريّة الروسيّة (أ ف ب)

إستقرّت الأوضاع بعد احتجاج نوكوس، عاصمة جمهورية كاراكالباكستان ذات الحكم الذاتي في أوزبكستان. وأعلنت الصحافة الأوزبكية أن الرئيس شوكت ميرزيوييف قد زار نوكوس مرّتَيْن من أجل سماع أصوات المحتجين، حيث عقد اجتماعاً بمشاركة جميع رؤساء المناطق في كاراكالباكستان لاتخاذ التدابير اللازمة لضمان سلامة المواطنين وتعزيز القانون والنظام.

لقد وصلت دعوات الاعتصام إلى الناس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة. رفعت أعلام الجمهورية واندلعت اشتباكات مع سلطات الأمن التي باشرت باعتقال المحتجين، ما أدّى إلى تطوّر الاشتباكات والمواجهات المباشرة، بحيث سقط خلالها عدد كبير من القتلى من الطرفَيْن، لم تُحدّد أعدادها. بعدها أُعلنت "حال الطوارئ" بمرسوم رئاسي في الجمهورية الآسيوية المشتعلة.

لقد بدأت الاحتجاجات في كاراكالباكستان في الأوّل من تموز، بعدما قدّمت السلطات الأوزبكية مشروعاً لتعديل دستور البلاد والذي بموجبه حرم ذوو الحكم الذاتي من السيادة والحق في الإنفصال عن البلاد. لقد أشعلت التعديلات الدستورية المقترحة النار في الهشيم، بحيث اعتبرت الكتلة الشعبية بأن هذا التعديل هو الخطر المحدق على استقلالية الحكم الذاتي لكاراكالباكستان.

تشكّلت جمهورية كاراكالباكستان في العام 1936، كمقاطعة سوفياتية تتمتّع بالحكم الذاتي، ولاحقاً أصبحت جزءاً من جمهورية "أوزبكستان الاشتراكية السوفياتية". وتُعتبر جمهوريـــة كاراكالباكستان من أكبر المناطق في أوزبكستان وتُشكّل 40 في المئة من أراضي البلاد، ويعيش فيها أكثر من مليوني شخص يتكلمون اللغتَيْن الرسميّتَيْن الأوزبكية والكاراكالباكية (القريبة من الكازاخية).

إعتمد المجلس الأعلى للجمهورية في العام 1990 إعلان الدولة الأوزبكية للإستقلال، حيث جرى لاحقاً التوافق في شأن دخول جمهورية كاراكالباكستان إلى دولة أوزبكستان، وفقاً لتكريس مبدأ حق الإنفصال للجمهورية ذات الحكم الذاتي، بالإستفتاء. أمّا التعديل الجديد للدستور، فينصّ على زيادة فترة الرئاسة من 5 أعوام إلى 7 سنوات، والبدء بمدّة رئاسة الجمهورية لولاية ميرزيوييف من جديد، فيما تُعتبر السنوات الماضية من العام 2016 مرحلة انتقالية.

كذلك، ينصّ على أن كاراكالباكستان جزء من الدولة وعلى أراضيها تُكفل كلّ الحرّيات والحقوق المنصوص عنها في الدستور، انّما لا يحق لشعبها الإنفصال على أساس الإستفتاء. كما تُمارس السلطات على أراضيها وفقاً لدستور أوزبكستان وقوانينها. لكنّ مسؤولي كاراكالباكستان أعربوا عن عدم موافقتهم عن النسخة الجديدة للدستور، ومعارضته في الداخل والخارج، لأنّه يُسقط حق السيادة عن الجمهورية.

تُعاني أوزبكستان من أزمات اقتصادية واجتماعية شديدة وتظهر فيها بشكل واضح أزمة البطالة التي أدّت في العام الماضي إلى احتجاجات في نوكوس اعتراضاً على الأوضاع المعيشية وعلى السلطة التي تُريد استخدام الأحرف الأبجدية اللاتينية، بما في ذلك ترجمة اللغة الكاراكالباكية إليها.

الأزمة الحالية لا تُشكّل تهديداً للدولة الأوزبكية لأنّ لدى طشقند ما يكفي من القوة والمال لوقف الاحتجاجات، لكن هذه الأزمة ستُهدّد المنطقة في ظلّ التداخلات السياسية، والتي يجب على قيادة الدولة التنبّه إليها قبل الدخول في صراع مفتوح تستغلّه قوى خارجية، لأنّ حلّ المشكلات بالقوة غير مضمون، وقد يفتح الأبواب على مصراعيها أمام الإرهاب الآتي من أفغانستان.

وأوزبكستان دولة ذات ثروات طبيعية ومنها الغاز. لكنّ المشكلة هي أن السلطة غير قادرة على توزيع الثروة الاقتصادية في الدولة والعمل على إعادة بناء مشاريع التنمية الخاصة، ودعم الإنتاج المحلّي وتشجيع المشاريع الفردية التي تؤمّن دخلاً للمواطنين تحدّ من الأوضاع الاقتصادية المنهارة.

لقد استغلّ ميرزيوييف عملية الاصلاح الدستوري بإعادة تصفير ولاية حكمه، وتجديدها بطريقة قانونية بعد الاستفتاء، مستنسخاً تجربة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أوزبكستان لا ترتبط بعلاقة جيّدة مع روسيا، فالاستعانة بالأمن الروسي كان صعباً لقمع التظاهر والسيطرة على مقاليد الحكم كما حدث في كازاخستان وبيلاروسيا، فكانت التظاهرات في كاراكالباكستان نقطة ضغط، قبل أن تمتدّ إلى مدن أخرى قد تؤدّي بالإطاحة بالرئيس وفريقه الحالي.

لقد فتح إعلان بوتين "إصلاح" التاريخ الذي أسّسه أسلافه في أوكرانيا بقضمها تدريجاً وضمّها إلى روسيا، شهية كثير من الدول لـ"تصحيح التاريخ"، بما فيها أزوبكستان التي حاولت الإلتفاف بواسطة التعديل لإنهاء وضعية كاراكالباكستان القديمة، ما ساهم بانتشار شرارة الاحتجاج، والتي دفعت بميرزيوييف للتراجع سريعاً لنزع فتيل الأزمة.