وليد شقير

لا وقت لاستنساخ التجارب السابقة

13 تموز 2022

02 : 00

لا يبدو الرئيس المكلف تأليف الحكومة مستعداً للتنازل عن قناعته بوجوب إبعاد «التيار الوطني الحر» عن وزارة الطاقة في التشكيلة الحكومية التي قدمها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتي استبدل فيها وليد فياض بوليد سنو.

سواء اجتمع هذا الأسبوع بالرئيس عون أم لم يجتمع، يبدو أنه عقد العزم على أن يكون من يتولى هذه الحقيبة بعيداً عن «التيار» نظراً إلى التجارب السابقة لوزرائه غير الناجحة منذ العام 2005، في وقت يمرّ هذا القطاع في أسوأ حالاته. يهدف رئيس حكومة تصريف الأعمال من وراء هذا الموقف، إلى إعطاء فسحة أمل للبنانيين بأن الحقيبة آلت إلى غير وزراء «التيار الحر» لربما ينجح في تحسين أوضاع التغذية بالتيار الكهربائي. ويبرر ميقاتي وفق مصادره عدم إجرائه تغييرات في الوزراء الآخرين واقتصار اقتراحه على استبدال أربعة منهم بأنه عايش عمل سائر الوزراء العشرين الآخرين واختبر طريقة عملهم بتفانٍ وصدقية. بل إن الرئيس المكلف يعتبر أنه إذا كان البيان الوزاري للحكومة سيعد اللبنانيين بتحسين التغذية بالكهرباء فالإشارة يجب أن تكون عبر تغيير الوزير.

يذهب ميقاتي إلى حد عدم ممانعته أن يبقى فياض وزيراً لكن في حقيبة أخرى غير الطاقة، التي هي الحجة الظاهرة لرفض التشكيلة من قبل الرئيس عون، فيما بات معروفاً لدى الوسط السياسي برمته أن المطلوب أكثر من ذلك في أجندة الفريق الرئاسي، بدءاً بتعهد إقالة حاكم مصرف لبنان، وهو أمر يطالب به تياره علناً وسبق لميقاتي أن أجاب عنه في لقائه تكتل «لبنان القوي» أثناء الاستشارات مؤكداً أن هذا الأمر يتعلق بوزير المال الذي تقضي صلاحياته بأن يقترح أم لا، مروراً بتغيير قائد الجيش، وأخيراً وليس آخراً التعيينات في السلك القضائي والتشكيلات في السلك الدبلوماسي...

يحتاج الأمر إلى أعجوبة من أجل تقريب وجهات النظر بين ميقاتي وبين الرئيس عون وصهره النائب جبران باسيل لكثرة المطالب والشروط التي يُطرح بعضها في وسائل الإعلام للضغط أو لتبرير الحملات على رئيس الحكومة لا سيما في شأن المداورة الكاملة، من دون أن تُطرح في لقاءات الرئيسين. من الأمثلة أن أوساط ميقاتي تنفي نقلاً عنه أن يكون الرئيس عون اقترح عليه أن تعطى حقيبة الداخلية لـ»التيار الحر» مقابل نزع الطاقة منه. وفي المقابل يؤكد رئيس حكومة تصريف الأعمال أمام زوّاره أنه مرتاح إلى التشكيلة التي تقدم بها موحياً بأن لا نية لديه بإدخال تعديلات جوهرية عليها سوى الإبقاء على فياض في حقيبة أخرى غير الطاقة.

كل ما تحتويه الحملات الإعلامية المتبادلة بين الفريق الرئاسي إن في التسريبات أو في بيانات «التيار الوطني الحر»، وبين ميقاتي وأوساطه وبيانات مكتبه الإعلامي، لا يدل سوى على شيء واحد هو أن إنجاز حكومة جديدة شبه مستحيل. فالفرقاء كافة باتوا يتصرفون على هذا الأساس ولو أصرّوا في مواقفهم المعلنة على وجوب تسريع تأليفها، ولا يخفون بأن البلد دخل مرحلة الانتخابات الرئاسية والبحث عن اسم رئيس الجمهورية المقبل ومن هي الشخصية التي ستحارب بها الكتل النيابية الاسم الذي يمكن أن تطرحه كتل نيابية أخرى، وتسعى لتأمين رفع حظوظه لتبوّؤ المسؤولية. بات سيناريو ترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد انتخابات الرئاسة ممجوجاً لشدة تكرار الخطاب نفسه والردود عليه، فيما الأوضاع المعيشية تزداد سوءاً في وقت يسدي من يتساهلون مع التعطيل المواعظ بضرورة تسريع إنجاز الحكومة، ومنهم «حزب الله». فهذا السيناريو سبق أن اعتُمد مع زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري من أجل دفعه إلى الاعتذار كما حصل العام الماضي. مثلما اتهم رئيس الجمهورية الحريري بالكذب، يتهم «التيار الحر» ميقاتي بـ»الوقاحة المعتمدة في سرد المغالطات». تكاد التعابير ذاتها تتكرر: «رئيس الجمهورية شريك كامل في التأليف» فترد أوساط الرئيس المكلف بأنه لا يقبل فرض فريق شروطه عليه لأن الدستور ينيط به تشكيل الحكومة، ويقبل بتغيير اسمين أو ثلاثة.

«التيار الوطني» لا يريد المشاركة في الحكومة، لكنه يترك لرئيس الجمهورية أن يتصرف بطرح المطالب التعجيزية، ويمرر الطابة إلى صهره ليسعى المكلف إلى معالجتها معه، فيما ميقاتي يعتبر أن لا حق لمن يمتنع عن المشاركة وينوي حجب الثقة، في طرح شروطه.

الفوارق بين مرحلة تكليف الحريري والآن أنه حين شكل ميقاتي حكومته المستقيلة، رضخ لمطلب الاستئناس بمطالب باسيل حتى يحظى بتوقيع عون، نتيجة الإلحاح الفرنسي عليه أن يشكل أي حكومة. وإذا صح أن الجانب الفرنسي ليس متحمساً للتدخل هذه المرة، بل هو أيضاً قد يكون طاقمه المكلف متابعاً لما يجري في شأن الاستحقاق الرئاسي أكثر من الشأن الحكومي. الفارق الثاني أن عون لم يعد مهتماً بدعوة «المجلس الأعلى للدفاع» لبحث اللعب بالدولار واتخاذ قرارات ليست من شأن هذه المؤسسة، مستعيناً بحسان دياب، لأن المكلف هو نفسه رئيس تصريف الأعمال هذه المرة. والفارق الثالث أن ميقاتي ليس مستعداً للاعتذار بناء لنصيحة دولية أيضاً، لا سيما أن العهد على نهاية، وتسلح باسيل بختم الرئاسة انقضت الحاجة إليه، فيما الحريري فعلها يائساً من العهد ورجالاته، وقدرته على التأزيم لسنتين كان سيمضيهما في المناكفة معه. أما ميقاتي فيدرك أن الجميع يتصرف على أساس أن لا فائدة من توقع جديد خلال الأشهر الثلاثة الباقية.


MISS 3