وليد شقير

"الأسابيع القليلة" وقمّتا جدّة وطهران

18 تموز 2022

02 : 00

بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن ونتائجها سواء على الصعيد الإقليمي أو في ما يخص الفقرة الحازمة بالنسبة إلى لبنان، تكرّر الحديث عن مهلة «الأسابيع القليلة»، قبل أن يتضح ما أنتجته القمة الأميركية العربية، وكي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بالنسبة إلى الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة ، وما ستؤول إليه جهود الوسيط الأميركي في شأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، آيموس هوكشتاين. نتائج اجتماع بايدن مع قادة 9 دول عربية رئيسة ستتبلور في الأسابيع المقبلة، وكذلك ردود الفعل، لا سيما من القمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية.

مع وصول بايدن إلى المنطقة صرحت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، منتقدة «نهج إيران بتأجيل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي»، وحذرت من أنه «لم يتبقَّ سوى أسابيع قليلة على إغلاق نافذة فرصة إحياء الاتفاق»، متهمة طهران باستخدام تكتيكات التأخير». وقالت: «نافذة الفرصة ستغلق في الأسابيع المقبلة. لن تكون هناك صفقة أفضل مما هو مطروح الآن».

والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله تحدث عن مهلة «الأسابيع القليلة» المقبلة قبل أن «نخبز بالأفراح» لأن قطار استغلال الثروة في المياه سيمر، إذا لم يتم تثبيت حقوق لبنان قبل أن تبدأ إسرائيل الاستخراج من حقل «كاريش». كلامه جاء في سياق التهديد بإطلاق المسيّرات إلى ما بعد بعد «كاريش»، ملوحاً بالمواجهة العسكرية مع إسرائيل، فيما خلفية كلامه هي مواجهة الضغوط على إيران في شأن النووي.

المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قال: «نحن أمام فرصة كبيرة جداً لإستعادة لبنان غناه، من خلال ترسيم الحدود البحرية، وأعتقد (أننا) على «مسافة أسابيع»، وليس أكثر من تحقيق هذا الهدف»، واصفاً «ما سنصل إليه» بأنه «تسوية وأقل من حق».

أما هوكشتاين فوعد بأنه سيعاود التحرك بعد انتهاء قمة جدة، على رغم أن ردود فعل بعض الإعلام الإسرائيلي على ما نقله من الجانب اللبناني لم تكن مشجعة، بالقدر الذي عكسه حديثه عن تقدم.

الدلالة الأولى، الحاسمة، للتقاطع بين من أشاروا إلى مهلة «الأسابيع القليلة» هي الربط بين ملفي النووي الإيراني وترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، سواء سلباً أو إيجاباً. وتهديدات نصر الله تتعلق بتساوي حظوظ التوصل إلى تفاهم في شأن النووي أكثر مما تتعلق بالترسيم. والدلالة الثانية هي الربط بين فرصة الاتفاق وبين مشكلة الطاقة للدول الغربية، التي هي الهدف الرئيس لزيارة بايدن. فالولايات المتحدة حصلت من قمة جدة على رفع السعودية إنتاج النفط من زهاء 11 مليون برميل يومياً، إلى 13 مليوناً، تضاف إلى ما تحصل عليه دول اوروبا من الإمارات العربية المتحدة وقطر، لتعويض جزء من النفط والغاز من روسيا، بعد النقص في الإمدادات من روسيا، جراء تصاعد الصراع الغربي الروسي بفعل حرب أوكرانيا.

مهلة «الأسابيع القليلة» بدت مقدمة لمواجهة عسكرية أخذت ترجح بسبب فشل مفاوضات الدوحة على النووي في 30 حزيران الماضي، الذي لا بد من أن ينسحب تعقيداً للتفاوض على الترسيم بين لبنان وإسرائيل. لكن هناك قراءة أخرى مخالفة لأجواء التسخين التي غلبت في الأسبوعين الماضيين، تشير إلى إمكان إحياء مفاوضات الدوحة، وأن طهران تخلت عن شرطها رفع العقوبات عن الحرس الثوري الذي حسم بايدن رفضه له، لأنه سيزيد مشاكله الداخلية عشية الانتخابات النصفية التي يعاني حزبه من تقدم الجمهوريين عليه فيها. هذه القراءة تستند إلى إمكان التعويض لإيران برفع العقوبات جزئياً عن مؤسسة «خاتم الأنبياء» الإيرانية للإنشاءات، التابعة لـ»الحرس»، بعدما غضت واشنطن النظر عن رفع كمية النفط الإيراني المباع تهرباً من العقوبات، إلى الصين، بزهاء مليون برميل شهرياً. وترى أن قمة جدة العربية الأميركية قدمت ضمانات للدول العربية، بأن الاتفاق الآتي، سيحول دون حصول طهران على السلاح النووي، من جهة، وأن واشنطن لن تترك الشرق الأوسط لتملأ إيران (وروسيا والصين) الفراغ، من جهة أخرى. وفي إسرائيل مع تقديمه الضمانات لها، أبقى على خيار الدبلوماسية على حساب استخدام القوة الذي طالب به يائير لبيد، مع طهران. فإدارة بايدن لا تريد حرباً في المنطقة تصرف اهتمامها عن المواجهة مع روسيا في أوكرانيا...

إذا صحت توقعات هذه القراءة فإن الثغرة تكمن في الانقسام الدولي بعد حرب أوكرانيا، الذي ساهم في تأخير اتفاق فيينا حين اعترضت موسكو في آذار الماضي، على عدم استثنائها من العقوبات التي كان يجري البحث في رفعها عن طهران، في تعاملاتها معها. وإذا صدقت هذه القراءة فإن «حزب الله» يكون تموضع في موقع استلحاق الاتفاق المحتمل بين واشنطن وطهران للإيحاء بأنه حقق إنجازاً لمصلحة الحقوق النفطية والغازية باسم تهديد إسرائيل.

الاهتمام سيتركز على قمة طهران غداً، بين فلاديمير بوتين والرئيسين الإيراني ابراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان. هل تغلب موجبات الاصطفاف الدولي الذي يتعمق منذ حرب أوكرانيا، فتحول دون إنقاذ الاتفاق على النووي خلال الأسابيع المقبلة وينسحب الأمر على ترسيم الحدود، أم تفرض مصالح الدول تسوية لتقتصر المنازلة على أوكرانيا وأوروبا؟

في الحالتين يدور جزء من اللعبة على ساحة لبنان، وقادته خارجها.


MISS 3