ريتا ابراهيم فريد

د. منير الحايك يوثّق البطولة في سيرة "جامع أعقاب السجائر"

19 تموز 2022

02 : 01

دكتور منير الحايك

بطلٌ أم شاهد زور؟ صفتان تتأرجح بينهما شخصية مصطفى في رواية "جامع أعقاب السجائر" لمؤلّفها الدكتور منير الحايك، والصادرة حديثاً عن "دار الفارابي".

قصّة مصطفى يرويها ابنه في رسائل متبادلة عبر البريد الإلكتروني بينه وبين إبنة أخته مايا التي تعيش في أوروبا، والتي طلبت مساعدة خالها لكتابة سيرة جدّها (مصطفى) من أجل مشروع لمجلة الجامعة، تسلّط من خلاله الضوء على العمل البطولي الذي قام به.

بدأ الخال بسرد قصّة والده استناداً الى مجموعة رسائل كان قد احتفظ بها الأخير من أصدقاء وأقارب. وتدور معظم الأحداث خلال فترة الستينات وصولاً الى حقبة الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بعامي 1971 و1974 حيث سُجن مصطفى بعد أن أدلى بشهادة زور في المحكمة لقاء الحصول على مبلغ مالي.

يتخلّل الرواية سردٌ لقصص شخصيات ترتبط بالشخصية الأساسية بطريقة أو بأخرى. هي شخصيات عادية، لكن يتبيّن أنّها لعبت دوراً بطولياً في مرحلة من حياتها. من هُنا جاء اختيار عنوان الكتاب، للدلالة على أنّ كلّ إنسان يمكنه أن يكون بطلاً في مكان ما. حتى جامع أعقاب السجائر الذي كان خلال مراهقته يجري مع أصدقائه خلف رجال القرية ليجمعوا أعقاب سجائرهم ويدخّنوها على أحد السطوح، كان بدوره بطلاً في مكان ما.

زوربا الأرمني اللبناني

لا بدّ من الإشارة الى أنّ زوربا اليوناني كان حاضراً في الرواية أيضاً، وتجسّد في شخصية "آغوب" المستوحاة في بعض تفاصيلها من مسرحيات زياد الرحباني. آغوب هو سجين أرمني لبناني، يرسم وينحت ويشكّ الخرز. يشبه زوربا في شخصيته وأفكاره، كما تشير الرواية. قدّم الدعم والمساعدة لمصطفى خلال فترة سجنه، تناقشا طويلاً وأصبحا صديقين مقرّبين. هو طيّب ومحبّ للخير رغم أنّه محكوم بالسجن المؤبّد بعد إدانته بقتل والده.

ينتقل المؤلّف إذاً من طرح مفهوم البطولة ومقاييسه الى ثنائية الخير والشر الكامنة في النفس البشرية، والتناقضات الموجودة داخل كل إنسان. فيمكن لأيّ كان أن يترك تأثيراً إيجابياً في حياة الآخرين، حتى لو كان مجرماً. وكما ورد في الرواية، يمكن للمسلم السنّي المتعصّب، أن يحمي عائلة مسيحية من الموت في خضمّ صراعات الحرب الأهلية اللبنانية، فيقف أمامهم بصدره الأعزل ويصرخ بعبارة: "قوّصني قبلن".

بين حرب الأمس وحروب اليوم

هذا واعتمد الكاتب مقاربة لافتة خلال السرد، حيث استحضر الى الواجهة لقطات سريعة لأحداث معاصرة، تحديداً في ما يختصّ بانهيار سعر صرف الليرة، وتقنين ساعات الكهرباء، وأزمة البنزين وطوابير الانتظار أمام المحطات، ولم يغفل عن ذكر ارتفاع سعر سندويش الطاووق. هذه المقاربة بين الأمس واليوم شكّلت جسر عبور لشبه بين مرحلة الحرب الأهلية، والمرحلة الصعبة التي يعيشها لبنان اليوم، والتي يعتبرها البعض حرباً إقتصادية.

من جهة أخرى، تتطرّق الرواية الى مسألة التعامل بفوقية من بعض المغتربين اللبنانيين تجاه أبناء وطنهم. خصوصاً أولئك الذين يستعملون أسلوباً مستفزّاً في المقارنة بين الظروف المعيشية التي ينعمون بها في بلدان الاغتراب، وبين الظروف الصعبة التي يرزح اللبنانيون تحت ثقلها. هي نماذج لطالما صادفناها في السابق، إلا أنّها ازدادت في الفترة الأخيرة مع ارتفاع نسبة الهجرة من لبنان توازياً مع الإنهيار الاقتصادي. لكنّ اللافت أنّ مؤلّف الرواية هو لبناني مغترب. وفي هذا الإطار، يشير الدكتور منير الحايك في اتصال مع "نداء الوطن" الى أنّه كان من الضروري أن يتمّ طرح هذه الفكرة، ويقول: "نحن نسمع يومياً عبارات على مثال عنّا بأستراليا أو عنا بأوروبا نقوم بكذا وكذا، بس إنتوا كيف متحمّلين تعيشوا هيك بلبنان؟"، ويتابع: "كنتُ أسمع هذه التعليقات قبل أن أغادر لبنان، وكانت تُغضبني. وأعترف في المقابل أنّ الفكرة كانت تخطر في بالي أحياناً وكنتُ بدوري أوجّه انتقادات للبنانيين الذي يرضخون ويقبلون بالعيش في هذه الظروف الصعبة. لكني كنتُ فوراً ألوم نفسي على ذلك. فمن يأكل العصيّ ليس كالذي يعدّها".

لا بدّ من الإشارة الى أنّ "جامع أعقاب السجائر" هي الرواية الرابعة للدكتور منير الحايك، بعد روايات "مترو دبي"، و"88"، و"القبر رقم 779". هي بلا شكّ عمل ناجح، فالقصّة ممتعة، وشخصيّاتها تشبهنا وتشبه أهلنا وأجدادنا في جوانب عدة منها. وقد نجح المؤلّف في التعمّق بوصف تفاصيل الجوانب النفسية والفكرية والإجتماعية لشخصياته، ضمن أسلوبٍ سلسٍ وإيقاعٍ سريع لسير الأحداث، قبل الوصول الى المفاجأة في القسم الأخير من الرواية، التي تظهر بعد الكشف عن تفاصيل العمل البطولي الذي قام به مصطفى، "جامع أعقاب السجائر".





ملصق الكتاب



توقيع رواية "جامع أعقاب السجائر": اليوم 19 تموز 2022 - مكتبة برزخ – الحمرا

والخميس 21 تموز 2022 - فندق الشوشان - قب الياس


MISS 3