التهافت على الضرائب والقروض مستمرّ والإصلاح ينتظر

08 : 52

الموازنة الإصلاحية العتيدة لم تُبنَ على خطّة إقتصادية لإدارة البلد، إنما على تقديرات مضخّمة للإيرادات، وهشاشة في تقليص النفقات. حيث كان الهدف تخفيض العجز العام دفترياً الى 7.59 إستجابة لشروط "سيدر".
الصفعة الأولى التي تلقتها الحكومة كانت من لجنة المال النيابية، التي أبطلت أكثر من مصدر للإيرادات، كان يعوّل عليها (رسم 2 في المئة على كل المستوردات)، وتعليقها بنود الإيرادات الخلافية (إقتطاعات وحسومات على رواتب الموظفين)، تحت ضغط الشارع. وعليه إختل ما تمّ وزنه في ميزان "الجوهرجي"، وأعاد تسليط أعين المجتمع الدولي ووكالات تصنيفه على لبنان.
أما الصفعة الثانية الأكثر ألماً، كانت تشكيك المجتمع الدولي بقدرة الحكومة على الحدّ من العجز والإلتزام بشروط الإصلاح، وخفض الدين العام بالنسبة الى الناتج المحلي، الذي تجاوز 150 في المئة، فهزّ صندوق النقد الدولي بيد وفده الذي يزور لبنان، عصا التشكيك بالأرقام المعلنة، وطلب من الحكومة تخفيض العجز وكبح أجور الوظائف العامة، وخفض دعم الكهرباء تدريجياً. واشترط أن تصبح الإجراءات الموقتة المطروحة لخفض العجز، دائمة، وذلك لتحقيق فائض أوّلي مستقرّ لفترة طويلة، وليس لعدد قليل من السنوات كما تروّج الحكومة لامتصاص نقمة الشارع.
وكان أوصى الصندوق أيضاً بضرورة رفع الضريبة على القيمة المضافة من 11 الى 15 في المئة وزيادة رسم 5000 ليرة على استهلاك المشتقّات النفطية، وذلك لقدرتهما على تأمين تمويل سهل، مستقرّ وطويل الأمد، مقابل تأمين قرض بقيمة مليار دولار أميركي.
الحكومة لم تسمع من صندوق النقد الدولي إلا زيادة الضرائب السهلة المنال، ورمت أهمّية الإصلاح الشائك في اللاوعي. وفيما رأى البعض بزيادة الضرائب حبل نجاة من مشنقة العجز العام، إعتبر الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة، أن النتائج ستكون "كارثية" في حال تنفيذ توصيات الصندوق، لكنه استتبع قائلاً: "من المستحيل تمرير مثل هذه الإجراءات، خصوصاً في ظلّ ما تشهده البلاد من تطورات أمنية خطيرة، ونقمة شعبية قد تطيح بما تبقّى من هيبة الدولة".

الحريري ينكر

مستشار نقابة أصحاب المحطات فادي أبو شقرا، يقطع الشكّ باليقين، ويقول عن لسان الرئيس الحريري، أنه "أكّد أمس الأوّل، خلال إجتماع قطاع النقل، على عدم نيّة الحكومة فرض 5000 ليرة على مشتقّات النفط ورفع الـ TVA. وأن كل ما يقال هو محض دعاية سلبية للتشويش على الموازنة، وحرف النظر عن الخطوات الجدّية التي تتخذها لخفض العجز العام".

الضرائب ليست الحلّ

صحيح أن التخوّف من الشارع قد يكبح الجموح نحو زيادة الضرائب لتعزيز الإيرادات، إلا أن الوقائع الإقتصادية تثبت بالأرقام أن أي زيادة في الرسوم والضرائب في حالة الإنكماش تكون نتائجها عكسية. فرفع الضريبة على القيمة المضافة جُرّب العام الماضي بنسبة 1 في المئة وأتت نتائجه سلبية ومن دون أي جدوى تذكر. أما الضريبة على البنزين، فقد خُفضت من 14 الف ليرة في العام 2010 عن كل صفيحة الى 9200 ليرة، بعد تسبّبها بموجة من إرتفاع الأسعار طالت مختلف السلع والخدمات. وبرأي الخبير الإقتصادي د.كمال حمدان، فإن "هذا النوع من الضرائب بالغ الخطورة. فهو يقتطع جزءاً كبيراً من القوة الشرائية لعموم المواطنين ويؤثر بشكل مباشر على قدرتهم الإستهلاكية وكلفة تنقلاتهم، خصوصاً في ظلّ الغياب الفاضح للخدمات الأساسية". ويضيف حمدان، أن "الضرائب والرسوم غير المباشرة التي تطال كل اللبنانيين، تشكل ما نسبته 75 في المئة من إيرادات الدولة. والعبء الضريبي على الأرباح لا يزال، مقارنة مع بقية الدول، ضعيفاً. وأن لا مجال لتصحيح هذا التشوّه، إلا باعتماد الضريبة التصاعدية على الأرباح، وزيادة الضريبة على الشطور في الفوائد المصرفية".
إلا أن ما سبق لا يعني "عاللبناني" إنعدام فرضية الإطاحة بكل المعادلات الإقتصادية، وتفكير الحكومة جدّياً بـ "ضرب عصفوري" زيادة الايرادات عبر الضرائب، ونيل قرض بقيمة مليار دولار، "بحجر" صندوق النقد الدولي.
أيام قليلة تفصلنا عن بدء مناقشات الموازنة في الهيئة العامة، وتبيان خيط الإيرادات الأبيض من النفقات الأسود، في الوقت الذي تدلّ فيه كل المؤشرات على أن الحكومة بحاجة إلى أموال لتصيب الأهداف، فمن أين ستؤمّن؟ وهل ستستطيع الدولة الصمود أمام مغريات الدولار الآتي من وراء الحدود؟ يبقى السؤال رهن القادم من الأيام.


MISS 3