للمرّة الأولى علماء الكيمياء يُعيدون ترتيب الروابط الذرّية في جزيئة واحدة

02 : 00

لو كان علماء الكيمياء يصنّعون السيارات، كانوا ليملؤوا المصنع بقطع غيار ويحرقوها، ثم يبتكرون من رمادها قطعاً لا تشبه السيارات على أكمل وجه. قد تبدو هذه العملية منطقية عند التعامل مع قطع سيارات بحجم الذرة. لكن يتوق علماء الكيمياء إلى ابتكار طرقٍ لتخفيف المخلفات وزيادة دقة التفاعلات.

أحرز قطاع الهندسة الكيماوية تقدّماً جديداً، فقد ابتكر باحثون من جامعة "سانتياغو دي كومبوستيلا" في إسبانيا، وجامعة "ريغنسبورغ" في ألمانيا، ومختبر "آي بي إم" الأوروبي للأبحاث، جزيئة واحدة لإطلاق سلسلة من التحولات عبر دفعة صغيرة من الجهد الكهربائي.

في الحالات العادية، يزيد علماء الكيمياء دقة التفاعلات عبر تعديل معايير مثل الرقم الهيدروجيني، فيضيفون البروتونات المتاحة أو يزيلونها للتحكم بما تفعله الجزيئات لتقاسم الإلكترونات أو تبادلها تمهيداً لتشكيل روابطها. لكن يذكر الباحثون في تقريرهم الوارد في مجلة "ساينس": "تتغير ظروف التفاعلات بهذه الطريقة لدرجة أن تبقى الآليات الأساسية التي تتحكم بعملية الانتقاء صعبة المنال في معظم الحالات". بعبارة أخرى، قد تُصعّب تعقيدات قوى الدفع والسحب التي تنشط في أي جزيئة عضوية كبيرة عملية الحصول على قياس دقيق حول ما يحدث في كل رابطة.

بدأ العلماء باستعمال مادة اسمها "رباعي كلورو تتراسين – 5، 6، 11، 12" (بتركيبة C18H8Cl4): تشبه هذه الجزيئة المصنوعة من الكربون صفاً من أربع خلايا قرص عسل محاطة بأربع ذرات كلور تحوم مثل النحل الجائع.

ألصق الباحثون طبقة رقيقة من قطعة نحاس باردة ومغطاة بالملح، فأبعدوا بذلك ذرات الكلور ولم تبقَ إلا مجموعة صغيرة من ذرات الكربون القابلة للتنشيط والملتصقة بإلكترونات غير مقترنة ضمن مجموعة من الهياكل المتّصلة بها.

تجدّد التواصل بين اثنين من تلك الإلكترونات في جزءٍ من الهياكل، ما أدى إلى استرجاع شكل قرص العسل في الجزيئة. لم يكتفِ الزوج الثاني بالالتصاق في ما بينه، بل التصق أيضاً بأي إلكترون آخر في طريقه.

بشكل عام، تكون هذه البنية المتذبذبة قصيرة الأمد لأن الإلكترونات المتبقية تمتزج في ما بينها أيضاً. لكن اكتشف الباحثون أن هذا النظام بالذات ليس عادياً.

شغّل العلماء دفعة خفيفة من الجهد الكهربائي عبر مهماز ماشية بحجم ذرة، فأثبتوا أنهم يستطيعون دفع جزيئة واحدة إلى الاتصال بالزوج الثاني من الإلكترونات بطريقة تضمن سحب الخلايا الأربع من الاصطفاف. تغيّرت طريقة التصاق تلك الإلكترونات حين تراجع مستوى اهتزازها، فتشوّهت بنيتها بطريقة مختلفة بالكامل وتحوّلت إلى ما يُسمّى "حلقة سيكلوبوتادين".

في المرحلة اللاحقة، أُعيد تشكيل كل منتج كي يسترجع وضعه الأصلي عبر نبضٍ من الإلكترونات، ما يعني أنه يصبح جاهزاً للتغيّر مجدداً خلال لحظة.

من خلال إجبار جزيئة واحدة على التنقل بين أشكال أو نظائر مختلفة عبر استعمال تيارات كهربائية دقيقة، تمكن الباحثون من استكشاف سلوكيات إلكتروناتها ومستوى استقرار المركّبات العضوية وتركيباتها المفضلة.

بعد هذه المرحلة، يمكن حصر البحث عن المحفزات القادرة على إطلاق تفاعل واسع النطاق بين جزيئات لا تُحصى في اتجاه واحد، ما يعني زيادة دقة التفاعل.

استعملت الدراسات السابقة تقنيات مشابهة لرؤية عمليات إعادة تشكيل الجزيئات الفردية، حتى أنها تلاعبت بخطوات فردية من التفاعل الكيماوي. لكن يبتكر العلماء الآن تقنيات جديدة لتعديل روابط الجزيئات وتشكيل نظائر لا يسهل تبادلها في الحالات العادية.

هذا النوع من الأبحاث لا يسمح بزيادة دقة علم الكيمياء فحسب، بل إنه يمنح المهندسين أيضاً أدوات جديدة ودقيقة لتصنيع الآلات على مقياس النانو، فيتمكنون من تعديل أُطُر الكربون وتحويلها إلى أشكال غريبة لا يمكن التوصل إليها عبر الكيمياء العادية.

نُشرت نتائج البحث في مجلة "ساينس".


MISS 3