وليد شقير

فائض القوة بوجه الكنيسة

25 تموز 2022

02 : 00

يسهل على «حزب الله» أن يحسم بتصريح وصمة «الخيانة الوطنية بالعمالة والتعامل مع العدو»، لرجل دين من وزن النائب البطريركي العام للطائفة المارونية المطران موسى الحاج، على ما جاء في تصريحات لقيادييه، من دون أن يصدر هذا الاتهام حتى عن القضاء الخاضع لتأثيرات الحزب ونفوذه وتعليماته. هذا على رغم أن البطريرك الكاردينال بشارة الراعي قال إنه «عبثاً تحاول السلطة تحويل ما حصل إلى مجرد مسألة قانونية»، معتبراً أن ما حصل «تصرفات بوليسية ذات أبعاد سياسية».

إتهام «حزب الله»، الذي يغلف مناصروه والإعلام الموالي له الإجراءات حيال المطران الحاج بأنها خطوة قضائية وتطبيقاً للقانون، بسبب عدم جواز نقل الأموال من الأراضي المحتلة، قبل أن يحسم القضاء الأمر، ألبسه بلسان قيادييه، التهمة الموجهة إليه بأنه يقف وراء الملاحقة القضائية التي تعرض لها المطران، مستبقاً حتى أي توصيف من قضاء متهم بالخضوع لتعليمات منه. هذه الواقعة وحدها تعطي الصدقية لتبديد الراعي محاولات إغراق السجال حول هذا الإجراء في نقاش قانوني، باعتباره قضية سياسية لا غير، تلك الصدقية التي طالب النائب محمد رعد «شركاؤنا أن يمتلكوها في سيرتهم».

يكرس هذا التصرف منطق فائض القوة في التعامل مع المرجعية الكنسية باستخدام القضاء وتطويعه علناً لأهداف سياسية، وبالإيحاء من دون مواربة، بالتهمة، غير آبه بمبدأ الصدقية الذي يتسلح به.

هذا الاستسهال من الحزب في التعاطي مع قضية فائقة الحساسية من هذا النوع «سهّل» منذ البداية اتهامه بأنه يقف وراء دفع هذا الملف إلى واجهة الأحداث في هذا الخضم الذي أغرق نفسه فيه. فالكثير من ردود الفعل تجنب في البداية إلصاق تهمة تحريض القضاء العسكري على التصرف بهذا الشكل مع المطران الحاج إلى أن لبسها بلسان قيادييه. والمتابعون لعلاقة البطريركية بالحزب لا ينسون أن تهمة العمالة وجهت إلى الراعي نفسه في مرحلة من المراحل. والوسط السياسي يلغط منذ مدة بالمناخ الذي تعيشه أوساط الحزب جراء انزعاجها الكبير من العظات التي يكررها الراعي في تشديده، منذ أكثر من سنتين، على السيادة والحياد وحصر السلاح بيد الدولة وعدم الارتهان للخارج ورفض مصادرة قرار الحرب والسلم وهوية لبنان العربية... وأخيراً التشديد على مواصفات لرئيس الجمهورية المقبل «فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب»، وتعاكس مواصفات الرئيس التي يتمناها الحزب للموقع المسيحي الأول في السلطة، والتي اعتاد عليها على مدى ست سنوات، والتي مارس السلطة في ظلها طوال هذه المدة من دون أن ينازعه أحد عليها بفعل قدرته على تطويع الرئاسة لأهدافه الإقليمية ومعها مؤسسات رئيسة بدءاً بمواقع مهمة في المؤسسة القضائية. فصلة قيادة الحزب في عهد الرئيس ميشال عون، بالفريق الرئاسي، جعلته يعرف بكل شاردة وواردة ويؤثر في كل قرار جوهري، لا سيما في شأن علاقات لبنان الخارجية وحتى الداخلية، بحيث يطلع على أي محادثات أو التزامات لبنانية رسمية من دوائر القصر الرئاسي قبل كثيرين في الدولة، ويبدي رأيه فيها ويعدل ويغير في بعض التوجهات استناداً إلى هذه المعرفة بالتفاصيل...

يشهد البلد المزيد من استخدام فائض القوة لأسباب كثيرة. بات الحزب محشوراً بتنامي الاعتراض العلني، لا سيما في الوسط المسيحي، على سلاحه كما ظهر من نتائج الانتخابات. ومن الطبيعي أن يقلقه الاتجاه نحو تغيير في نهج الرئاسة بانتهاء العهد العوني، لكثرة الامتيازات التي كان يحصل عليها على رغم الخلافات التي كانت تبرز بين الحين والآخر بينه وبين «التيار الوطني الحر»، والتي كان شديد التسامح في شأنها مقابل المكاسب القوية الأخرى المتعلقة باشتراكه في إدارة الدفة في المسائل الكبرى.

الرسالة إلى الراعي وسائر القوى السياسية من ورائه هي أنه لن يقبل في هذه الظروف التي يتعرض خلالها للضغوط الأميركية، هو وإيران ومحور الممانعة، بترسيم حدود لدوره المؤثر في القرار الرئاسي. ولذلك قيل إن تدخله في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل هي من قبيل الانخراط في ترسيم حدود تأثير بعض الفرقاء في اختيار رئيس الجمهورية المقبل، بصفته استحقاقاً مفصلياً في تحديد مستقبل الأزمة السياسية الاقتصادية والمالية الخانقة التي غرق فيها البلد نتيجة استتباعه لصراعات المنطقة.

قد يكون الحزب مستفيداً من قضية المطران الحاج لحرف الأنظار عن ردود الفعل المعترضة على جرّه لبنان إلى مقتضيات الصراع الإيراني الأميركي في ظل الانقسام الدولي الحالي، عبر تهديده إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بالحرب بحجة الدفاع عن حقوق لبنان النفطية والغازية وترسيم الحدود، مصادراً بذلك صلاحيات السلطة بالتفاوض عبر الجانب الأميركي، لكنه لن يتمكن من خفض نسبة الاعتراض العالية على استخدامه أزمة لبنان ورقة في صراعات لا قدرة له على احتمال نتائجها، في زمن يشهد تحولات إقليمية كبيرة.

ما حصل مع المطران الحاج ربما كان أحد الفصول التي ستتوالى خلال الأسابيع المقبلة، في ممارسة فائض القوة حيال جهود خارجية ومحلية للحد من الهيمنة على قرار السلطة المركزية في البلد.


MISS 3