هالة نهرا

أسامة الرحباني: بين الولايات المتحدة وفرنسا ألبوم عالمي مقبل لهبة طوجي

1 آب 2022

02 : 01

أسامة وهبة في فضاء Notre Dame De Paris خلال التحضيرات للألبوم المقبل

عاد الفنان اللبناني أسامة الرحباني من الولايات المتحدة الأميركية إلى لبنان، حاملاً مشاريعه التي تناطح السحاب وينكب على إنجازها. إلى أفكاره المزدحمة والفائرة أحياناً يشرئبّ تاريخياً عصب الإبداع المغاير.




منذ أيام، في "Lincoln Center Theater" في نيويورك، تجلّت الفنانة هبة طوجي في مسرحية "Notre Dame De Paris" حيث استُقبل العرض الذي أبهر الجمهور بحفاوةٍ بالغة، وذُيّلَ بأصداء لافتة صفا رجْعُ الصهيل الذي خامَرَها وَرَدَّدها. رحلة أسامة إلى الولايات المتحدة كانت أيضاً لإتمام ألبوم هبة طوجي المقبل المرتقب. "مسرحية "Notre Dame De Paris" لا علاقة لها بالألبوم"، كما يؤكّد أسامة مواصلاً حديثه بنبرةٍ ممهورة بالحماسة والفخر: "الرحلة كانت عظيمة والنجاح كان رهيباً. أبدعت هبة في أحد أهمّ مسارح العالم. المسرحية مشروعٌ شرعْنا فيه بعد "The Voice" مباشرةً.



المعلّم الكبير منصور الرحباني



لوك بلاموندون (Luc Plamondon) رأى هبة – علماً بأنه كاتب المسرحية ويُعَدّ من أهم كتّاب المسرح الغنائي الفرنسي- وطلبها فقابلتْهُ مع ريشار كوتشيانتي (Richard Cocciante) ونيكولا تالار (المنتج)، واختاروها وقرّروا أن تكون البطلة بين كل الدول الفرانكوفونية، على اعتبارها بارعة في التمثيل، واستناداً إلى حضورها الكاريزميّ وحنجرتها. صوت هبة مختلفٌ تماماً عن الأصوات الفرنسية التي تزخر على الدوام بالنعومة. في البدء كانت الجولة في كل فرنسا، ثم كانت الدورة في الكرملين وسانت بطرسبورغ. بعد ذلك سافروا إلى سويسرا وبلجيكا وتركيا، وقد دَعَوْتُهُم إلى لبنان عام 2017. قدّموا العرض أيضاً في شنغهاي في الصين وتايوان ضمن جولة كبيرة جداً، والإنجاز في "ويست أند" (West End) في لندن وهو أعرق مسرح غنائي في العالم. طريقة تمثيل الغناء كانت فريدة وفاقت التصوّر في جمالها".



غسان صليبا في "ملوك الطوائف"




أسامة الذي بدأ مساره في ثمانينات القرن الماضي بالجاز وأطلق "بصباح الألف التالت" عام 2000 (كلمات منصور الرحباني، غناء كارول سماحة)، أخبرنا عن إصراره على تقديم حفلته التي أحيتها هبة بعنوان "ليلة أمل" في (22 أيار 2022، في الـ"فوروم دو بيروت") رغم الظروف العسيرة، مفسِحاً المجال أمام الجمهور للحضور دون دفع ثمن البطاقات في ظلّ الانهيار الإقتصادي المرعب في بلد العجائب: "في الحفلة الضخمة سُخّرت واجتمعت للمرّة الأولى جهود كل اللبنانيين ببهاءٍ جليّ من أجل إحياء أمسية مجّانية للناس وهذا الأمر غير إعتيادي.


كرمُ الأخلاق تبدّى في تقديم ذلك للجمهور الذي نحبّه. تعلّمنا من منصور الرحباني مراعاة الناس. ثمّة مَن اقترح عليّ أن يكون ثمن البطاقة رمزيّاً ليلامس 100 ألف ليرة لبنانية لكنني لم أقبل وأجبتُه: "ولا ليرة". 5200 شخص حضروا وتمتّعوا بوقتهم في الحفلة". الأمسية التي مثّلت أحد أشكال المقاومة الثقافية في غيهب راهِنِ لبنان، "مثّلت أكثر من جرعة أمل" على حدّ تعبير أسامة. "إبراهيم معلوف الذي شارك في الحفلة جسرٌ بيننا وبين العالم الغربيّ وهبة تشكّل جسراً أيضاً بين الغرب والشرق". وأردف قائلاً: "ألبومنا الأخير يشتمل على حضورٍ عالميّ لآخرين، أنا منتجه غير أنني استعنتُ أيضاً بأغانٍ لسواي، وثمة اعمال مع منتجين عدّة".




كارول سماحة في "زنوبيا"


تعكس أعمال أسامة في جانبٍ منها موقفاً من العالم والوجود ومن النظام في لبنان، إضافةً إلى رؤيته النقدية للمجتمع والواقع الشائك والمعوَجّ، ما تمظهرَ في فيديو كليب "قصّتنا بهالمجتمع"، و"بلدية بيروت"، وألبوم "النظام الجديد" (1997) حيث أعلن نقده الصريح للنظام العالمي الجديد (كلمات منصور الرحباني)، علماً بأنه يضمّ أغنية "غيفارا"، و"لازم غَيِّر النظام" (أي النظام الطائفي اللبناني، وهي من كلمات غدي الرحباني)، و"هيدا لبنان". هذه الأسطوانة كانت جديدة على الصعد كافة، لا سيما في الشقّ الموسيقي في "الأرْكَسَة" (Orchestration) على المستويين المحلّي والعربي والـSonorisation وهي طريقة "الإِصْوَات" (أي جعْل الشيء صائتاً)، ما عَكَسَ شخصية أسامة الموسيقية والفنية منذ البدايات.

الغناء في نظر أسامة لا يقتصر على "الليريكية" (Chant Lyrique) والطربيّ السائدَين في العالم العربي، بل يشمل "الليريكيّ" والدراميّ وكل ما باستطاعة الأوركسترا احتماله والتدثر به والتمحور حوله، إضافةً إلى ما يُعرَف بالـChanson à Texte، وسواها. نقطة التحوّل الهامّة تمظهرت على سبيل المثال في "بصباح الألف التالت" التي أدّتها كارول سماحة العام 2000.


في العام نفسه قدّم مسرحيّته الغنائية "وقام في اليوم الثالث" التي تُعَدّ حداثيةً وحديثةً، وقد طلب من منصور الرحباني كتابتها انطلاقاً من أفكاره ورؤيته (أي أفكار أسامة)، علماً بأنّ المسرحية أحدثت صدمةً لمجتمعنا كما يؤكّد أسامة. عام 2001 تعاون مع منصور في مسرحية "أبو الطيّب المتنبّي" في أغانٍ من وزن "كفى بك داءً" حيث تجلّت طريقة تفكيره الموسيقي الجديدة في الـ"ريسيتاتيف" (Recitativo) في الشعر العربي: "في الصدر والعجز نستعمل 3 mesures (مصطلح موسيقي علمي) في كل شطر، بينما أنا حوّلت الأمر في "كفى بك داءً" إلى 2mesures كأنها "ريسيتاتيف" حيث يمكن تسريع الأوركسترا وفقاً للأداء والغناء والإلقاء. إضافةً إلى "طوى الجزيرة" التي حوَتْ "سنكوبات" (Syncopes أي بتعريف كتاب "نظرية الموسيقى" لكلود أبرومون: كسر في التنظيم التقليديّ للأوقات القوية والضعيفة في الإيقاع، نوتة مؤدّاة على الضربة الضعيفة (الوقت الضعيف) أو على جزءٍ ضعيف من الضربة، وممدَّدة في الجزء التالي القويّ، ما يولّد زيحاناً ومفاجأة مع feeling jazz وتنافُر ((Dissonance خلْفها في الأوركسترا كتأليف".

مستعرضاً مسيرته بالتسلسل تابعَ: "العام 2003 قدّمنا "ملوك الطوائف"، وعام 2004 قدّمتُ "روميو وجولييت" بعنوان "آخر يوم" وتعاونتُ عالمياً مع الأميركية ديبي أَلِنDebbie Allen . كما قدّمنا "أغنية الطفولة" (شعر منصور الرحباني، عن أطفال الشرق والعرب). العام 2005 – بل من البدايات مع غسان صليبا منذ مسرحية "الوصيّة" تبدّى التغيُّر في الصوت و"تعاطيه" وبدأ يأخذ مداه في "وقام في اليوم الثالث" و"المتنبي" لأنّ الكتابة الموسيقية للصوت متطلّبة جداً ومتشنّجة لترجمة الأحاسيس الداخلية العميقة، ما يُعَدّ متعباً... العام 2005 قدّمتُ مسرحية "جبران والنبي" الجديدة في مفهومها. الناس لا يعرفون أنني أنطلق في مسرحيتي من مفهوم الـArt Total (الفنّ الكُلّيّ والشامل) أي أنني أفكّر بالموسيقى مع الصورة ومع كتابة الـSynopsis (خلاصة السيناريو، الملخّص المكثّف)، على هذا الأساس يُركَّب النص.




هبة طوجي في "ملوك الطوائف"



الصورة والموسيقى تولّدان المشهد، والمشهد يولّد الشعر. معنا ومع منصور صارت الأغنية مرتبطة بالحدث أكثر ضمن سياق المشهد. في "جبران والنبي" اشتهرت أغنية "وطني بيعرفني" (غناء غسان صليبا) و"المحبّة". مشاهد ضخمة لحّنتُها من كتاب "النبي" واستعنتُ بثيمة بيتهوفن. غسان صليبا كان رائعاً في الأداء. عام 2007 قدّمنا "زنوبيا" مع منصور. عام 2008 قدّمنا "عودة الفينيق" وكانت المسرحية الأخيرة التي كتبها المعلّم منصور، علماً بأنّ الرؤية والموسيقى والإنتاج والمفهوم كلّها لي، وفيها تعاونتُ مع هبة طوجي التي مثّل صوتها تتويجاً لما أريده لتنفيذ رؤيتي. واءمتْ هبة في التنفيذ بين السلاسة والسهولة بشخصيتها. اشتهرت وقتذاك أغنية "متل الريح". العام 2009 خلال عرض المسرحية منصور توفّاه الله. ثم قدّمنا "صيف 840" مجدّداً مع غسان وهبة. خلال تلك الفترة كنّا منكبّين على العمل في التحضير لألبوم هبة الجديد وأُطلق بعد ذلك (2011). العام 2011 قدّمتُ "دونكيشوت" وظهر ألبوم "لا بداية ولا نهاية" الذي يشتمل على شعر منصور، علماً بأنّ الأغنية غربية أميركية - فرنسية (Michel Legrand) وعُرفت في فيلمٍ أميركيّ.



الصرخة الشهيرة في الأغنية تحية لباربرا سترايسند. في "دونكيشوت" اشتهرت أغنية "عالبال يا وطنّا" عبر الفيديو كليب (من إخراج هبة). في المقابل، تجدر الإشارة إلى أنّ أغنية "مين اللي بيختار" مثّلت فتحاً للنساء حتى في المملكة العربية السعودية، كأنها نشيدهنّ. هبة كانت المرأة الأولى التي غنّت في السعودية وتفاجأنا بأنّ الجمهور حفظ الأغنية عن ظهر قلب. بالعودة إلى الأعمال أذكر أننا أطلقنا العام 2014 أسطوانة "يا حبيبي" لهبة (أغنية "يا حبيبي" شعر منصور في نهاية ستينات القرن الماضي). في الألبوم برزت أغنية "الربيع العربي"، إضافةً إلى "خلص" و"أوّل ما شفتو" و"إلي وإلَك السما"، وسواها. عام 2015 قدّمنا حفلة تاريخية بعنوان "هبة طوجي Live In Byblos". العام 2017 أطلقنا ألبوماً يحتوي على 30 أغنية بعنوان "هبة طوجيThirty 30"، ثم أطلقنا فيديو كليباً "بغنّيلك يا وطني". كذلك قدّمنا تحية لسيّد درويش "أهوده اللي صار" التي أضفتُ عليها مقاطعَ مع تنويعاتٍ (Variations، كنوع من "الدَّوْر").




في نهاية العام 2017 أطلقنا ألبوماً جديداً ضخماً للميلاد. أما على مستوى الموسيقى الصرفة، فقدّمتُ العام 2006 "سينرجي" (قصيدٌ سِمفونيّ أدّتْهُ أوركسترا لندن) في افتتاح المتحف الإسلامي للفنون أو بالأحرى الفرع الإسلامي للفنون في متحف "فيكتوريا أند ألبرت" بحضور الأمير تشارلز. كما ألّفتُ موسيقى تصويرية للأفلام. ألبوم هبة المقبل يتدثّر بتعاونٍ بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ويرتدي بُعداً عالمياً مع خصائصَ وسماتٍ عدّة".




في محطّاتٍ متنوّعة من رحلته الفنية بدا أسامة الرحباني طليعياً متطرّفاً في سكْبِ رومانسيته الموسيقية في الكأس الدرامية، مجازفاً حداثوياً متبنياً رهاناتٍ عدّة بلا أدنى تردّد، ممتشقاً أسلوبه الفريد لترجمة سايكولوجيا المواقف التراجيدية، سبّاقاً في إلتقاط لحظة موسيقية كانت تشي وقتذاك بغير المُتعارف عليه في المدى العربيّ، وبليغاً في أفضية الدمج المُحكَم.


MISS 3