بشارة شربل

عيد الجيش... أحلام وخيبات ورهان

1 آب 2022

02 : 00

قبل تحية الجيش في عيده، تقتضي الأمانة المهنية نقل طلب مواطنة باحت بمشاعرها باسم جموع اللبنانيين الباحثين عن ساعة كهرباء أو ربطة خبز، ولم تيأس من انتظار قوة قاهرة تعيد الحقوق وتعاقب المرتكبين.

قالت: "اكتب بكرا يا استاذ، لو سمحت، أن الشعب يريد من قائد الجيش لحظة بدء الاحتفال السنوي في المدرسة الحربية أن يقدم له مفاجأة حرزانة تأخذ بثأره وتعيد اليه كرامته. هدية بسيطة وجاهزة، وهي أن يقوم باعتقال متصدري منصة الاحتفال و"بوطة" الرسميين وذوي البزات البيض وألا يخرجهم من قبو وزارة الدفاع إلا بعد أن يعيدوا أي قرش أو قرض كسبوه بالحرام هم وعائلاتهم وأحزابهم وسماسرتهم، وبعد أن يعلنوا توبتهم عن تسهيل النهب وتغاضيهم عن التعديات والتفجيرات، متعهدين بالخروج من البلاد روحة بلا رجعة".

وعدْتُ المواطنة بحرْفية النشر رغم رفضي التعميم وتمسكي بقرينة البراءة واقتناعي بلا جدوى هذا النوع من المطالبات العاطفية وعدم ملاءمته لواقع الحال. واختصرت بجملتين سحريتين اعتدت استخدامهما في ظروف مشابهة ("الله يساعدنا" و"الصبر مفتاح الفرج") عناء شرح تعقيدات التركيبة السياسية - الطائفية وموانع التغيير وتداخل المحلي بالاقليمي ورسوخ المنظومة مدعمة بقوة مسلحة موازية تضاهي الجيش في العدد والعتاد وقادرة على قمع الثورة وقلب المعادلات.

قبل ظهر اليوم، ومع بدء المراسم وتسليم السيوف للضباط المتخرجين، تنتهي آمال السيدة ومَن يشاركها النوع نفسه من الأوهام، ويذهب حبر أحلامهم الوردية أدراج الرياح، فتبقى حقيقة البؤس الذي سببته منظومة قادرة مجدداً على تصدر عيد الجيش واستعراض الوحدات والتمتع بإجراءات التكريم بعدما عاود نصف المقترعين محض رموزها وممثليها رخصة متابعة سياسة الإذلال بالشراكة والتكافل مع التافهين الذين لو مارسوا حقهم في الانتخاب لربما كنا أمام مشهد مختلف، لا يخيِّرنا بين رئيس من 8 آذار يتابع الانحياز لمحور ايران وتبرير انتهاك السيادة وإضعاف مقومات الدولة، وبين نسخة مشوهة عن الياس سركيس، مرشح سلاحه ضعفه ومشروع تدوير زوايا لادارة أزمة مسننة تحتاج صاحب قرار سيادي حر، خصوصاً في ظل تغول مشروع ديناميكي يؤسس لهيمنة مذهبية لا مشتركات فيها مع اللبنانيين المؤمنين بالتعدد والمواطنية والحريات.

في عيد الجيش، تحية لصموده الاستثنائي في خضم الأزمة الطاحنة التي أصابت كل المؤسسات. وليس في التحية أي إعجاب بتجارب حكم العسكر في المنطقة أو بمن انتقلوا من اليرزة الى بعبدا، ولا أي تضخيم لدور الجيش أو تعظيم للمؤسسة التي لها انجازات وعليها مآخذ. لها حفاظها على السلم الأهلي ووحدتها وتضحياتها ونظافة كف قائدها، وعليها ممارسات تتجاوز الأعراف حين بالغت في حماية المنظومة الفاسدة بحجة ضمان الاستقرار، ومحكمة عسكرية واجبة الإلغاء أو الإختصار، وتساهل مع السلاح غير الشرعي يصل أحياناً حد التخاذل عن تنفيذ القانون والتنازل عن واجب حماية كل المواطنين على قدم المساواة.

تحية للجيش في عيده، لأنه آخر مؤسسة يمكن الرهان عليها لمنع تفتت البلاد ولضمان حد أدنى من احترام الدستور ووقف يد الطائفية الطويلة التي تخرب كل الوزارات وصولاً الى عرقلة التحقيقات بجريمة النيترات النكراء. وليس استهداف قائد الجيش من قبل الطامحين الى الرئاسة أو من اللاعبين الكبار في الترشيحات الا لأنه نقيض لرموز تعودت التفرقة والفساد، وصاحب سيرة تبعث الأمل في استعادة الدولة المخطوفة لدى أصحاب الألسنة الطويلة والأنياب.


MISS 3