ريتا بولس شهوان

"يا عيني عَ البلدي" يكسر الإحتكار... ويفتح باب التصدير

6 آب 2022

02 : 00

"يا عيني عالبلدي"

لا شيء يمنع القدرة اللبنانية من الصمود. حتى لو صنّفت التقارير الأممية لبنان ضمن دول «البؤر الساخنة» المهددة بالمجاعة. هناك سبب بسيط، فعندما تضع الكنيسة يدها بيد الحرفيين اللبنانيين، المزارعين، بكل قدراتها التنظيمية، فهي قادرة على ضخ دماء اقتصادية في الدورة المحلية، فتنعش بذلك، كل العائلات البسيطة، التي لا تملك الا ايمانها وكفاءاتها. نموذج على ذلك مشروع «يا عيني عَ البلدي» المتنقل بين المناطق. ما هي قصته؟ كيف بدأ؟ وايّ نتائج تحققت؟

كيف بدأ «يا عيني عَ البلدي»؟الانسان، لا يخلّد. فقط أعماله تبقى. هذا بالضبط ما غرسه الراحل المونسنيور توفيق بو هدير بعد انطلاق أوّل سوق مجتمعيّ متنقّل للمنتجات الزراعيّة «يا عيني ع البلدي» في «مركز التنمية البشرية والتمكين» في ريفون، وهو نتيجة تدريبات مكثّفة لـ 150 شاباً وشابة حول كيفية إدارة الأسواق، و120 من المزارعين وصغار المنتجين اللّبنانيّين برائحة التراث اللبناني.

سيكون لهذا المشروع 8 محطات في مختلف المناطق اللبنانية، ويستمر حتى شهر أيلول. يشرح رئيس «جمعيّة شباب الرجاء» ماجد بو هدير، والتي أسسها المونسنيور الراحل- واليوم يتابع شقيقه مع المخلصين رسالتها - لـ»نداء الوطن» رمزية الإنطلاقة من ريفون كون الراحل مأسس هذه الرسالة في مركز التنمية المذكور.

«يا عيني ع البلدي»، المقتبس من روح المونسنيور- باعتبار ان عنده محطة كلام وهي «يا عيني» - سيحفّز شراكات مع الأبرشيات والسلطات المحلية إضافة الى جهود مشتركة بين شركاء في هذا المشروع، حيث كان الأب توفيق قد وضعهم في صورة المشروع بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية.




مونة



يثمّن الزميل بو هدير دور مكتب رعوية الشبيبة ضمن الدوائر البطريركية، الذي لعب دوراً تنفيذياً مهماً، لان في البدء كان هذا المشروع له على حد تعبيره، خصوصاً انه يضم ذوي الاعمال الصغرى الذين لا يملكون مؤسسات كبرى، ولا قدرة لهم على استئجار مركز عمل، ولا يوجد لديهم اطار حاضن لتسويق منتجاتهم.

بصمات الاب توفيق واضحة في مكتب رعوية الشبيبة في الكنيسة المارونية ومركز التنمية البشرية والتمكين في ريفون،مركز التدريب، فشعر الناس بأمومة وأبوة الكنيسة وقربها منهم. لا يحضر طيف الراحل بكلام شقيقه فحسب، بل بخيطان ثوب مبادرة «ارضنا كنزنا» التي انطلق منها «يا عيني ع البلدي» بمباركة وتشجيع غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. اذ يركز «يا عيني ع البلدي» على أهمية الأراضي غير المستثمرة لغياب الوعي، والإمكانات، والتوجيه. فمن هنا كان السوق المجتمعي المتنقل للمنتجات الزراعية، أي من الحاجة على حد توصيف بو هدير لذا خضع عدد من المشاركين الى تدريبات لاستصلاح الأراضي، والزراعة العضوية وكيفية إدارة الأسواق المجتمعية.

يومها، أي عند مرحلة التخطيط، كُتب مشروع متكامل مع مؤسسة الانماء الشامل (التي تولت تدريب الشبيبة والمزارعين) بحرفية كبيرة، والتواصل مع وكالة التنمية التابعة لوزارة الخارجية البولندية، باعتبار ان هناك علاقة وطيدة بين المرحوم وجمعية فينيسيا للقديس شربل البولندية (مركزها لبنان). فحاز هذا المشروع بخياطته وبتفاصيله من الفه الى يائه، على الثقة ليتحول الى التنفيذ والتطبيق والاستدامة. وتدريجياً تم التشبيك مع الابرشيات الـ 13 الموجودة على كل الأرضي اللبنانية والتنسيق مع اساقفتها ولجان الشبيبة الذين استطاعوا بزخم واندفاع كبيرين استهداف المزارعين الصغار في المجتمعات المحلية في كل المناطق اللبنانية.




البطريرك الراعي في افتتاح السوق في ريفون


كيف استفاد المزارعون الصغار والمنتجون؟



استثمار قدرات الكنيسة المنتشرة في العالم، والوصول الى ناسها، وشبكة علاقاتها هو طموح بول عقل – مالك العلامة التجارية عين العقل- اذ بالنسبة اليه هذا السوق فتح له فرص التصدير الى الخارج. بول الذي هو مزارع تفاح في العاقورة يصنّع التفاح من دون سكر ومواد حافظة. عندما عرف ان البطريركية ترعى هذا النشاط لم يفكر مرتين فقرر أن يشارك في كل الأسواق وفي كل المناطق، مثله مثل رفقا، ربة المنزل التي ترسم بيدها ورود الاعراس من «المرصبان». تخبر رفقا كيف ان هذا العمل مصدر دخل لاولادها المنكبين على الدراسة، وبابتسامة تعبة تصف كيف كانت حياتها ستكون صعبة لو كانت تعمل من خارج دارها. هذا السوق يشكل لها نافذة لتوسع مصدر دخلها، وللتعرف على اكبر قدر من أبناء البترون والجوار، حيث كان السوق السبت. القصة ليست في عملية التسويق فحسب، بل أيضا بكسر المزارعين الصغار حلقة الاحتكار لدى بعض التجار. يروي ماريو حكيم ( من ريفون) مساره الزراعي الذي افضى الى ان تقرر الوالدة الاتصال مباشرة بالشاري. ماريو الذي كان مغترباً عاد منذ بضع سنوات وقرر شراء أراضٍ واستثمارها الا ان التعامل مع سوق الخضار أتعبه، وشكل له هذا السوق الذي شارك فيه في ريفون بريق امل جديد للتخلص من الحلقة المفرغة التي تبنيها أسواق الخضار والـ»كومسيون» وحرق الأسعار، فعلى حد تعبيره لا يمكن ملاحقة التاجر في سوق الخضار، واجباره على بيع منتجاته قبل ان تذبل.

لطلاب المدارس والجامعات حصة في هذا السوق بعلامة تجاربة باسم «زيرما»، فهم مشاركون في البترون عبر عرض منتجاتهم من الخضار والمزروعة بطريقة عضوية في أراضٍ مقدمة من أصحابها لشبيبة متطوعة من زغرتا. فرحون هم بما ينتجون، علماً ان احداً منهم ليس متخصصاً في الهندسة الزراعية، لكنهم يشعرون بالرضى بعد ان تعرفوا عبر علاقتهم بالأرض في زغرتا بعدد كبير من الأهالي، وشكلوا مساحة من التماسك الاجتماعي، عبر الخضار التي تباع بسعر الكلفة. الهدف الاجتماعي غير الربحي مسألة منتشرة في الأسواق، تخبر احدى المساهمات في شركة Life coop، والتي هي شركة ناشئة لتصنيع الصابون البلدي ومؤسسوها من النساء اللواتي لديهن وضع خاص من بيئات مختلفة، بالتعاون مع جمعية كفى، كيف انه تم بيع كميات كبيرة من الصابون منذ يوم الافتتاح في ريفون. يد الله تشعر بها مالكة فرن صعب، وهو موجود منذ العام 1950.

هذه المرأة التي قارب عمرها الـ 65، مريضة سرطان، وتحتاج الى هذا المدخول. تخبر كيف انها اخترعت شراباً من النعناع، وكانت تدربت مع المؤسسات الشريكة في السوق، على زيادة معايير النظافة وعرض البضاعة.



مناصرو «يا عيني عَ البلدي»: بلديات ونواب ورسميون

أثنى مدير عام الزراعة لويس لحود في دردشة مع «نداء الوطن» على هذا السوق المتنقل، الذي يشجع على احترام المواصفات النوعية. وبنظره انه باستمراريته سيكسر حلقة الاحتكار، بخلق أسواق جديدة للمزارعين والمنتجين مناشداً كل الفاعليات المتابعة لمساعدة صغار المزارعين. اما رئيس بلدية ريفون الياس صفير، فأضاء على الحركة التي شارك فيها بعض المزارعين من بلدة ريفون والجوار في كسروان، مما شجع الأهالي على الشراء وادخل بعض البهجة الى البيوتات. خصوصاً ان المنتجات البيتية بنظره مطلوبة، ولكن تحتاج الى تسويق، فيشعر المواطن ان كل ما يخرج من الأرض يربطه به حتى لو كانت مؤسسات صغيرة تملكها في اغلب الأحيان نساء.

شبّه النائب غياث يزبك هذا السوق المتنقل الذي حط في البترون، بالنبض الذي يعكس إرادة الحياة عند اللبنانيين، فان تعطل نظام الدولة، هناك اشخاص يضجون بالحياة. يعتبر يزبك ان لبنان صلب بمبادرات البلد، وثقة الناس بأنفسهم والذي يؤدي الى ان يبدعوا مهما تعطلت المؤسسات الرسمية التي يجب ان يصار الى تصحيحها على حد تعبيره والاكمال «بالعمل بيدينا» كما يفعل المشاركون.

اللافت على حد تعبيره هو معدل الاعمار الشبابية المتحمسة التي تتراوح بين الـ 18 و 22، وهذا يثبت ان طاقات لبنان لم تهاجر بل ما زالت هنا وتكافح.