ملاحظات على هزال إدارة المالية العامة

02 : 00

يوسف خليل

هناك شبه إجماع على أن مرحلة علاجات الأزمة تحتاج وزيراً للمالية من نوع خاص، وأن يوسف خليل الآتي من مصرف لبنان من خلفية نقدية ليس بالضرورة «البروفايل» المناسب في هذه المرحلة. لكن هذا ما شاءه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفاهم مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لأسباب متقاطعة بينهما.

غير أن ما سبق لا ينفي ضرورة طرح بعض الإشكاليات الأخرى وأبرزها الآتي:

أولاً: إن إحد أبرز حلقات الاصلاح المالي والمصرفي متصلة بموقع وزارة المالية. فهي وزارة الوصاية على مصرف لبنان، وبالتالي يفترض أن تشكل الدافع الأساسي لتسريع إعادة هيكلة المصارف. وهذ ما لا تعبأ به كثيراً الوزارة ومصرف لبنان معاً، بدليل مرور 3 سنوات على الأزمة من دون اي إجراء فعلي ناجع على هذا الصعيد.

ثانياً: إن أبرز مهام وزارة المالية ليست كما يديرها يوسف خليل اليوم في محاولاته اليائسة لجمع بعض الإيرادات لمقابلة النفقات. فمن الموازنة تنطلق العلاجات الجذرية مثل الاصلاح الضريبي الذي طالب به صندوق النقد الدولي، لكن لا حياة لمن تنادي. فمن غير المعروف حتى الآن كيف سيعاد توزيع العبء الضريبي ليكون أكثر عدلاً مقارنة بـ 30 سنة أفضت الى ما أفضت إليه من كوارث قذفت بنحو 80% من السكان الى ما بين اشداق الفقر.

ثالثاً: رغم انهيار النفقات العامة الى أحد أدنى المستويات التاريخية، قدم يوسف خليل موازنة عاجزة، مع كثير من البنود التي لم يتجرأ على شطبها لأنها متصلة بنفقات سياسية، أو بالأحرى جرت العادة تاريخياً على تثبيت بنود لها في ما يشبه التوزيعات الزبائنية على هذه الحقيبة أو تلك من الحقائب التي يتم توزيعها بالتوازنات الطائفية. علماً أن الأموال المرصودة حالياً مع انهيار سعر صرف الليرة لم تعد تشكل قيمة تذكر، لكن التوزيع النظري مستمر ضمن النظام التحاصصي. وكأن الأزمة لم تقع، ولا كأن ذلك النظام كان أحد أسباب الانهيار!

رابعاً: تبقى الإشارة إلى أن لبنان لا يحتاج فقط إلى اصلاح مالي ومصرفي، بل يحتاج بالدرجة الأولى إلى إصلاح اقتصادي. فالاقتصاد السياسي الذي ساد منذ ما بعد اتفاق الطائف مات كما أكد تقرير شامل وموثق للبنك الدولي صدر الاسبوع الماضي. ذلك الاقتصاد السياسي أدى إلى مخطط بونزي شفط الثروة إلى يد القلة النافذة، وترك الخدمات العامة في أسوأ حال، والإقتصاد بلا أي دعائم انتاجية مستدامة وصلبة قادرة على مواجهة الصدمات. وبديهي القول إن الميزانية العامة للدولة هي المحطة السنوية الأفضل لتظهير ملامح ذلك الإصلاح الاقتصادي. اما مع يوسف خليل فلا شيء يذكرمن هذا القبيل.