طوني فرنسيس

جنبلاط يستكشف عوالم "الحزب"

13 آب 2022

02 : 00

تُقاس الأمور بخواتيمها، في السياسة كما في الحياة، إذ لا يكفي إبداء العزم على شيء أن يتحقق الهدف. وفي السياسة خصوصاً تفرض التوازنات وتعدد الفرقاء حوارات وتسويات يُفترض أن تصب إما في مصلحة خاصة أو في صالحٍ عام.

في البلد تكاد تكون المصالح الخاصة فوق جميع المصالح في عُرف أهل السلطة قادةً واحزاباً وتيارات وحركات. والانتخابات الأخيرة كانت تكثيفاً للقاء المصالح هذا. أحزاب متناقضة في السياسة وجدت نفسها في مركب واحد، فتداعمت من أجل الفوز وحصد المقاعد ثم بعد انتهاء فرز الصناديق عادت الى إفرازاتها السابقة. ولم يكن في هذا السلوك أدنى غرابة ما دامت المصالح الخاصة الاساسية مضمونة، أما الشأن العام بما هو ازمة وانهيار وجوع ومرض فهو في السياسة المحلية مادةً خطابية لا يستحق تحالفات وتسويات جدية تؤدي الى قيام جبهة للإنقاذ مستندة الى برامج عملية مشتركة.

طوال عقود قامت جبهات وتحالفات مثّلت مختلف التوجهات لكنها لم تصمد فور تخلي الرعاة الإقليميين والدوليين عنها، والساسة في لبنان نالوا من الأوصاف في تقارير القناصل والسفارات ما لم ينله سياسي في المستعمرات الأفريقية السابقة، ومع ذلك لم يتغير شيء، ومع الانقسام الناشئ في البلد انتقل مركز الثقل السياسي المعنوي والامني الى حزب واحد بسياسيين كثرٍ، هو «حزب الله» الوحيد الذي منذ 17 عاماً يخطط وينفذ ويحدد الاتجاهات، فيما يكتفي الآخرون بفتات المائدة الوطنية وخطابات الشكوى.

قاد الحزب تحت عنوان مقاومة اسرائيل وبارتباطٍ لا يخفيه مع القيادة الايرانية، الحياة السياسية منذ اغتيال رفيق الحريري. فرض أعرافاً على الحكومات، بدءاً من اعتصام وسط بيروت، ثم احتل العاصمة وهاجم الآخرين في مناطقهم ليفرض في الدوحة نظام الثلث المعطل وعطلاً دائماً في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي وقت لاحق عيّن الرئيس الذي اراده بعد ليّ عنق البلد والشركاء فيه، وهو اليوم يتصدى لمعركة «حفظ الغاز» وتسجيل الانتصار على الكيان الصهيوني ليجعل مناسبة انتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة فرصةً للفرز الالزامي بين من يقاوم «العدو» وبين «من لا يقاومه» وفي اختصار بين المكلف من الله وبين بقية الكائنات التي تسعى.

مع ذلك لا شيء يمنع محاولة الحوار مع «حزب الله» في ما يريده ويخطط له رغم التجارب المأسوية السابقة. فالذي يحاور اسرائيل ولو بالواسطة حول حقل غاز يفترض ان يكون قادراً على محاورة جاره في الوطن حول تأمين جرّة غاز وقسطل مياه، والظروف الراهنة تفرض المحاولة ولو كانت النتائج مشكوكاً فيها. من هذا المنطلق تُفهم محاولة وليد جنبلاط صاحب التاريخ الطويل في المبادرات والصدمات، ومنها خصوصاً مبادرات وصدمات مع «حزب الله» بالذات. وما تسرّب عن لقاء الطرفين لا يبشر حتى الآن بتوافقات، وانما باستعادة تواصل كان في حالة انقطاع.

في اللقاء بدا جنبلاط مستكشفاً لنوايا الحزب، مثله مثل مبعوث اجنبي يتعرف على نوايا سياسيي البلد واقطابه، وإذا كانت الحصيلة لا تنفع رؤى الزعيم الجنبلاطي فإنها لا تضر بحزب يخطط منذ الآن لتثبيت مواقعه في الرئاستين اللتين يجب ملؤهما بعد شهرين.

اللقاءات ضرورية في كل حال، والمحاولة المستندة الى تحقيق المصالح الوطنية الاساسية مطلوبة وبالحاح، شرط عدم نسيان التجارب القاسية في تكرارها وفشلها.