لوسي بارسخيان

bookaholic

Zahle : le liban au coeur كتاب مليء بالحب لمدينة مزروعة في وجدان مغتربيها

13 آب 2022

02 : 01

زحلة عاصمة البقاع

تحتفل زحلة بكتابها Zahlé: le liban au coeur في 20 آب الجاري، وهو ليس كتاباً أوّل ولا وحيداً يتناول المدينة التي لطالما استدرجت الأقلام منذ أرّخ لها العلامة عيسى اسكندر المعلوف. إلا أنه كتاب فريد ربما بهذا الكم من رسائل الحب التي تخرج من بين غلافيه، الى المجتمع الزحلي الأوسع، ليوجه رسالة تضامن إنسانية مع "الزحليين" عموماً، وينقل هذا الحب الى أجيالهم الطالعة خصوصاً، والذين سيعود لهم ريع بيع الكتاب خلال الإحتفال به في القصر البلدي، من خلال تأمين مزيد من الدعم "للجنة المساعدات المدرسية"، وهي جمعية تأسست تحت غطاء البلدية خلال الأزمة الراهنة لتضمن العلم لأبناء زحلة، عبر تسديد اقساط المتعثرين مادياً في المدارس الخاصة.



بعض اللوحات بالأوان المائية الموجودة في الكتاب بريشة مسعد طراد



الكتاب كما بات معلوماً من تأليف باسكال سعد إسطفان، مغتربة زحلية راودها الحلم منذ غادرت لبنان الى سيدني قبل ثلاثين سنة. وقد ترسخت فكرته لديها في كل مرة عادت فيها الى المدينة بعد 14 محطة مختلفة في بلدان العالم، الى أن استقرت في فرنسا، بالتزامن مع جائحة "كورونا"، والتي صغّرت حدود العالم وجعلته محصوراً بين حيطان المنازل.

ككل شخص يعود الى مراجعة ذاتية لتحديد أطر حياته بمطباتها وفرصها، أفراحها وأحزانها... اكتشفت باسكال تجذّر زحلة وتفاصيلها في وجدانها، على رغم الحياة الكريمة التي عاشتها في الإغتراب. فقررت أن تترجم هذا الحب في كتاب يغوص بتفاصيل أحياء زحلة، بزواريبها وأدراجها وكنائسها، والأهم بأشخاصها، ليحفظ ذاكرة هؤلاء الراسخة عند اجيال إختبرت الإلفة التي تميز زحلة وتصرّ على نقلها الى أولادها.

اللقاء مع باسكال أشبه بقراءة الكتاب. بهذا الكم من العواطف تراها تخبر قصته وكيف حضّرت له. تغص بالكلام أحيانا عند الحديث عن أزمات لبنان، ويطغى الندم على أجيال المدينة الجديدة الذين لم يختبروا ما اختبره جيلها، عندما كان الكتاب يسكن الى جانب الزحليين، يمكن بلوغه بأي لحظة في "مكتبة حاتم" في وسط المدينة، الذي تصل إليه عبر أدراج كانت شرياناً يصل الزحليين أيضاً بدور السينما التي توزعت في أكثر من صالة على بولفار المدينة. تسأل عن المسرح ودوره المفقود حالياً في المدينة والمكتبات ودور السينما التي صار على الزحليين أن يقصدوها بسياراتهم. وتحث الشباب خصوصا على القراءة، فهي وحدها التي ستنمّي أفكارهم وليس فقط لغتهم، لبناء الوطن الذي يريدونه. فبالنسبة لها لا يمكن الحديث عن زحلة من دون التفكير بمستقبلها.

وبالعودة الى الكتاب تروي باسكال "أنني في بداية غربتي شعرت بوحدتي، وصار الأشخاص الذين تعرفت إليهم في المدينة يمرون بذاكرتي كشريط. في وجداني رفضت ان يختفي أثرهم بعد مماتهم، هؤلاء أشخاص عاشوا بيننا، أضحكونا وسلّونا وكانوا مميزين في محيطهم، قلبهم ينبض بطيبة، وأثرهم يجب أن يبقى حتى تتعرف عليهم أجيال المدينة".

30 سنة إستغرقها الوقت حتى تقدم على خطوة ترجمة زحلة في كتاب، الى أن استقرت في باريس، فنضجت فكرته خصوصا إثر تأسيس نادي زحلة – فرنسا، الذي جاء وليد حماسة أبدتها ابنة المدينة جوزيان تامر لدى عودتها من زحلة مشاركة في مؤتمر الإنتشار الاول الذي احتضنته المدينة في سنة 2019.

شكل الكتاب إهداء للنادي، الذي عرف كيف يستثمره بشكل جيد، جامعاً مدخوله لتأمين المازوت خصوصاً لشتاء زحلة البارد، بالتزامن مع الأزمة الإقتصادية الحادة التي كانت قد بدأت تعصف بالبلاد.

كان زوج باسكال راند إسطفان من أكثر المتحمسين لمشروعها. وبين الجهد الذي وضعته باسكال والتمويل الذي وفره راند، وكلاهما من ابناء حي البربارة في زحلة، خرج الكتاب بعدما أشركت فيه أيضا كلاً من كريستين حايك، وكلوي قازان، وفرنسوا هاشم. حيث جسد كل مقال فيه أيضا بلوحة رسمت بريشة الفنان الزحلي موسى طراد، فكان كتاباً غنياً بألوانه وتنوعه.

وهكذا توسعت الفكرة من كتاب صغير تكون كلفته محدودة، الى كتاب ضخم عن زحلة مغرٍ لحفظه وإهدائه، وصار حديث الزحليين واللبنانيين في مختلف أنحاء الإغتراب.

أدارت اسطفان عملية التحرير بشكل كامل، وحّدت مواضيع الكتاب التي تنوعت الاقلام في كتابته، وبعد إشراف نهائي عليه ليخرج بالشكل الذي خرج به صدر في 23 تشرين الأول الماضي.

منذ البداية أرادت باسكال أن يكون الكتاب ذكرى تتركه للزحليين، وأهدته كاملاً لهم عبر تخصيص مداخيل بيعه كاملة لأعمال خيرية، بحيث يشارك كل من يشتريه بعمل خير يصب في مصلحة زحلة وأهلها. وفي الحدث الذي ينظم في زحلة تحديداً تعتبر باسكال أن كل من سيشتري الكتاب سيساعد تلميذاً على التعلم في المدرسة...

تعرب اسطفان في المقابل عن تفاجئها بتفاعل الناس الذين اشترى بعضهم الكتاب فقط لانه يحمل اسم زحلة وآخرون تفاعلوا مع القضية الإنسانية التي حملها.

بالنسبة لهؤلاء تتساوى الأهداف مع مضمون الكتاب الذي يحفظ الذاكرة الشعبية. فما كتبته هي تحديداً في الكتاب كما تشرح نابع من تجارب شخصية. "لم أذهب الى الانترنت ولا الى أمور مكتوبة سابقاً، بل كتبت ما اختبرته من تفاعل في المدينة ومن عادات عشتها شخصياً، وكيف تعرفت الى الاشخاص".

ومن هنا فإن الكتاب لا يحاول أن يستنسخ سير مبدعيها الذين تُعرف عنهم إبداعاتهم، وإنما يغوص في سير أشخاص حفروا في الذاكرة الشعبية للزحليين، بحيث يصعب أن تجد زحلاوياً من دون قصة أو "نهفة" اختبرها مع هؤلاء، تخلق هذا الرابط الذي يجمعه بزحلي آخر.

فتجد مثلا قصة "السيسي" الشاب الذي بقي لعشرات السنين يقدم القهوة في إحدى مقاهي المدينة، ويوزعها متجولاً بفناجينها في مختلف أنحاء زحلة، ليصبح خبيراً بأذواق أصحاب المحلات فيها، والذين كان يخص كلاً منهم بلقب بقي ملتصقاً به لسنوات طويلة. وتجد أديل التي شكلت مرجع الزحليين الاول لحقن المرضى بالدواء، ومنتورة التي تميزت بألوان ثيابها التي لونت أيام المدينة بفرح.

تقول باسكال "هذا كتاب وضعت فيه روحي. فنحن لدينا عادات جميلة عشناها. كان الحي عائلتنا وكان بيتنا لا يخلو من الزوار، وكانت لهفة الناس على بعضها البعض. فجيلنا كبر بجو رائع جعل منا ما نحن عليه. وجعل لزحلة هذه الخصوصية التي يتعلق بها الزحليون مهما ابتعدوا عن ارضها".

منذ 32 سنة تعود اسطفان الى زحلة مع لهفة للقاء بهذه الذكريات. حرصت على أن يختبر أولادها بعض التفاصيل. ومع أنها نجحت في غرس زحلة بقلوبهم، تأسف لكون ظروف البلد تعرقل الجهود التي يبذلها اللبنانيون في الإغتراب للحفاظ على هوية أولادهم وغرسها في وجدانهم. ومع ذلك تؤكد ان الاجيال الجديدة تحب لبنان. وتنتظره فقط ليتعافى. أما هي فترسل عبر كتابها رسالة حب لزحلة ولكل لبنان. لتقول لأهله "إنه صحيح أننا لا نعيش صعوبات لبنان ولكننا نشعر بها معكم، ونتوق لتتخلصوا منها".

وأما 20 آب فسيكون لحظة فخر بالنسبة لها، وتريد من الناس أن لا يشتروا الكتاب فقط وإنما أن يقرأوه أيضاً. علما أن حدث إطلاق الكتاب من القصر البلدي سيتضمن ايضاً عرضا للوحات الفنان موسى طراد.


MISS 3