السنيورة: تهديدات "الحزب" لا تُشجّع الشركات على الاستثمار في لبنان

12 : 23

رأى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن "ما نشهده اليوم تعبير صارخ عن أن هناك مشكلة حقيقية وخطيرة، نتجت عن هذا الانهيار الماليّ والاقتصاديّ والمعيشيّ الذي يشهدُه لبنان وكذلك بسبب انهيار الدولة فيه، وهو أيضا ناتج عن تعاظم التلكؤ والتقاعس وعدم المسارعة إلى إيجاد الحلول الصحيحة وتبنّيها للتّصدي للمشاكل الخطيرة التي أخذت اليوم بُعداً جديداً إضافياً وخطيراً، يتمثّل باللجوء إلى السّلاح من قبل أحد المودعين للحصول على جزء من وديعته. هذا المودع لديه قضيّة محقة بكونه بحاجة ماسّة وسريعة لأن يسحبَ جزءاً من هذه الوديعة من أجل معالجة والده الموجود في المستشفى".


وقال في حديث تلفزيونيّ: "هذا المودع اضطُرَّ إلى اللجوء إلى هذه الطريقة غير المقبولة بسبب ما اصطدم به من عناد بعدم التجاوب مع مطلبه. وهو ما أخذ الأمور إلى هذا الوضع الخطير. وهو ليس خطيراً فقط بكونه يختص ويقتصر على هذه الحالة، ولكن بما يستدعيه ما قام به هذا المودع من تداعيات، وما سيعقبه من محاولات مماثلة، قد يلجأ إليها مودعون آخرون من أجل أن يحصلوا على ودائعهم. وبالتالي، هذا الذي حصل اليوم قد يشكل بمثابة دعوة لكل مودع بأن يلجأ الى القوة واستعمال السلاح من للحصول على حقوقه. هذا الأمر ناتجٌ عن ذلك التقاعس وعدم المبادرة من أجل إيجاد الحلول من قبل المسؤولين الذين لم يتصرفوا على قدر ما تقتضيه المسؤولية".


وسأل: "هل هناك مشكلة؟ نعم يجب أن نعترف أن هناك مشكلة خطيرة، ولكن بدلاً من أن يُصارَ إلى إيجاد الحلول الحقيقيّة لمعالجتها من أساسها، وليس معالجة ظواهرها وأعراضها، وها قد أدّى التقاعس إلى أن يُضطر البعض إلى اللجوء إلى هذا الأسلوب. بداية، يجب أن نعترف أنَّ الفرقاء الضالعين في هذه المشكلة، وبداية الدولة بشقيها التنفيذي والتشريعي على حدّ سواء، ومن ثم مصرف لبنان والمصارف، وكذلك بعض المودعين أنفسهم، وإن كان ذلك بمقادير مختلفة. كذلك، هناك حقيقة يجب أن ندركها جميعا نحن في لبنان، وهي أنَّ التَّقدم باتجاه تحقيق الحلول لهذه المشكلات، وإذا أردنا أن نختصرها، تكمن في مسألة أساسيّة واحدة، وهي في طريقة استعادة الثّقة بلبنان وبمستقبله واقتصاده وماليّته العامّة ونظامه المصرفيّ. وبالتالي، أن يتأكد المودعون واللبنانيون أنَّ الحلول التي يُمكن أن يصارَ إلى اعتمادها، سوف تُطمئنهم أنّ بإمكانهم أن يحصلوا في المستقبل على ودائعهم".


أضاف: "الآن وقد وصلت الأمور إلى هذا الدرك، يجب تداركها بسرعة وأنا أعتقد أنّه من ناحية الشّكل، فإنه ينبغي على المصرف وعلى جمعيّة المصارف المسارعة والإسهام في إيجاد حلٍّ سريعٍ لهذه الظّاهرة الخطيرة قبل أن تتفاقمَ وتستدعي بالتالي ردات فعلٍ ومحاولاتٍ من قبل آخرين من أجل أن يحذوَ حذوه هذا المودع. وهنا ينبغي أيضاً على القوى الأمنيَّة وعلى القضاء أن يحولا دون استشراء وتفشي هذه الظاهرة الخطيرة".


وردا على سؤال أجاب: "يجب أن نكون جريئين وواضحين ونصارح الناس بحقيقة الأمور ليعرفوا أن هناك مشكلة متمادية في لبنان يجب أن يدركها الجميع بأنّه مضى على لبنان الآن 47 عاماً، منذ العام 1975، وهو يعاني من عجز مستمر ومتزايد في الخزينة وفي الموازنة، وهو ما كان يتحوّل إلى دينٍ عام يتزايد سنة بعد أخرى، بحيث وصل إلى ما يقارب المئة مليار دولار في العام 2020، وبدلاً من أن يتمَّ تدارُك هذه المشكلة عن طريق ما يسمى اعتماد الاصلاحات الحقيقية التي تؤدي الى تصحيح هذا الوضع المالي والاقتصادي وايضا السياسي المتدهور في لبنان من اجل ايجاد الحلول الحقيقية لخفض العجز، وبالتالي لتخفيض وترشيد الإنفاق، ولتحسين إيرادات الخزينة، ولترشيق حجم الدولة، كان هناك، من يدفع الأمور إلى المزيد من التردّي، وإلى تضخُّم حجم الدولة بإداراتها وأسلاكها وأجهزتها كافة لتصبح بهذا الحجم المتمادي الذي أدّى إلى زيادة الاعباء على الخزينة. بالإضافة إلى الاستمرار في الاستعصاء على الإصلاح واتّباع أسلوب المُكايدة وفي استتباع الدولة لصالح الأحزاب الطائفية والمذهبيّة والميليشياويّة، وشلّ عملها وتعطيله، بما جعل الدولة اللبنانيّة ألعوبةً بيد مصالحَ أجنبيَّةٍ وإقليميّة تضرُّ بلبنان وبمصالح أبنائه".


وتابع: "الآن، وقد وصلنا إلى هنا، فما هو الحل؟ الحلّ هو من جهة أن يصار الى المسارعة للقيام بتنفيذ الإصلاحات التي لطالما استمر الاستعصاء على تبنيها وتنفيذها، ومن ضمنها أيضاً أن يُصار إلى أن تسترجع الدّولة اللبنانية سلطتها ودورها في لبنان بدلاً من أن تستمرَّ كما هي الآن نهبا للميليشيات والاحزاب الطائفية والمذهبية التي تصر ولا تزال تصرّ على الاستعصاء على الإصلاح. وهذا الأمر يستمر منذُ أكثر من 30 عاماً. هذه الممارسات الخاطئة من الطبيعي أن توصلنا إلى هنا. بالرغم من صعوبة ما أصبح عليه الوضع في لبنان الآن، فإننا نستطيع أن نقوم بالبدء بتغيير هذا المسار الانتحاريّ في لبنان".


أضاف: "أعتقد أنَّ المسارعة الى تنفيذ الإصلاحات ضروري جداً، وهذا بالتالي يقتضي أن يطمئن المواطن الى الغد. وهذه الثقة يمكن ان تكتسب مع تنفيذ جملة من الاجراءات التصحيحية على الصعد المالية والنقدية والاقتصادية وايضا السياسية حتى يطمئن المواطن وكذلك المودع إلى أنه إذا لم يستطع أن يحصل على وديعته اليوم، ولكن هناك أمل في أن يستطيع أن يحصل على شيء من هذه الودائع في المستقبل. لذلك، ينبغي أن يكون واضحا لجميع اللبنانيين، أننا إذا لم نستطع كدولة ومسؤولين أن نطمئن المواطن بأن غداً سيكون افضل، فإن تدهور الأمور سوف يؤدي إلى مزيد من الانهيارات والتداعيات السلبية. إنه، ولكي يكون الغد أفضل، فمن الضروري أن يشعر المواطن بان الاوضاع الاقتصادية والمالية ستكون أفضل من ناحية استعادة النمو، والاطمئنان لحركة الاقتصاد الوطني وللادارة الحكومية وللقطاع المصرفي من ناحية ثانية، ولاسيّما على الصعيدين الوطني والسياسي لناحية علاقة لبنان مع محيطه العربي لأنه إذا استمر لبنان في حالة خصامٍ مع المجتمع العربي والمجتمع الدولي، فإن الأمور سوف تنحو نحو تفاقم المشكلات أكثر، وبالتالي لن نصل عندها إلى أي نتيجة إيجابية".


وقال: "دعني هنا أتطرق- وعلى سبيل المثال- إلى الموضوع المتعلق بترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة ولثروة لبنان الغازية التي نأمل أن يصار إلى التثبت من وجودها وبكميات اقتصادية ومؤكدة، فبدلاً من أن يكون ترسيم الحدود وسيلة من أجل إيجاد أحد السبل لإنقاذ الاقتصاد اللبنانيّ، فإنَّ المشكلة أصبحت في أنَّ البعض يستعملُ هذا الأمر من أجل غايات ليست من صالح لبنان. ما يجري اليوم، هو تنفيذ غايات لخدمة مصالح دولية وإقليمية. وأعني بذلك ما له علاقة بإيران".


أضاف: "الترسيم بإمكانه أن يكون خطوة وبالتالي وسيلة من أجل تمكين لبنان من أن يتفرغ لعملية سبر اغوار منطقته الاقتصادية الخالصة بما يمكننا من أن نتثبّت بان لدينا احتياطات غازية مؤكدة، وأنها احتياطات قابلة للاستخراج بشكلٍ اقتصادي ومجد".


وقال: "المؤسف أنّه وبدلا من بذل كل جهد ممكن لمعالجة مشكلاتنا المتفاقمة، فإن ما نراه من مواقف متوترة من حزب الله ومن ورائه إيران لجهة المزايدات الشعبوية والتهديد واللجوء إلى استعمال السلاح لا تبشر بخير ولا تطمئن حتى الشركات الدولية من أجل ان تقرر الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان. هذه التهديدات التي تصدر عن حزب الله لا تشجع الشركات على الاستثمار في لبنان".


وختم السنيورة: "يقتضي من لبنان أن يتمسك بحدود منطقته الاقتصادية الخالصة، ولا يتم التفريط بها عبر الموقف الوطني الجامع للبنانيين. وهذا الموقف أفضل نتيجة من اللجوء إلى إطلاق التهديدات من أجل أغراض شعبوية لا ينجم عنها إلا تعريض لبنان للمزيد من المخاطر، ولاسيما في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من ضائقة معيشية خانقة وصلت إلى حدود وجود أزمة خبز. هذه الممارسات والتصرفات لا تضع لبنان على الطريق السوي والصحيح للخروج من هذه الازمات المتفاقمة التي يعاني منها".

MISS 3