سلمان رشدي... اعتداء على حرّية التعبير

02 : 00

حين نسمع اسم "سلمان رشدي"، تخطر على بالنا فوراً ثلاث أفكار: آية الله الخميني، كتاب "آيات شيطانية" والكفر. لكن سلمان رشدي الراقد في المستشفى منذ اعتدى عليه هادي مطر بسكين، يحمل قيمة أكبر بكثير، فهو عملاق حقيقي في عالم الأدب. وُلِد هذا الكاتب الهندي البريطاني في مومباي، في العام 1947، وقصد "مدرسة الرجبي" الداخلية في وارويكشاير، إنكلترا. ثم دخل كلية "كينغز كوليدج" في جامعة "كامبريدج"، حيث درس والده قبله.

غيّر رشدي هامش مناقشة المواضيع الثقافية عبر التطرق في كتاباته إلى مسائل كانت تُعتبر من المحرمات. هو يستعمل أسلوب الفكاهة الساخرة وشكلاً من الواقعية السحرية وثقافته الهندية لاستكشاف أفكار تتراوح بين الهوية، والتاريخ، والسياسة، والمواضيع الدينية. تُعتبر أعماله شائكة وفريدة من نوعها، لكنها قد لا تروق لجميع الناس لأن أسلوبه في الكتابة غير مألوف.

ترك رشدي بصمة كبيرة عبر روايته الثانية Midnight's Children (أطفال منتصف الليل) في العام 1981، وحصد بفضلها جائزة "بوكر"، وسرعان ما حققت هذه الرواية نجاحاً عالمياً. تطرّق فيها إلى موضوع تقسيم الهند وباكستان في إطار قصة متكاملة. يقول البعض إنها قصته الخاصة لأنه وُلِد أيضاً في العام 1947.

في العام 2007، حصل رشدي على وسام فارس من الملكة إليزابيث الثانية تكريماً لأعماله الأدبية، فأصبح رسمياً السير أحمد سلمان رشدي، وفاز بخمس جوائز "بوكر".

على صعيد آخر، كتب رشدي مقالات كثيرة واستعمل مهاراته أيضاً لتأليف كتب للأطفال، انطلاقاً من مواضيع خيالية وسحرية، بأسلوب استثنائي يُميّزه عن غيره.

في العام 1988، نشر رشدي روايته The Satanic Verses (آيات شيطانية) التي تحمل "سمعة سيئة" اليوم، وسرعان ما فُتِحت أبواب الجحيم في العالم الإسلامي. اتّهمه المرشد الإيراني الأعلى الراحل، آية الله الخميني، بالردّة وأصدر فتوى ضده بقتله في العام 1989، وحدّد مكافأة تساوي 3.3 ملايين دولار اليوم (وفق بعض التقارير) لكل من ينفّذ الفتوى.

ثم اندلعت مسيرات حاشدة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، لا سيما في أماكن مثل باكستان، وتصاعدت الدعوات إلى قتله. تكمن المفارقة في امتناع معظم المحتجين عن قراءة الكتاب المثير للجدل. كانت تلك التحركات منظّمة لكنها اتخذت طابعاً عنيفاً وغاضباً. في العام 1991، تعرّض اثنان من مترجمي الكتاب للطعن، ومات أحدهما بسبب تلك الحادثة. لكن ما سبب كل ما حصل؟

أراد الخميني أن يحصد مستوىً من الاهتمام السياسي ثم أصبح رشدي كبش الفداء المناسب. أدرك الإصلاحيون المسلمون في تلك المرحلة الفرق الواضح بين الإسلام والإسلاموية (الإسلام السياسي) لأن الخميني كان يستغل ما يحصل لأغراض محض سياسية. لكن حصدت هذه الحركة زخماً هائلاً وسرعان ما اضطر رشدي للاختباء وتولّت شرطة لندن حمايته.

من الناحية الأدبية، فتح رشدي على نفسه أبواب الجحيم حين تطرّق في كتاب "آيات شيطانية" إلى موضوع يُعتبر من المحرمات في العالم الإسلامي. يظهر النبي محمد في الرواية، فيضيف آية إلى القرآن تَصِف ثلاثة آلهة وثنية في مكة، ثم يتنصّل من هذه الآيات لاحقاً على اعتبار أن الشيطان فرضها عليه. وُضِعت هذه القصة كلها في خانة الردّة.

 تعهد الإسلاميون حول العالم بالتخلص من رشدي، وبدأت قوانين الردّة تُستعمل بطريقة انتقامية ضد المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. اليوم، يقبع مئات الأشخاص من ضحايا قوانين الردّة في سجون باكستان.

إستمرت موجة الغضب ضد رشدي لفترة طويلة. وخوفاً من تعرّضه للهجوم، تابع الكاتب عمله من أماكن اختبائه، وانتقل إلى الولايات المتحدة في العام 2000. هو الرئيس السابق لمنظمة الأدب وحقوق الإنسان، PEN America، وهو مدافع شرس وناشط عن الحريات، فقال في إحدى المقابلات: "يجب أن ندافع عن حريتنا القيّمة التي اكتسبناها بشق الأنفس، ويجب أن نناضل في سبيلها عند الحاجة".

في العام 2012، كتب رشدي مذكراته بعنوان Joseph Anton وترّشح لجائزة صمويل جونسون البريطانية عن فئة أفضل الكتب الواقعية، ومن المنتظر أن تصدر روايته المقبلة، Victor City (مدينة النصر)، في شباط 2023.

يوم الجمعة 12 آب، كان رشدي يستعد لإلقاء محاضرة في مركز التعليم التابع لمؤسسة "شيتاكوا" في جنوب غرب نيويورك، فصعد رجل إلى المسرح وطعنه بسكين في عنقه وبطنه. اعتقلت الشرطة مشتبهاً به اسمه هادي مطر (24 عاماً) من "فيرفيو"، نيو جيرسي.

لم تؤكد الشرطة بعد على دوافع الجريمة ولم تُصدِر تُهَماً واضحة، لكن تذكر صحيفة "نيويورك بوست" أن مطر مُتّهم "بالتعاطف مع النظام الإيراني والحرس الثوري". لكننا نعرف أنه هجوم جبان ووحشي، وهو يشكّل اعتداءً على الحريات التي ناضل رشدي في سبيلها وكتب مؤلفات كثيرة عنها.

يشعر الإصلاحيون المسلمون بصدمة عارمة ويستنكرون الاعتداء على رشدي. كتبت إسراء نعماني من حركة الإصلاح الإسلامي الاميركي على تويتر: "حركة الإصلاح الإسلامي في الولايات المتحدة تدين الاعتداء على الكاتب سلمان رشدي. حرية التعبير ليست جريمة. يجب أن نرفض جميعاً التفسيرات الإسلامية المتطرفة التي تحكم بالموت على أبرياء يمارسون حقهم بحرية التعبير. فَلْتَسُد قوة القلم"!

عبّر كتّاب ومشاهير العالم عن شعورهم بالصدمة والرعب بعد الهجوم على رشدي، فغرّد ستيفن كينغ: "آمل أن يكون سلمان رشدي بخير".

إقتبس سكوت سايمون، مقدّم برنامج Weekend Edition Saturday على شبكة NPR، عبارة من كتابات رشدي وغرّد قائلاً: "ما هي حرية التعبير؟ لولا حرية الإساءة، لا تعود الإساءة موجودة" – سلمان رشدي. أنا أفكر بك اليوم".

كذلك، غرّد واجاهات علي، كاتب Go Back to Where You Came From (عُدْ من حيث أتيت) وصحافي في موقع "ديلي بيست": "كنتُ متواجداً هناك لإلقاء كلمة قبل أسبوعين. إنه مكان جميل ومليء بجماعات مدهشة وفضولية وودّية. ما حصل صادم. أتمنى ألا يتأذى سلمان رشدي وأن يتعافى ويُشفى سريعاً. يا له من أمر مقزز".

ثم أضاف العبارة التالية: "يريد رجال مختلّون أن يحرسوا العالم عن طريق العنف. تعرّض سلمان رشدي للطعن اليوم. وتعرّض مكتب التحقيقات الفدرالي للهجوم بالأمس. أخشى أن تتزايد حالات العنف هذه بسبب تعمّق الانقسامات وحملات التضليل وتصاعد مظاهر التطرف".





في السياق نفسه، انتقد الكاتب إيان ماكيوان الفائز بجائزة "بوكر" ذلك "الاعتداء المشين"، واعتبره هجوماً على حرية الفكر والتعبير": "كان سلمان مدافعاً مُلهِماً عن الكتّاب والصحافيين المضطهدين في أنحاء العالم. هو يمثّل روحاً مشتعلة وسخية، وهو صاحب مهارات هائلة وشجاعة فائقة ولا يمكن ردعه بأي طريقة".

أدانت الكاتبة جي كي رولينغ من جهتها ذلك "الحادث المريع"، وأضافت: "أشعر باشمئزاز عارم الآن. أتمنى له السلامة".

غرّد الكاتب نيل غايمان: "أنا مصدوم ومفجوع بعد تعرّض صديقي للهجوم قبل إلقاء كلمة. هو رجل صالح ولامع وأتمنى أن يكون بخير".

أما المرشّحة الديمقراطية السابقة للرئاسة والكاتبة ماريان ويليامسون، فغرّدت ما يلي: "صلواتنا مع سلمان رشدي".

كذلك، أصدرت سوزان نوسيل، المديرة التنفيذية للمنظمة غير الربحية PEN America المعنية بالدفاع عن حرية التعبير عن طريق الأدب، بياناً جاء فيه: "تُعبّر منظمة PEN America عن أقصى درجات الصدمة والرعب بعد هذا الهجوم الوحشي والمتعمد ضد رئيسنا السابق وحليفنا القوي سلمان رشدي... لا يمكننا أن نتذكّر أي اعتداء عنيف وعلني بهذه الضخامة ضد الأدباء على الأراضي الأميركية".

ثم تابعت قائلة: "قبل ساعات قليلة على وقوع الاعتداء، أرسل لي سلمان رسالة إلكترونية للمساعدة في تأمين أماكن للكتّاب الأوكرانيين المحتاجين إلى ملجأ آمن بعيداً عن المخاطر الهائلة التي يواجهونها. لقد تم استهداف رشدي بسبب كلماته منذ عقود، لكنه لم يتأثر أو ينهر، بل كرّس طاقة هائلة لمساعدة مجموعة أخرى من الضعفاء والمُهددين".

كذلك، كتبت نايجيلا لوسون، كاتبة إنكليزية متخصصة بالطبخ وطاهية تلفزيونية: "إنه نبأ صادم أن يتعرّض سلمان رشدي للطعن. يا له من أمر مروع. أنا في حالة صدمة".

وكتب الروائي الإنكليزي الياباني الأصل، كازو إيشيغورو: "لقد كان شجاعاً جداً على مر هذه السنين، وكان يُعرّض نفسه للخطر طوال الوقت دعماً لحرية التفكير والتعبير. نتمنى أن يتجاوز هذه المحنة".

تعليقاً على الهجوم أيضاً، صرّحت الكاتبة والناشطة السياسية والبيئية الهندية، أرونداتي روي، لصحيفة "غارديان": "أنا مصدومة وحزينة لأقصى حد. لا شيء يبرر هذا الاعتداء". وقال الكاتب الإنكليزي المولود في تنزانيا، عبد الرزاق قرنح: "ما حصل يعكس اضطهاداً مريعاً لكل من يكتب عن مواضيع يفهمها. نحن نواجه هذا الوضع منذ وقتٍ طويل. كنا نظن أنه بأمان، لكننا اكتشفنا أنه ليس كذلك اليوم. يبدو أن الكتّاب لا يستطيعون رفع الصوت بل يواجهون خطراً محدقاً".

أخيراً، غرّد بنيامين حداد، عضو في حزب "التجمع الوطني" الفرنسي: "نحن نتضامن مع الكاتب الذي يشكّل رمزاً لحرية التعبير والشجاعة الفكرية في وجه التعصّب الإسلامي".


MISS 3