ريتا ابراهيم فريد

أطلق ورشة عمل "أنا بحسّ"

المخرج شادي الهبر: بالثقافة ننهض بالإنسان

18 آب 2022

02 : 01

خلال أحد التمارين المسرحية
يعيش دوماً في حالة نشاط واندفاع. وكلّما اشتدّت الأزمات في لبنان، إزداد إصراره على العمل والمساهمة في إعادة البريق إلى الحياة الفنية والثقافية. لا يكلّ ولا يهدأ، بين العروض المسرحية وورش العمل والتمرينات الحاضرة على مدار السنة، حتى بات يتنفّس الفنّ والمسرح. وحيث إنّ "مشاعرنا جزءٌ مهمّ منا وكثير من الأحيان ننساها ونهملها ومع الوقت يصبح من الصعوبة فهمها وتحديدها"، أطلق ورشة عمل عن اكتشاف المشاعر وتقديرها بعنوان "أنا بحسّ". "نداء الوطن" تواصلت مع صاحب مبادرة "مسرح شغل بيت" المخرج والمسرحي شادي الهبر، الذي تحدّث عن ورشة العمل الجديدة مشدّداً على أهمية الثقافة في الحفاظ على جوهر الإنسان.

ما سبب اختيارك بالتحديد موضوع المشاعر والأحاسيس في ورشة عمل "أنا بحسّ"؟

خلال عملي في "مسرح شغل بيت" منذ العام 2016، أو حتى خلال التمرينات التي أجريها في مناطق عدّة من لبنان، لاحظتُ مشكلة في موضوع التعبير عن الأحاسيس لدى الأشخاص المشاركين. وحيث إنّ التمارين التي نقوم بها تحمل ضمن أهدافها تحريك شيء ما في المشاعر، كنتُ أبادر إلى سؤالهم عمّا شعروا به عند نهاية كل تمرين، فكان معظم الأجوبة يذهب نحو التحليل، على حساب التعبير عن المشاعر الحقيقية، سواء كانت حزناً أم فرحاً أم خوفاً أم انزعاجاً.

وفي ظلّ الضغوطات اليومية التي نعيشها، بات تعبيرنا يتجسّد بطريقة نحن أنفسنا قد لا نفهمها، مثل الغضب أو الكلام القاسي أو الجارح الذي يأتي نتيجة كبت الأحاسيس. حتى أنّ ذلك قد يترجم أحياناً في عوارض جسدية وأوجاع. من هُنا أتت الفكرة. فجمعتُ عدداً من التمارين المختصّة فقط في شقّ المشاعـر، ووضعتُها في ورشة عمل خاصة. فكـانـت ورشة "أنا بحسّ".





خلال إجراء التمارين في الورشة، هل لاحظت هيمنة للمشاعر السلبية؟

بالتأكيد. خصوصاً مشاعر الحزن أو الغضب أو الخوف، التي نضعها عادةً في الإطار السلبي، لدرجة أنّ بعض المشاركين في الورشة يصل حدّ القول: "أنا ما بقى بدي حسّ حتى ما أوجع!". المشكلة أننا نعيش هذه المشاعر، لكنّنا نتجاهلها ونحاول أن نظهر العكس، فالأهمّ هو كيفية تعاملنا معها. وخلال ورشة العمل، حين عبّر المشاركون عن أحاسيسهم وفرّغوها أمام أشخاص لا يطلقون عليهم الأحكام، شعروا بالارتياح. من هنا ضرورة البحث عن أماكن لتفريغ المشاعر بطريقة صحيحة وصحية.

إذاً هل يمكننا أن نعتبر ذلك نوعاً من العلاج النفسي؟ أنا لستُ معالجاً نفسياً. لكنّني شاركتُ بعددٍ كبيرٍ من الدورات المتعلّقة بالعلاج النفسي، وحاولتُ تطوير ثقافتي في هذا الموضوع لسنوات قبل أن أباشر في هذا المشروع. فالدخول فيه خطر إن لم يكن الإنسان ملمّاً بكافّة التفاصيل.

وقبل البحث في موضوع العلاج بالدراما، مجرّد العمل في مجال التمثيل يساعد على تفريغ المشاعر، ويساعدنا على أن نشعر بالراحة والحرية، وعلى أن نكسر كل القيود كي نتمكّن من تجسيد الدور. هذا الأمر بحدّ ذاته يشكّل علاجاً لنا من دون أن نشعر.

بالعودة الى ورشة عمل "أنا بحسّ"، حاولتُ اختيار التمارين المختصّة فقط بالتعبير وفهم المشاعر. وحين ألاحظ أنّ أحد المشاركين يحتاج الى مساعدة أكبر، أوجّهه فوراً نحو إختصاصيين بالعلاج النفسي، علماً أنّه من خلال التمارين يكون قد باشر بالخطوة الأولى، وأدرك حاجته النفسية وحدّد مكانها.




ورشة العمل بدأت، وسوف تمتدّ حتى 24 آب الجاري. كيف كان الإقبال على المشاركة؟ وماذا عن التفاعل خلال التمرينات؟

الإقبال كان كبيراً جداً، رغم أنّي حاولتُ تقليص العدد كي أتمكّن من متابعتهم بشكل صحيح. لكنّي شعرتُ بسعادة كبرى حين لمستُ التعطّش الكبير لهذا النوع من ورش العمل. وبخصوص التفاعل، أنا نفسي استغربت. ففي البداية كنتُ قلقاً من تجاوب المشاركين مع التمارين، لأنّ هذا النوع من ورش العمل يختلف عن ورش تعليم التمثيل وورش إعداد الممثّل. لكنّي لمستُ لديهم طاقةً كبرى من التمرين الأول، حيث وصلنا بسرعة الى الأهداف المرجوّة، وبتنا جاهزين للتعمّق أكثر.

نحن نواجه اليوم فترة صعبة وانهياراً إقتصادياً. برأيك هل يمكن للثقافة أن تشكّل أحد الحلول للإنقاذ؟

بالطبع، ما تقولينه جوهريّ جداً. ونحن الذين نعمل في مجال الفنون والمسرح، يجب أن نتحمّل المسؤولية في موضوع الإنهيار الثقافي. فمن خلال الثقافة يمكننا أن ننهض بالإنسان. وفي هذه الفترة بالذات، لا شكّ في أنّ الدور الثقافي يجب أن يكون كبيراً جداً، ومن الضروري ألا نهمله. الثقافة تحافظ على جوهر الإنسان، وإذا فقد هذا الجوهر، لا يمكن حينها إعادة لملمته حتى لو أنقذنا الإقتصاد.

لذلك نحن نلملم أوجاع الناس ونحاول ترميمها من خلال ورش العمل أو المسرحيات، وهكذا تبقى الثقافة حاضرة في حياتنا. الحضور الثقافي يجب أن يكون أساسياً خلال الأزمات. أهلنا الذين عاصروا الحرب اللبنانية يذكرون كيف كان الناس يلتجئون إلى المسرح الذي كان يمنحهم فسحةً للانسلاخ عن الواقع، كمسرحيات الفنان زياد الرحباني على سبيل المثال.



خلال التمارين المسرحية




أنت ما زلت مستمرّاً بتقديم العروض والمسرحيات كل شهر تقريباً. من أين تستمدّ اندفاعك لمتابعة العمل الثقافي في ظلّ كل الإحباط الذي نمرّ فيه في لبنان؟

أنا بطبعي شخص إيجابي، وأحاول دوماً أن أنظر الى الحلول قبل رؤية المشاكل. إضافة الى ذلك، مع بداية الأزمات في لبنان منذ العام 2019، أيقنتُ أنّنا نعيش في خوفٍ وقلقٍ مستمرّين، وأنّنا معرّضون للرحيل في أيّ لحظة. فنحن خسرنا الكثير بشكل مفاجئ إثر توالي الأزمات، وبالتالي قد نخسر مجدداً أي شيء.

شعور الخوف الذي كان يتملّكني في السابق كان يمنعني من المبادرة. لكن اليوم لماذا عليّ أن أتوقّف عن العمل؟ ما الذي يمكن أن أخسره؟

من هُنا أدركتُ ضرورة الحفاظ على التوازن بين تأمين مدخول يمنحني حياة كريمة، وفي الوقت نفسه القيام بعملٍ أحبّه.


MISS 3