وليد شقير

الفريد فريد مكاري

19 آب 2022

02 : 00

ما أصعب الحديث عن إحدى الشخصيات الفريدة من نوعها مثل فريد مكاري في هذه الغابة من النماذج السياسية التي تتحكّم برقاب اللبنانيين! وما أسهل اكتشاف ما يميّزه من هذه النماذج في الوقت نفسه!

رحيل أبو نبيل، يترك غصّة توقظ في عقولنا مدى الحاجة إلى صنف من الرجال يتناقص عددهم مع تقادم الزمن، إذ يجمعون بين الكفاءة الشخصية وعوامل النجاح في الحياة الخاصة قبل دخولهم المعترك السياسي، فلا منّة عليهم بسبب تبوّئهم مناصب الخدمة العامة. هم أضافوا إليها بدلاً من أن تزيد من رصيدهم، وباتوا مثالاً للنزاهة والشفافية والممارسة النظيفة، وسط بحر التلوث الأخلاقي الذي بات مصدراً لزعامة أو دور أو نفوذ، يسهل غشّ عامة الناس بظروفه، باسم الشطارة، التي تعني أن تسلُّمَ مقاليد السلطة، أيّ سلطة، يساوي التمكن من الارتقاء الاجتماعي والحصول على فرص مقايضة القانون بالمال والانتفاع إلى أقصى الحدود.

لم تغرِه فرصٌ كثيرة ليتعامل من موقعه على طريقة صرف النفوذ، كأحد أقرب المقربين من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الموثوقين، بعدما قرر خوض المعترك النيابي. ولم يكن ذلك تصنعاً أو تواضعاً زائفاً، بل سلوكاً تلقائياً لا يحتاج إلى وازع. فهو ترشح للنيابة في العام 1992 ليس انطلاقاً من علاقته بالحريري الأب بل بالاستناد إلى قاعدة شعبية بنتها صلة العائلة مع الناس وحاكها والده على مرّ السنين. عدّ الانخراط في العمل السياسي نشاطاً نبيلاً فأبقى على صداقته مع منافسيه في الانتخابات. حمل هموم الكورة وأبنائها بانتقاله مباشرة إلى الوزارات لتأمين خدماتها. ولم يكن من أولئك الذين يحتكرون صداقة أبو بهاء، الذي عاش وإيّاه يوميات الحياة والعمل في «سعودي أوجيه» في السعودية، بل كان يرشد من يتعاملون مع رفيق الحريري إلى أسلوب التعاطي معه وطريقة كسب ثقته. شهامته كانت أحد مصادر ثقته بنفسه، مع كثير من البساطة والواقعية والوضوح في الرؤية.

اكتشف خلال دوره النيابي وكنائب رئيس البرلمان كم أن النظام السياسي الطائفي علّة البلد، وتمنى لو يرى اقتراح الرئيس نبيه بري البدء في إجراءات إلغاء الطائفية السياسية النور حسبما نصّ الدستور. إلا أن براغماتيته الفطرية لم تحل دون أن يراعي المزاج المسيحي الشعبي العام، كارهاً الغلوّ في ادّعاء الدفاع عن حقوق المسيحيين. تفادى فريد مكاري في إظهار قناعاته وضعية من يدّعون معرفة الحقيقة المطلقة. هو يبادر إلى سؤال محدّثيه عن رأيهم ليستمع بجدية، قبل أن يدلي برأيه، حتى لو كان حاسماً.

عاجل المرض فريد مكاري وحرمه من التمتع بقراره الابتعاد عن العمل السياسي اليومي، منذ أن عزف عن الترشح للانتخابات النيابية في العام 2018 بعدما أخذ قراره بأن حان الوقت كي يمارس تقاعده وينصرف إلى ذاته «فهذا حقي» كما كان يقول. لم يستطع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري ثنيه عنه، لأن رئيس الحكومة السابق «يعرف أني آخذ خياراتي عن قناعة». ابتعد أبو نبيل عن النيابة وتفاصيلها، لكنه ظل قريباً من ابن صديقه الشهيد رفيق الحريري، فالوفاء من طبيعته. وحين احتاج الأخير إلى مشورته ودعمه في المعارك التي خاضها في السنتين الأخيرتين قبل أن يقرر تعليق العمل السياسي، حضر اجتماعات كتلة «المستقبل» النيابية إلى جانبه متضامناً معه، مع أنه خالفه خياره تأييد ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة في العام 2016 وامتنع عن التصويت له، على رغم طلب سعد الحريري منه تأييد هذا الخيار. كان يتوقع الفشل الذي سيؤول إليه البلد لكنه لم يكن ينتظر هذه الدرجة من الاهتراء.

مع أن حساباته الواقعية أفضت به إلى التسويات في الرئاسة، كان فريد مكاري يحلم برئيس للجمهورية من صنف من كان يعتبرهما صديقين، نسيب لحود، وجان عبيد.


MISS 3