نجم الهاشم

البقاء في القصر... سيناريو جهنم

20 آب 2022

01 : 59

هل يعود قصر الشعب؟

يقال مثلا إن رئيس الجمهورية ميشال عون لن يبقى دقيقة واحدة في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول المقبل ولكن جبران باسيل ما رح يخليه يفلّ.

كلما اقترب موعد 31 تشرين كلما زادت التوقعات بأن الرئيس لن يغادر القصر. عندما تحدث سابقاً عن أنه لن يسلم إلى الفراغ أو أنه لا يمكن أن تتسلم صلاحيات الرئيس حكومة تصريف أعمال ساد لغط حول تفسير كلامه بين من أكد أنه سيترك القصر وبين من أكد أنه سيبقى. في النتيجة خيار البقاء أو المغادرة ليس وقفاً على الرئيس عون وحده وليس خياره وحده.

سيناريو الرحيل سهل. رئيس الجمهورية أميل لحود ترك قصر بعبدا ليل 23 تشرين الثاني 2007 ولم يسأل عمن هي الحكومة التي ستتسلم صلاحيات الرئاسة. مع أنه كان يعرف أنها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وأن الوزراء الشيعة كانوا مستقيلين منها مع وزير تابع له لم يتردد في حزم حقائبه وإقفال الباب على تسعة أعوام من الولاية. ومع أنه كان رئيسا محسوباً بالكامل على النظام السوري و»حزب الله» لم يمانع في صيف 2005 من توقيع مراسيم الحكومة التي شكلها الرئيس السنيورة وكانت بأكثرية 14 آذار وكان يدرك أنها ستحاصره وتحاصر عهده وستتسلم السلطة بعده.



عون وباسيل ونصرالله: هل يتم دعم بقاء عون في القصر؟



وفي 24 ايار 2014 حزم الرئيس ميشال سليمان حقائبه أيضا وترك القصر قبل منتصف الليل بعد احتفال وداعي وكان يعرف قبل عامين أن السلطة ستؤول إلى حكومة الرئيس تمام سلام التي تشكلت على خلفية أن لا انتخابات رئاسية طالما أن الأكثرية ليست مؤمنة لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد تعطيله مع «حزب الله» نصاب جلسات الإنتخاب.

اليوم يقف عون عند مفترق الخيارات نفسه. دستورياً لا يمكنه أن يبقى بغض النظر عما إذا كانت هناك حكومة مكتملة المواصفات أم لا لتتسلم السلطة. المسألة لا تتعلق بوجود هكذا حكومة من عدمه بل بضرورة وحتمية حصول انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً له قبل انتهاء ولايته ليسلم السلطة إلى رئيس جديد. ولكن طالما أن هذا الإستحقاق بات محفوفاً بالمخاطر مع وجود شبه تسليم بأنه لن يحصل، كثرت التوقعات التي تقول إن الرئيس عون لن يغادر القصر وثمة سيناريوات تعد لمثل هذا الإحتمال وهي ليست بالضرورة سيناريوات تخضع لمعيار ما إذا كانت دستورية أو غير دستورية. لأن القرار بالبقاء من عدمه يستند إلى قوة الأمر الواقع وليس إلى قوة الدستور. كما حصل في العام 1989. بعد انتخاب الرئيس رينيه معوض في 5 تشرين الأول لم يعد وجود العماد عون في قصر بعبدا شرعياً ولا قانونياً ومع ذلك بقي. وكانت بقيت في المقابل حكومة الرئيس سليم الحص وهي أيضاً لم تكن تتمتع بصفة الشرعية والقانونية.



عون الجنرال



اعتبر كثيرون أن محاولة تمرير بندين على جدول إحدى جلسات مجلس الوزراء لإنهاء خدمات قائد الجيش العماد جوزاف عون وحاكم البنك المركزي رياض سلامة يتعلقان بمسألة إمساك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالموقعين بعد خروج العماد ميشال عون من قصر بعبدا. ولكن في الواقع إن النظرة الواقعية للمسألة تفترض أن تغييرهما كان بهدف تثبيت بقاء عون في قصر بعبدا من ضمن العدة المطلوبة للبقاء. في العام 1988 كان عون قائدا للجيش ورئيسا للحكومة العسكرية ولم يكن عنده مشكلة في مسألة الإمرة السياسية والعسكرية. أما اليوم فالوضع مختلف. لا يخضع العماد جوزف عون لسلطة رئيس منتهية ولايته يريد أن يخالف الدستور ويبقى في القصر.

في العام 1988 أيضا كانت هناك مشكلة عاشها عون مع حاكم البنك المركزي إدمون نعيم الذي أقفل حنفية المال عن المصاريف التي لم يكن موافقاً عليها واكتفى بالضروري منها الأمر الذي جعل عون يتكل على تمويلات خاصة وتبرعات. اليوم المسألة مختلفة مع رياض سلامة. الرئيس عون إذا بقي في بعبدا يريد أن يضمن مسبقاً ولاء قيادة الجيش وحاكمية البنك المركزي لأنه يحتاج إلى الغطاءين المالي والأمني وهما غير متوفرين. من ضمن هذه الخلفية يعيد البعض مسألة إعطاء مأذونية طويلة لقائد الحرس الجمهوري العميد بسام الحلو.

ولكن هل يمكن في ظل هكذا أوضاع مهترئة أن يكون هناك سيناريو شيطاني جهنمي للبقاء في القصر؟



الدخول إلى القصر... ماذا عن الخروج؟



يعتبر متابعون أن مثل هذا القرار يحتاج إلى غطاء شعبي وسياسي وأمني. طالما أن «حزب الله» لم يتمكن من إيصال رئيس جمهورية موال له مئة في المئة كالرئيس عون فهو لن يمانع ربما في بقاء عون في بعبدا. وقد يدعم هذا الخيار ويغطيه. ولذلك يتوقع المتابعون أن مؤشرات هذا الخيار ستبدأ قبل أيام من 31 تشرين بدعوة الشعب العوني للإعتصام في القصر بحيث يعود قصر الشعب كما حصل في العام 1990.

يستفيد عون من واقع أنه لا توجد سلطة قادرة على إخراجه من القصر بالقوة. من يصدر مثل هذا القرار؟ من هي السلطة المخولة بذلك؟ وأي قوى عسكرية أو أمنية يمكن أن تخرجه من دون وجود قرار من هذا النوع؟ بطبيعة الحال عندما يصبح عون رئيساً سابقاً للجمهورية يصبح القصر الجمهوري تحت إدارة مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير تماماً كما كان الوضع في مرحلة الفراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. فهل يستطيع شقير مثلاً أن يأمر الرئيس عون بالمغادرة على أساس أن إقامته في القصر باتت غير شرعية؟ وحتى لو اتخذ مثل هذا القرار فمن ينفّذه؟

أمنياً يصبح القصر ومحيطه تحت سلطة لواء الحرس الجمهوري العسكرية التابع لقيادة الجيش. ولكن ماذا إذا كان عون الرئيس يمون على الحرس؟ هل يمكن أن يبدل قائد الجيش الحرس الجمهوري قبل 31 تشرين؟ وماذا إذا استقدمت أعداد من المسلحين التابعين للتيار الوطني الحر بتغطية أمنية؟ هل يمكن أن يحصل صدام عسكري بين الجيش اللبناني والقوى الموالية لعون؟

أكثر من ذلك، ثمة من يعتبر أن الحكومة حتى لو كانت تقوم بتصريف الأعمال يمكن أن تتسلم صلاحيات الرئيس، ولكن من يضمن أن هذه الحكومة ستبقى واحدة؟ من سيناريوات جهنم أن يتم تقسيم الحكومة. من هم الوزراء الذي يتبعون عون؟ هؤلاء يمكن أن يجتمعوا معه في القصر وأن يديروا وزاراتهم بتوجيهات منه أو من جبران باسيل بحكم واقع الحال. ومن هم الوزراء الذي لا يتبعونه؟ هؤلاء يمكن أن يبقوا مع الرئيس نجيب ميقاتي في السراي ويؤمنوا عمل وزاراتهم. بينما سيكون الوضع مشلولاً عمليا في كل الوزارات التي ستتوقف عن العمل ولن تكون هناك حكومة فعلية. وأي حكومة جديدة قد تشكل قبل انتهاء الولاية من أجل تأمين مصالح باسيل لا يمكن أن تخرج عن هذه القاعدة وعن هذا المصير. وإذا كان عون في العام 1988 بقي في قصر بعبدا بنصف حكومة يمكنه أن يبقى بأكثر من نصف حكومة خصوصا إذا كان «حزب الله» سيدعمه بالوزراء المحسوبين عليه وعلى محور الممانعة.

هي عملية انتحار يعتبرها البعض. ربما. ولكن عون لا يهمه أن يخسر بقدر ما يهمه أن لا يربح منافسوه. وهو يدرك أن خروجه من القصر سيكون بداية نهاية تياره وانتهاء دور صهره جبران باسيل الذي يبقى خيار بقاء عون في القصر أحد أطواق النجاة التي يتمسك بها معتبراً أن هذه الورقة لا يتخلى عنها إلا في حال انتخابه رئيساً للجمهورية تماماً كمرحلة التعطيل التي اعتمدت لإيصال عمه.