كارين عبد النور

من فرنجية وباسيل وبارود وعسّاف... إلى مرشد ضاهر

الرئاسة في حدّها الحدّ بين الجدّ واللعب

20 آب 2022

02 : 00

نحن، من حيث المبدأ، على موعد وشيك لانتخاب رئيس جديد للجمهورية إن «نقشت» مع الرئيس بري من الجلسة الأولى أو الثانية. وكلّما اقترب ذلك الموعد المُنتظر قبل 31 تشرين الأول، كلّما انتابنا ذلك الشعور بأنه ابتعد. لكن ما علينا. يكفي أن يكون اللبناني مارونياً ليصبح مرشّحاً...كامل الأوصاف بنظره.

هناك من تُفرض أسماؤهم «أوتوماتيكياً» بِحُكم السياسة وتوازناتها. وثمّة من يتمّ التداول بحظوظهم في الكواليس تحسّباً لما تفرضه رياح التسويات التي تهبّ من هنا وهناك... وهنالك. ثم هناك آخرون ممّن يُرشَّحون، وَهُم آخر من يعلم، مدعومين باستفتاء أو إحصاء أو استبيان، سمّوه ما شئتم. أما الأكثر إصراراً من بين المرشّحين، فَهُم أؤلئك الذين يعاودون الترشّح دورة تلو أخرى على قاعدة «إلّا ما تظبط بالآخر». لكنّ للديموقراطية حدوداً.

هل سمعتم بمرشّحين رئاسيين لم يعلنوا ترشيحهم أصلاً؟ وهل وقع مؤخّراً نظركم في الطرقات العامة على إعلانات مرفوعة لمرشّحين رئاسيين من خارج النادي التقليدي؟ أهلاً بكم في زمن الانتخابات. فكما أن هناك أسماء ثابتة راسخة ليست بحاجة لإعلان، هناك أسماء أخرى بحاجة للشيء الكثير منه. أسباب ترشّح من ينتمون إلى الفئة الثانية وحظوظهم، نتطرّق إليها لاحقاً. لكن لنرجع بداية بالزمن بعض الشيء إلى الوراء.



عنوان واضح



زحمة مرشّحين

منذ الاستقلال، إنتخبت المجالس، بوحي من الضمائر المستترة، 13 رئيساً للجمهورية، ثلاثة منهم أتوا بعد فراغ رئاسي: رينيه معوّض، ميشال سليمان وميشال عون؛ اثنان تمّ اغتيالهما: بشير الجميّل ورينيه معوّض؛ ومعظمهم سعوا لتجديد الولاية أو للتمديد ونذكر منهم بشارة الخوري، الياس الهراوي وإميل لحود و... أفلحوا.

ماذا عن هوية الرئيس الرابع عشر؟ الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، لا يستبعد أن يكون لبنان أمام فراغ رئاسي جديد. ويوضح لنا أنه «رغم قيام مجلس النواب ظاهرياً بانتخاب رئيس الجمهورية، إنما تبقى التسويات الدولية الناخب الذي يختار الرئيس فعلياً». وأشار إلى وجود أربعة مرشّحين أساسيين في هذه الدورة، وهم قائد الجيش، العماد جوزاف عون، سليمان فرنجية، سمير جعجع وجبران باسيل. غير أن المعطيات تشير، بحسب شمس الدين، إلى أن المعركة ستنحصر بين عون وفرنجية. لكن هذا لا يمنع وجود عدّة أسماء أخرى مطروحة مثل وزيري الداخلية والبلديات الأسبقين مروان شربل وزياد بارود، سفير لبنان لدى الفاتيكان فريد الياس الخازن، المديرة العامة لمنظّمة المرأة العربية فاديا كيوان، رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر، وزير المال الأسبق جهاد أزعور، الرئيس التنفيذي للخدمات المصرفية العالمية والأسواق لمجموعة HSBC سمير عساف، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وغيرهم. وبالعودة إلى الإعلانات، يطلّ علينا مرشّحون على غرار رئيس حزب الإنقاذ البيئي، بشارة أبي يونس، ورجل الأعمال المثير للجدل والغائب عن السمع، مرشد ضاهر، اللذان يعيدان الكرّة بعد خيبة الدورات السابقة.





بول مرقص



سؤال يطرح نفسه هنا: ما هي الشروط التي تُحدّد على أساسها مواصفات الرئيس المنتخب وهل يُنظّم القانون عملية الترشّح للانتخابات أم أن يكون اللبناني مارونياً هو الشرط الأول والوحيد؟



من يكسر الحواجز؟



الثالثة... لن تكون الثابتة





في اتصال مع «نداء الوطن»، رأى رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية، المحامي الدكتور بول مرقص، أن المرجع الوحيد الذي يُحدّد مواصفات الرئيس هو الدستور اللبناني وتحديداً المادة 49 منه التي تنص على أن رئيس الجمهورية هو رمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. ويضيف مرقص: «الصفات الرئاسية تُستشفّ بالتالي من هذا النص، بمعنى أنه ليس هناك شروط أخرى لانتخاب رئيس للجمهورية، كأن يحوز على شهادة علمية أو أن يكون نائباً أو أن يحظى بتمثيل شعبي، مثلاً. فجلّ ما نص عليه الدستور هو نوعية وأهمية الدور الذي يلعبه الرئيس وتوفّر القدرة لديه والقابلية للقيام بهذه الأدوار الدستورية الفائقة الأهمية».

في حيثيات عملية الانتخاب، «تكمن العبرة في أن يحوز المرشّح على أصوات النواب بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، وبالغالبية المطلقة في الدورات التي تلي. فلا ميزة في هذا الإطار لأحد على الآخر»، يقول مرقص. مع الإشارة هنا إلى أنه بإمكان النواب انتخاب رئيس ممّن لم يعلنوا ترشّحهم سواء كان من السياسيين التقليديين أم لا. «لا لزوم للترشّح ولا لإعلانه رغم أنه يُفضّل أن يكون هناك رؤية للرئيس - كي لا نقول برنامجاً - لأن ليس لدى الأخير صلاحيات لا بل رؤية تنفيذية»، والكلام دوماً لمرقص.

نسأل عن الترشيحات «المعدومة الحظوظ» التي تشهدها بتفاوت الدورات المختلفة، ومنها الحالية، خاصة وأن بعض المرشّحين هم من الراسبين في الانتخابات النيابية أو لم يحالفهم الحظ في الدورات الرئاسية السابقة. الجواب، بحسب مرقص، يشير إلى عدم وجود مانع قانوني لمن رسب في الانتخابات النيابية بأن يكون مرشّحاً رئاسياً، لكن ذلك ليس بالأمر الحميد على اعتبار عدم إثبات المرشّح حصوله على الشرعية الشعبية المطلوبة وبالتالي يكون قد انتقص بنفسه من حظوظ وصوله الى سدّة الرئاسة.

عن هؤلاء الذين يترشّحون ولا فرص كبيرة لهم بالنجاح، يكون ذلك إمّا على سبيل الدعاية الشخصية أو حتى بهدف تسجيل موقف أو إحداث كوّة في الجدار الرئاسي، وفق ما كان يردّد الدكتور بيار دكاش. وهي واقعة ذكّرنا بها مرقص قبل أن نختم معه عندما ترشّح الأخير إلى رئاسة الجمهورية في نهاية الحرب اللبنانية حيث لم يتجرّأ أحد على إعلان ترشّحه. حينها، كان دكاش يصرّح بذلك علناً وجهاراً من على درج بكركي وغيرها من الصروح، حيث كان يجول على المرجعيات السياسية لكسب تأييدها، رغم يقينه بأن حظوظه من منظار السياسة التقليدية ضئيلة. وهي في الواقع محاولة يلجأ إليها البعض لكسر الحاجز التقليدي القائل بوجوب أن يحظى المرشّح الرئاسي بدعم دولي أو حتى بتأييد الطبقة السياسية التقليدية. فهل هو حقاً حاجز قابل للكسر؟



غادة عيد



صفر حظوظ

وصل خبر ترشّح غادة عيد من خلال استفتاء شعبي أقيم عبر أحد المواقع الإلكترونية شمل أسماء مرشّحين ومرشّحات موارنة لم يحالفهم الحظ في الانتخابات النيابية الأخيرة . وحلّت في المرتبة السادسة من أصل عشرة مرشّحين، كما تمّ إبلاغها «فعلاً لا أدري من قام بالاستفتاء ولم أروّج لعملية التصويت لي. لكن رغم ذلك، لم أرفض ولم يكن من مانع لدي. فنحن نمارس العمل السياسي حتى لو انعدمت حظوظنا في الوصول. يجب أن نبرهن للشعب ولجمهور الثورة خاصة أن لدينا بدائل. هناك الكثير من السيّدات والرجال الذين يتمتعون بالكفاءات الكفيلة بإيصالهم إلى المواقع الأولى في البلد». قالت عيد لـ «نداء الوطن».

- لكنك لم تُوفَّقي في الانتخابات النيابية الأخيرة، فعلام عملياً الاتّكال في تلك الرئاسية؟

« لقد حصلت على 3000 صوت، وبمجهود شخصي، دون أن أقبل المساومة مع أي حزب أو منصّة. انا لا أستسلم وسأتابع في العمل السياسي لأنني أؤمن ليس فقط بالتغيير وإنما بحاجتنا إلى الثورة».

لنعود قليلاً إلى الواقع ونتحدّث عن حظوظ النجاح في مواجهة حيتان المنظومة السياسية. الترشّح بالنسبة لعيد، رغم أنها تدرك جيّداً أن لا حظوظ لديها في الوصول إلى بعبدا، يأتي لتقول «ما زلنا موجودين. لقد رُشّحت كوني من الطائفة المارونية وأنا حاضرة للعمل السياسي رغم أنني قد لا أحصل على أي صوت. ليس لدينا نواب يريدون إيصال شخص مستقل، تغييري وثوري. فهذا ضرب من الخيال مع هكذا منظومة».

عيد لفتت الى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى رئيس قوي يتمتع بصفات ثلاث: النزاهة والمعرفة والشجاعة. فالرئيس هو سيف حق وعدل وقانون، وبإمكانه، حين يكتشف أي مكمن فساد أو مخالفة دستورية وقانونية، تحريك القضاة والقوى المسلّحة لمنع ما يحصل. كما أن من واجبه السهر على حسن تطبيق القوانين والدستور. وعدا عيد تم التداول الإعلامي باسم النائبة ندى البستاني ومي الريحاني إلى ترايسي شمعون وفاديا كيوان وكلودين عون ( روكز سابقاً) وجوزفين زغيب وغيرهن كمرشحات للرئاسة الأولى.



محمد شمس الدين



المنقذ الفدائي!

والآن إليكم نموذج آخر مختلف كل الاختلاف عن المرشّحين: المهندس بشارة أبي يونس، رئيس حزب الإنقاذ البيئي وصاحب الصورة على لوحات إعلانية انتشرت في الآونة الأخيرة على الطرقات. ترشّح في العامين 2009 و2018 إلى الانتخابات النيابية دون أن يُوفَّق. وها هو يعاود ترشّحه إلى الرئاسة بعد أن خاض التجربة ذاتها في العام 2016. نتّصل - بلا موعد مسبق - بأبي يونس الذي يبادرنا بأن ترشّحه المتكرّر هو انتفاضة على الإقطاع السياسي بجميع أوجهه، إذ من حق الشعب أن يكون له ممثّلون منه وله.

ما هي أدوات قوّة حضرة المرشّح؟ «أعتمد على قدراتي الشخصية وعلاقاتي مع الخارج كما مع بعض الجهات في الداخل الذين لا يمكنني تسميتهم. لقد تواصلت مع الرئيس الفرنسي الحالي وهو أخذ برنامجي بالاعتبار. فليعلم الجميع أنّي قوي ولست ضعيفاً». هكذا وبكل ثقة يجيبنا أبي يونس متمنّياً على الرئيس المستقبلي التخلّي عن الأنا والالتفات إلى الشعب الفقير لا الى الصفقات التي تراكم ثروات الأغنياء.

نسأله أيضاً عن تجربته الأولى ودروسها، فيشير إلى أنها لم تكن ناجحة إلا أنه تمكّن من فهم اللعبة السياسية وكيف يجب تسيير عمليات التواصل والتركيبات المتوازنة بين الداخل والخارج. وكونه يؤمن بديمومة لبنان ويريده أفضل مما كان، «سأكمل بالمعركة حتى لو لم أنجح كنموذج عن رجل لديه مبادئ ومثل عليا. المعركة ما زالت في بدايتها. حظوظي إما 1 % أو 100%. الاتكال هو على أصحاب العقول النيّرة الذين يريدون خلاص لبنان من المنظومة والطبقة الحاكمة والفاعليات كافة. إنهم بحاجة الى رئيس مثلي لتحقيق هذه الأهداف».

أبي يونس لا يكتفي بهذا القدر بل يحدّثنا بلغة الواثق عن أنه سيستمد صلاحياته من الشعب قاطعاً الطريق أمام التدخلات الخارجية، عاملاً بجهد من أجل تأمين ضمان الشيخوخة والبطاقة الصحية والمدارس والكهرباء والاستشفاء... وتسليح الجيش وقوى الأمن ومحاربة الفساد والفاسدين. فهو يريد أن يكون «الرئيس المنقذ الفدائي للبنان».

نطرب لهذا الكلام. لكن أغلب الظن أن أبي يونس كغيره من الطامحين - أكانوا «غير تقليديين» أو»فدائيين»، لا فرق - يدركون جيّداً أن اللعبة في مكان آخر.