خالد العزي

المخابرات تُسيطر على الديبلوماسيّة الروسيّة

20 آب 2022

02 : 01

يُعتبر لافروف أحد أبرز وجوه النظام الحاكم في موسكو (أ ف ب)

لا تزال قضية إبعاد الديبلوماسيين الروس من الدول الغربية تتفاعل بشكل واسع، إذ باتت العملية شبه يومية. ربّما كانت أوكرانيا هي نقطة الضوء البارزة للإبعاد، لكن المشكلة بدأت منذ أن أعلنت بريطانيا وسلوفاكيا إبعاد جواسيس - ديبلوماسيين روسٍ على اثر حوادث اغتيال نفّذتها المخابرات الروسية في دول أوروبّية مختلفة، فكان اكتشاف جواسيس في قلب القنصليات والسفارات يعملون لصالح موسكو، ما مهّد لبدء أزمة ديبلوماسية فاضحة. ومع استمرار تدهور العلاقات بعد سلسلة من المناوشات الديبلوماسية بين موسكو والغرب، تعهّدت روسيا بردّ "غير متكافئ" إزاء تعرّضها لمزيد من "التهديدات والاستفزازات" من خصومها. السؤال الملح الذي يطرح على الجميع: كيف سينتقم الكرملين لنفسه في ظلّ ما يحصل؟ وهل ديبلوماسية لافروف هي الرد الحقيقي؟

عندما تفكّك الاتحاد السوفياتي في أواخر 1991، ظنّ المراقبون أن الحرب الباردة انتهت إلى غير رجعة، غير أن المتابع لمسار الأحداث يعلم جيّداً أن ذلك لم يحدث، على الرغم من أن العالم بقي رهينة لتوجهات اقتصادية وعسكرية تقودها الولايات المتحدة ومن بعدها الدول الأوروبّية في مواجهة روسيا الصاعدة آنذاك. يشدّد وزير الخارجية الروسي الأسبق أندريه كوزيريف على أنه في السفارات تعمل المخابرات العالمية، "لكنّني حدّدت دورها واقتصر على كتابة تقارير لتبرير وجودهم وإقامتهم وإنفاقهم في الخارج". لكن في عهد وزير الخارجية سيرغي لافروف باتت المخابرات تُسيطر على الهيئات الديبلوماسية، وقد وضعت روسيا في مأزق ديبلوماسي كبير.

ومع بروز فلاديمير بوتين، رجل المخابرات السوفياتي السابق، ووصوله إلى سدّة الحكم، وما شهده من تغييرات دولية وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حاولت روسيا إعادة الأجواء إلى مرحلة الحرب الباردة في ظلّ النزعة الغربية لحشر الروس في زاوية أفعالهم، ما عزّز حركة المخابرات وبروز دورها في الغرب، وبات وجودها مزعجاً للجميع.

لقد تم تعزيز دور المخابرات الروسية في أوروبا، وباتوا يأكلون ويلبسون في أغلى الأماكن، ويتصرّفون كونهم أصحاب الكلمة النهائية، ما أضعف دور الديبلوماسية مع البيئة الأخرى. انتصر نهج كتابة التقارير على ما ينشر في "الصحافة الصفراء"، كونها تُهدّد الأمن القومي الروسي عبر نظرية المؤامرة المتواجدة في العقل والخيال الروسي.

وبعد الحرب في أوكرانيا، بات الغرب يُفعّل عملية الاستبعاد للديبلوماسيين الروس لتوجيه رسالة قوية تُدين الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن البعض يخشى أن تكون هذه الإستراتيجية محفوفة بالمخاطر على الصعيد الديبلوماسي وأن تؤدّي إلى شلل المؤسّسات الدولية.

يعتبر رئيس الوزراء الروسي السابق ميخائيل كاسيانوف في عهد بوتين أن الديبلوماسية الروسية أصبحت في خدمة القيصر، وتحوّل لافروف من ناشط ديبلوماسي وضليع بالعمل الديبلوماسي إلى بوق للنظام، والسفارات تحت إمرة المخابرات الروسية في الغرب، وهؤلاء من يُحدّد سياستها وعلاقتها بالخارج.

لقد تحوّل لافروف من تلميذ نجيب في مدرسة يفغيني بريماكوف، بقناعته الكاملة بأنّ الديبلوماسية قوّة لا تقلّ تأثيراً وفاعلية من قوة الأسلحة الروسية في ميدان الحرب مثل الكلاشنيكوف، وصواريخ "أفانغارد" و"كينجال" الأسرع من الصوت، إلى مسوّق للنظام. ترأس لافروف الديبلوماسية منذ العام 2004، وحظي بحب واحترام كلّ الرؤساء الروس الذين عاصرهم. الرئيس الروسي بوريس يلتسين هو من منحه فرصة الدفاع عن مصالح روسيا الاتحادية في مجلس الأمن عندما كانت روسيا وقتها تتلمس طريقها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وكانت في هذا التوقيت على حافة الهاوية، كما كانت صورتها في الخارج، خصوصاً في الغرب، تحتاج إلى رؤية لافروف الذي يؤمن بأنّ "الأمم لا تنسحب من التاريخ"، وحتّى لو مرّت عليها ظروف وحالات من عدم اليقين، فسوف تعود أقوى وأقوى من جديد. لقد بات لافروف يعرف ثمنه جيّداً، إذ يُعدّ أحد أهم الأشخاص في مجموعة "سيلوفيكي"، ذات التأثير القوي التي يستعين بها بوتين دوماً عند اتخاذه القرارات المهمّة، بل أكثر من ذلك، يعتبر البعض ان الديبلوماسي الروسي العتيد لافروف، هو الندّ والكفؤ الموضوعي لرئيس جهاز الأمن الفدرالي الروسي.

لقد أضحى لافروف الأرمني القومية والروسي الهوية سلاح بوتين للديبلوماسية الخشنة، لا سيّما أنه قادر على التعبير عن موقف الكرملين بمزيج من الصلابة والسخرية وتحويل الكلمات إلى صفعات. لكن الفوقية والعجرفة في التعامل مع الآخرين، وحبّه للسيغار الكوبي والويسكي الإيرلندي، وشغفه بمشاهدة الكرة وتعلّقه بالعيش بين نيويورك ولندن، جعل منه إنساناً متطرّفاً يُطبّل للنظام الحالي، بحيث أصبح يرى "العالم هو روسيا".


MISS 3