شربل داغر

هادي مطر أو الإغتيال الهوليوودي

22 آب 2022

02 : 01

إذا كان تفجير "القاعدة" في نيويورك، قبل أزيد من عشرين سنة، قد كشف سقوط نظرية كون الولايات المتحدة الأميركية "جزيرة" منعزلة أمنياً عن بقية العالم، فإنّ هذه النظرية غريبة، لكون الدولة الأقوى في العالم "منغمسة" أمنياً أينما كان. إلا إذا كان المقصود من ترويج هذه النظرية الإعلاء من قوة الأمن الأميركي الداخلي.

حادثة اغتيال سلمان رشدي الفاشلة أثبتت، مرة ثانية، بطلان هذه النظرية. بل أظهرت ما هو أدهى للمجتمع الأميركي. وهو أن "الشرّ الإسلامي" (حسب تعبير أميركي) بات في الداخل الأميركي، ما يجعل حادثة الولايات المتحدة الأميركية شبيهة بما جرى في فرنسا وبلجيكا ولندن وغيرها من المدن الأوروبية.

وهذا لم يعنِ الإتيان بإرهابيين من مدن إسلامية إليها، بل من ضواحي المدن الغربية نفسها.

وهم من مواليد هذه المدن، ما يعني أن ما يسمّى "التربية" الغربية، والديمقراطية، والتعايش الديني، لم تولد أبناء صالحين، ولا مواطنين أسوياء.

فأحفاد المهاجرِين، وأحفاد أحفادهم (في أحوال) هم من يَنتقمون من بلدان استقبلتْهم، ورعتْهم، وعلّمتْهم، فيما هؤلاء يدافعون عن معتقدات تسري في مجتمعات وجماعات "هربَ" آباؤهم أو أجدادهم منها.

وعنى هذا أن توجيهات "الولي الفقيه" بقيت أشدّ تأثيراً على هادي مطر (على الأقل) من تعاليم لافاييت ولينكولن.

محاولة الاغتيال هذه كشفتْ عن أن "الهوية" (أو تهويماتها أو وساوسها) تفعل فعلاً أشدّ وأمضى من المصلحة الخاصة والحرية الفردية والتقيّد بالقوانين المرتضاة من غالبية السكان.

هذا سيجعل الأمن الداخلي الأميركي لا يتوجه فقط إلى هواة السلاح العنيفِين والمضطربِين، بل إلى فئات واسعة من المهاجرِين ذوي الأصول العربية والإسلامية.

خنجر هادي مطر قديمٌ في تاريخ الاغتيالات الإسلامية القديم، مثل خنجر المجوسي الذي قتل عمر بن الخطاب. وهو معاصر كذلك، بدليل عمليات اغتيال عديدة ومشابهة جرت في السنوات الأخيرة في القاهرة وباريس ولندن ونيس وغيرها.

إلا أن ظهوره العنيف والاستعراضي يشبهُ (مع اختلاف السيرة والسياق) ما قامَ به سرحان سرحان عند اغتيال روبرت كينيدي:

عنفُ الفرد الذي يتوخّى تصحيح التاريخ، أو إحقاق العدالة، كما في عدد من أفلام هوليوود.

هادي مطر مغترِب على الرغم من ميلاده الأميركي. مغترِب عمّا يعيش فيه، ومنصرِف إلى عالَم متخيّل من حقد وكوابيس وعنف.

وفي هذا قوةُ تخيّلٍ مريضٍ، لا تشبه جمال التخيل السردي.


MISS 3