مايا الخوري

مسرحية "جوّا برّا": حين تتحرّر "الأنا" للإتحاد بالآخر

27 آب 2022

02 : 01

جلسة نقاش وتبادل أفكار بين المشاركات
"جوّا برّا" عرض مسرحي لاستديو "سيناريو" من إنتاج نساء في لبنان، بالتعاون مع "النساء الآن" و"دار الأيتام الإسلامية" ومموّل من "كندا"، يُعرض في الأول من شهر أيلول المقبل في الجامعة اللبنانية الأميركية. مشاركات من بيروت والبقاع ومن جنسيات مختلفة إجتمعن لابتكار النص والإرتجال معاً تحت إشراف المخرجة رويدا الغالي ومنسّقة المشروع رنا جلخ.

تعالج مسرحية "جوا برا" قضايا عدّة ومحاور ترتكز أساساً على ذاكرة الجسد وكيفية تخزينه أحاسيس وذكريات تساهم في تشكيله. وفي خلال عملية بحث الإنسان عن تلك المشاعر المؤجلة من قبل الجسد وذاكرته، نحاول إسترجاع تلك الأحاسيس تمهيداً لبلوغ الحرية، وفق ما تقول المخرجة رويدا الغالي التي أشرفت بشكل أساس على النص والأداء. مضيفةً: "كلما تطوّرت علاقة صحية مع تلك الأحاسيس وكيفية التعامل معها، ترتفع إنسانيتنا، ليصبح التفاعل مع الآخر أرقى والتواصل معه أعمق. من هنا تنطلق قضية التعاطف ما بين الناس والإتحاد بهم".

إضافة إلى البعدين الذاتي والإنساني، تتطرّق المسرحية أيضاً إلى بعضٍ من المعاناة الإجتماعية، حيث تطرح شذرات وصوراً عن عمالة الأطفال والتعنيف والتفلّت المدرسي ومواضيع أخرى باقتضاب.



مشهد من التحضيرات للمسرحية





وتتحدث الغالي عن إنعكاسات نفسية كثيرة يُحدثها هذا المشروع على المشاركات نتيجة التعبير بحرية والغوص بذكريات مؤلمة، مشيرة إلى أنهنّ قد بلغن مستوى معيّناً من الشفافية في طروحاتهنّ سواء على مستوى الذكريات أو الأحاسيس، حتى وصلن إلى مرحلة ينظرن فيها إلى بعضهنّ البعض بشكل أفضل، ويتفاعلن أكثر مع قصص بعضهنّ البعض، حتى اتّحدن في "الأنا".

وعن كيفية الإشراف على النص والأداء خصوصاً أن المشاركات غير محترفات، أجابت: "بنيت الكتابة تدريجاً. صحيح أن ثمة تفاوتاً في قدراتهنّ على التعبير الكتابي، إنما عملنا على إدخالهنّ إلى عالم الكتابة بشكل تسلّلي ممنهج عبر إعداد مجموعة من التمارين في هذا الإطار. فاكتشفت المشاركات قدراتهنّ على التواصل مع مشاعرهنّ التي لم يعتدن التعبير عنها سابقاً من خلال الكلمة".




مشهد من التحضيرات للمسرحية



أمّا على صعيد الأداء، فكانت هناك عملية بحث عن لغة فنيّة، ومساعدة المشاركات على إيجاد وسيلة للتعبير، فكان تركيز على التقنيات الحركية مستثمرين بعضاً من الوقت قبل إنطلاق المسرحية. وطالما أن البعد التقني ملتصق بالبعد النفسي وفق الغالي، فقد اكتشفت المشاركات أن اجسادهنّ ليست مجرّد أداة، بل "الأنا"، وإنعكاس للذات، من هنا كانت تسمية "جوّا برّا" ، أي أن "جسدي الذي يحمل داخلي هو وسيلتي للتواصل مع الخارج".

وتصف الغالي هذه التجربة بالرائعة بفضل تفاعل المشاركات وتجاوبهنّ، وجهوزيتهنّ التامة لهذا المشروع قبل الإنطلاق به، وما ساعد في ذلك هو مشاركة بعضٍ منهنّ في مشاريع سابقة لـ"سيناريو" ما أكسبهنّ نضوجاً معيّناً. أما المشاركات الجديدات، فاندمجن سريعاً، ليتحقق تفاعل ناضج وملتزم بصدق منذ اليوم الاول، شكّل شبكة ثقة بين المدربين والمشاركات، لينطلقوا معاً في بناء المشروع من دون كلل أو تردد".



تفاعل جسدي تعبيري



وتضيف: "أفسحت هذه الثقة بيننا في المجال أمام التعبير بحرية ومن دون أحكام مسبقة فكانت تجربة جميلة جداً".

من جهتها تحدثت الميسّرة المساعدة ومنسقة المشروع رنا جلخ عن إنطلاق التحضير منذ عامين لافتة إلى أن شركاء منظمة "سيناريو" في المنظّمات الأخرى مثل "نساء الآن" طرحوا كالعادة أسماء نساء يرغبن في اختبار المسرح ليكون المعيار الأساس هو الإلتزام الصادق بالمشروع فقط لا غير.

وعن سبب إختيار نساء من جنسيات متعددة ومن مناطق مختلفة، تكشف عن سعي "سيناريو" إلى تحقيق هذا التنوّع بهدف تبادل الأمور الإيجابية الجميلة بين المشاركات خصوصاً أن نساء العاصمة اعتدن على نمط عيش مختلف عن نساء الأطراف، في البقاع أو المخيمات. لكل منهن ثقافتها وتربيتها الخاصة ونظرتها المغايرة إلى القضايا، فعند تبادل الأفكار، تتشجّع البقاعيات على التعبير بجرأة أكثر واختبار ذواتهنّ وتحدّي أنفسهنّ، فيما تكتشف نساء العاصمة القمع الذي تعيشه نظيراتهن في المناطق البعيدة.

ورداً عن سؤال حول أهمية الإفساح في المجال أمام المشاركات لكتابة النص، تقول: "نركّز في "سيناريو" على المسرح التشاركي، لأننا نرغب في مشاركة الناس بإعداد النص ليتوّرطوا بالمشروع بدلاً من أن نفرض عليهم نصاً جاهزاً، خصوصاً أنهم ليسوا محترفين. فضلاً عن أننا لا نسعى إلى ابتكار ممثلين محترفين، بل أن يشكّل المسرح أداة للتعبير عن الذات والمشاعر وعن مواقف لا يجرؤ الشخص على البوح بها أمام الآخرين لكنه يتشجّع من خلال المسرح".

وتشرح عن كيفية جمع أفكار المشاركين لإعدادها بشكل ملائم للمسرح، فتتحوّل الخشبة إلى مكان يعبّرون من خلاله عن أنفسهم، ويتحدثون عن الأمور التي لا يستطيعون البوح بها في الأيام العادية. وتضيف: "من شأن ذلك المساعدة في الشفاء النفسي، لأننا لا نقدّم علاجاً، إنما يمكن من خلال التمارين الجسدية ومن خلال تعليمهم كيفية التواصل مع الجسد، تحقيق إنفتاح وتعمّق ذاتي. من جهة أخرى، إذا لاحظنا في خلال الإعداد للمشروع ومراقبة المشاركين أن ثمة من يحتاج إلى متابعة نفسية، نقوم بدور الوسيط بينه وبين معالج نفسي خصوصاً على صعيد الأطفال والشباب".

وعما إذا كان المشروع يُحدث تغييراً معيناً لدى المشاركات، تشير إلى أن نسبة التغيير تتفاوت وفق طبيعة الاشخاص، ومدى إستعدادهم لذلك. وتقول: "تهمّنا مساعدة المشاركات في التعبير عن أنفسهن من دون رادع خصوصاً على صعيد المجموعة الصغيرة المقفلة، فنطّلع منهنّ على المواضيع التي يرغبن في التحدث عنها بشكل غير مؤذٍ أو متهوّر. وبعد إنتهاء العرض المسرحي نستكمل العمل معهنّ على مشاريع أخرى".

تنظّم "سيناريو" بعد إنتهاء المشروع جلسات تمارين مخصصة للنساء المشاركات، حتى يصبحن ميسّرات في مجتمعاتهن، ينظّمن ورش عمل مخصصة للأطفال يطبّقن فيها ما إكستبنه، فتكون "سيناريو" قد أمّنت فرص عمل للمشاركات معها في المنظّمة.